تقرير الاستخبارات الأميركية:مغازلة لإيران أم استفزاز لاسرائيل؟

تراقب المنطقة تطور العلاقة الأميركية – الإيرانية، بعدما بات معروفاً أن الملفين العراقي والسوري وحتى الملف الرئاسي اللبناني باتوا مرتبطين بمسار هذه العلاقة، خصوصاً في ظلّ دخول الطرفين في خندق واحد في العراق بمواجهة الإرهاب، والحديث عن تنسيق عسكري غير معلن عبر غرفة عمليات عراقية.

مؤشرات سياسية واستخباراتية عدّة شغلت بال حلفاء أميركا، توحي بتطور في العلاقات الأميركية – الإيرانية، دفعت كثيرين إلى التساؤل: هل غيّرت أميركا من سياستها؟ خصوصاً بعد تصريح وزير الخارجية الأميركية جون كيري (الملتبس) الذي دعا فيه إلى التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد، وسبق ذلك تصريح له يقول فيه: “لدينا مصالح مشتركة مع إيران للتصدي لـ”داعش”، فضلاً عن حديثه منذ فترة عن اتفاق بشأن الملف النووي دفعه إلى زيارة الرياض لطمأنة الحلفاء بأن ذلك سيصبّ في مصلحتها. وسبقه موقف لمدير الـ “سي آي إي” جون برينان أكد أن لا أحد يريد انهيار المؤسسات الحكومية في سوريا، في وقت تصرف أميركا النظر عن الوجود الإيراني الواضح والصريح في سوريا، خصوصاً في معركة القنيطرة…

تقرير الاستخبارات القومية
جاء أخيراً تقرير مدير الاستخبارات القومية الأميركية جيمس كلابر الذي أزال من الفقرة المعنونة بالإرهاب اسمي “إيران وحزب الله”، واقتصر كلامه في هذه الفقرة عن “التطرّف السنّي”، وقال في بدايته (الصفحة 4 – الإرهاب): “يكسب المتطرّفون السنّة المزيد من الأراضي، خصوصاً أنّ عدد المجموعات الإرهابيّة المتطرّفة وأعضاءها أصبح هائلاً، ويبدو أنّه أصبح الأكبر في التاريخ. تتحدّى هذه المجموعات الحكومات المحليّة والإقليمية وتهددّ حلفاء الولايات المتحدة الأميركية، شركاءها ومصالحها. وقد ترتفع نسبة التهديد أكثر، ولكن ذلك يرتبط فعلياً بعوامل عدة أوّلها: النجاح الذي ستحقّقه المجموعات الإرهابية من ناحية السيطرة على الأراضي، وتقبّل جمهورها فعلياً عملية شنّ هجوم على الحكومات المحلية وإطلاق نداءات معادية للغرب، إضافة إلى متانة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق وسوريا ومدى صمودها هناك…”.
اعتاد متابعو تقارير أجهزة الاستخبارات ومنها الخاص بكلابر، ذكر اسم إيران و”حزب الله” في هذه الفقرة، لكنهم اعتبروا أن تغييبهما مؤشر إضافي على تطوّر العلاقة بين إيران وأميركا، فيما تجاوز البعض حدود المنطق بأن اميركا لم تعد تعتبر “حزب الله” إرهابياً وأنه دخل لعبة تطور المصالح، وفيما اقتصر تحليل آخرين على أنها مجرد مغازلة تواكب تطورات الملف النووي الايجابية.

استخبارات وزارة الدفاع

لا شك أن تقرير كلابر يعتبر الأهم استخباراتياً في أميركا بين أجهزة الاستخبارات الـ 16، لكن في تقرير استخباراتي آخر، نشر في اليوم نفسه (26 شباط)، عن مدير استخبارات وزارة الدفاع الاميركية الجنرال فينسنت ستيوارت، تختلف الأمور في شكل جذري، إذ يقول في الفقرة المعنونة بـ”الإرهاب”: “يُعتبر كلّ من الحرس الثوري للقوى الإسلامية في القدس والمقاومة اللبنانية “حزب الله”، أداة في يد السياسة الإيرانية الخارجية وقدرتها على بسط سلطتها في العراق وسوريا وما يلحقها من بلدان أخرى. يستمرّ حزب الله في مساندة النظام السوري الأسدي والمقاتلين العراقيين الشيعة في سوريا. كما أنّ مدرّبي حزب الله ومحاربيه في العراق يساندون المقاتلين الإيرانيين والعراقيين الشيعة في محاربة السنّة المتطرّفين هناك. كما يرغب المحاربون العراقيون الشيعة في محاربة القوى الأميركية التي ستعود إلى العراق”.
أما في ما يتعلق بـ “إيران” فكان التقرير واضحاً بأن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية تستمرّ في تهديد الاسترتيجية الأميركية وزعزعة أهدافها في الشرق الأوسط. إذ تبيّن أنّ أهداف إيران والسياسة التي تتبعها تلبي رغبتها في أن تصبح الدولة الأكبر والأكثر هيمنة في المنطقة، ما يفسر محاولة إيران تعزيز العمق الاستراتيجي لديها”، يضيف: “ترى طهران في الولايات المتحدة الأميركية عدواً لدوداً لها يضاهيها في قوّتها. انطلاقاً من هنا، ووفقاً لحجم الولايات المتحدة، صنعت إيران استراتيجيتها العسكرية وعقيدتها ما جعلها أكثر قدرة على مواجهتها. فنلحظ بالتالي أنّ الجيش الإيراني دفاعي في المقام الأوّل، بإمكانه ردع أيّ نوع من الهجوم، ويبقى كذلك على قيد الحياة بعد الهجوم في حال فشل دفاعه. كما بإمكانه الانتقام من المعتدي عليه وفرض حل ديبلوماسي. وقد ساعد في ذلك البنى التحتية الإيرانية ومنشآت إيران تحت الأرض التي تحدّ من مواطن الضعف العسكرية، ونحن لا نتوقع أي تغييرات حيال هذا الأمر عام 2015. ونستمرّ في تقييم هدف إيران في تطوير قدراتها التي تسمح لها ببناء وصنع أسلحة نووية. فلا يواجه النظام أيّ حواجز تقنية تعيق إنتاجه للأسلحة النووية، ما يوفّر لهذا الأمر اهتماماً مركزياً”.

التقرير الرسمي في نيسان
رغم عدم اتفاق الاستخبارات على رؤية واحدة، إلا أن اوساطاً متابعة للشأن الأميركي تؤكد أن “أهم تقرير هو ذلك التابع لوزارة الخارجية الأميركية والذي سيصدر في نيسان المقبل المرتبط بأنماط الإرهاب في العالم، والذي من شأنه تحديد موقف الادارة الاميركية الرسمي من إيران وحزب الله”، مستبعدة تغييبهما عن التقرير.
وتقول: “لا شك أن تغييب إيران وحزب الله في فقرة الإرهاب في تقرير كلابر مهم، إلا أنه لا يغيّر في المعادلات أو السياسة الاميركية، خصوصاً في ظل وجود تقارير استخباراتية أخرى لا تزال تؤكد مدى خطورة الطرفين وعداوتهما لأميركا”، مشددة على أن “وضع “حزب الله” على لائحة الإرهاب يتمّ من جهة تنفيذية وليس استخباراتية، وبالتالي فإن إزالته والحرس الثوري الإيراني يحتاج إلى قرار من البيت الأبيض”.
ولفتت إلى انه “لو أُزيل الاسمان من لائحة الإرهاب، لكان الوسط السياسي الأميركي طرح الموضوع على دائرة النقاش”، مشيرة إلى ان “الموضوع لم يثر أي ضجة في أميركا ولم يتناوله أحد”.

علاقة سيئة مع اسرائيل
من جهته، لا يرى أحد المستشارين في الحزب الديموقراطي الاميركي سابا شامي في تغييب اسم إيران و”حزب الله” عن فقرة الإرهاب في التقرير الاستخباراتي أي “تطور في العلاقات الاميركية – الإيرانية، بقدر ما هو مؤشر لتدهور العلاقة بين الرئاسة الاميركية والحكومة الاسرائيلية. وهذا أحد تلميحات الرئيس الاميركي باراك أوباما لرئيس الوزارء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، خصوصاً ان الأخير فاز في الانتخابات وكان من المتوقع ذلك”.
ويعتبر شامي الذي حدثنا من ولاية فرجينيا أن “هذه الخطوة سياسية محدودة ومحسوبة اكثر من أن تكون عملية تغيير في السياسة في شكل عام”، موضحاً أن “الادارة الاميركية تبنت تاريخياً التفكير الاسرائيلي بما يتعلق بإرهابية حزب الله وإيران، حيث كانت القضية نوعاً من تماهي المواقف بين الادارات الاميركية المتتالية وموقف حكومة اسرائيل”، وأضاف: “الفجوة بين الرئاسة الاميركية واسرائيل توسّعت، لأن أجهزة المخابرات في الولايات المتحدة تتبع إلى رئيس الجمهورية في شكل مباشر وهي قسم من الجهات التنفيذية وليس التشريعية او القضائية”.
أما في شأن تطور العلاقة الإيرانية الأميركية، فيقول “من الزاوية الإيرانية فهي ايجابية أما من الناحية السعودية فهي سلبية، فيما ترى الخارجية الاميركية ان المهم في هذه المرحلة الا تتحدى إيران في ما يتعلق في مصالحها الاقليمية، ويأتي ذلك في خضم ما يعتقد أميركيا انه لمصلحة الولايات المتحدة المستدامة في منطقة الخليج العربي”، مذكراً بزيارة كيري للخليج و”تطمين السلطات فيه بأن اميركا لن تعطيَ كل شيء للإيراني بل أعطت بعض المزايا لتستطيع أميركا أن تضغط أكثر في ما يتعلق بالملف النووي”.

(النهار)

السابق
جريح بحادث سير في جل البحر في صور
التالي
دعوات خبيثة لتشغيل مكالمات Whatsapp