تصريحات هيل: طمأنة أمريكيّة للحلفاء واستباق نتائج المفاوضات مع إيران

أثارت التصريحات التي أطلقها السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل في نهاية الأسبوع الماضي وهاجم فيها حزب الله بقوة، الكثير من علامات الاستفهام حول أبعاد هذه التصريحات ودلالاتها وتوقيتها، خصوصاً أنها تأتي في ظل المعلومات المتواترة عن حصول تقدم كبير في المفاوضات الإيرانية – الأميركية – الدولية بشأن الملف النووي الإيراني، واحتمال انعكاس هذا الاتفاق، إذا حصل، بشكل إيجابي على ملفات المنطقة، ومن ضمنها ملف الانتخابات الرئاسية اللبنانية.

وقد ردّ المسؤولون في حزب الله بقوة على تصريحات السفير الأميركي ودعوه إلى عدم التدخل في الشؤون اللبنانية وإلى التزام الأعراف الدبلوماسية. فيما اهتمت قوى 14 آذار بالتصريحات واعتبرتها رسالة قوية إلى حزب الله وحلفائه، خصوصاً العماد ميشال عون، وأنه يقطع الطريق أمام حصول أية صفقة خارجية تمهدّ لمجيء عون إلى رئاسة الجمهورية.

وقد تزامنت تصريحات السفير هيل مع الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري لدول المنطقة وعقده لقاءً موسعاً مع وزراء دول مجلس التعاون الخليجي وإبلاغهم أن أي اتفاق نووي مع إيران لن يكون على حساب هذه الدول.

فما هي أبعاد التصريحات والتحركات الأميركية في المنطقة؟ وما هي انعكاسات الاتفاق النووي الإيراني – الأميركي – الدولي، إذا تم، على الوضع اللبناني؟ وكيف تتعاطى القوى والأطراف اللبنانية مع المواقف الأميركية ومع التطورات الحاصلة على صعيد العلاقات بين إيران والدول الكبرى، ولا سيما على صعيد الملف النووي والحرب المستمرة على تنظيم داعش في العراق وسوريا؟

تصريحات هيل وجولة كيري

بداية، ما أبرز ما قاله السفير الأميركي ديفيد هيل في حزب الله والوضع اللبناني؟ وهل هناك علاقة بين هذه التصريحات والجولة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري على دول المنطقة؟

بشكل مفاجئ ودون أسباب منطقية، شن السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل هجوماً قاسياً على حزب الله وذلك بعد قيامه بزيارة لوزير الداخلية نهاد المشنوق (العائد من أميركا بعد مشاركته في مؤتمرات أمنية والمعروف عنه علاقاته الوثيقة بحزب الله وتعاونه المستمر معه).

فقد أكد هيل ضرورة عدم توقع حصول صفقات خارجية لاختيار رئيس للجمهورية للبنان وان حزب الله يتحمل مسؤولية امتداد الإرهاب والتطرف إلى لبنان، بسبب تدخله في سوريا وانتهاكه لقرارات مجلس الأمن. وأشاد هيل بالجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، مندداً بتفرد حزب الله باتخاذ «قرارات الحياة والموت نيابة عن اللبنانيين وارتباطه بقوى خارجية».

وجاءت تصريحات هيل عشية الاستعدادات التي تقوم بها قوى 14 آذار لإحياء الذكرى العاشرة لقيام هذه القوى التي كانت تحظى باهتمام ورعاية أميركية خاصة حسبما تؤكد مصادر دبلوماسية غربية من بيروت.

وتزامنت تصريحات هيل مع جولة وزير الخارجية الأميركي جون كيري على دول الخليج وتأكيده خلال لقائه مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليج «ان أي اتفاق نووي مع إيران لن يكون على حساب هذه الدول وأهمية الوصول إلى حل للأزمة السورية بدون الرئيس بشار الأسد».

المصادر الدبلوماسية الغربية اعتبرت «أن تصريحات السفير الأميركي في لبنان ديفيد هيل وتصريحات وتحركات وزير الخارجية جون كيري هي جزء من النشاط الذي تقوم به الدبلوماسية الأميركية في المنطقة من أجل التأكيد أن اتفاقاً نووياً بين أميركا والدول الكبرى وإيران لن يكون على حساب حلفاء أميركا ودول المنطقة، وان الأميركيين لن يسمحوا لإيران وحلفائها، وخصوصاً حزب الله، باستغلال هذا الاتفاق إذا تم، من أجل زيادة نفوذهم في المنطقة أو الحصول على نتائج ترضية، وخصوصاً لجهة معركة رئاسة الجمهورية في لبنان.

ورغم هذه المواقف الحادة التي أطلقها السفير الأميركي ضد حزب الله وردود الفعل من قبل مسؤولي الحزب عليه، فإن هذه التصريحات لم تنجح في طمأنة العديد من القوى اللبنانية على صعيد المرحلة المقبلة، نظراً إلى المخاوف القائمة بأن أي اتفاق إيراني – أميركي سيكون لمصلحة إيران وحلفائها في المنطقة.

القوى اللبنانية والاتفاق النووي

لكن كيف تتعاطى الأطراف اللبنانية مع احتمال حصول اتفاق نووي بين إيران وأميركا والدول الكبرى؟ وهل سيكون لهذا الاتفاق تأثير مباشر على الوضع اللبناني؟

تتباين آراء القوى والأطراف اللبنانية بشأن الاتفاق النووي الإيراني – الأميركي – الغربي، فبعض هذه القوى لا تزال تعتبر أن احتمال التوقيع على الاتفاق لا يزال ضعيفاً وانه إذا تم فإنه سيؤدي إلى دفع إيران لتقديم بعض التنازلات في الملفات الإقليمية ولا سيما في سوريا ولبنان، وهذا هو موقف معظم قوى 14 آذار وبعض أركان تيار المستقبل، مع وجود مخاوف لدى بعض هذه القوى من ان يكون الاتفاق على حساب لبنان ودول المنطقة. أما قوى 8 آذار فإنها تعتبر أن أي اتفاق نووي بين إيران والدول الكبرى سيؤدي إلى تعزيز دور إيران وحلفائها في المنطقة.

ويؤكد المسؤول في قوى 8 آذار أن أي اتفاق نووي إذا حصل لا يعني بالضرورة تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، لأن معركة رئاسة الجمهورية مرتبطة بحسابات داخلية، وان هذه القوى لا تزال مصرة على انتخاب العماد عون رئيساً، وفي حال تخلي عون عن هذا المطلب، فإنه لن يُقبَل برئيس وسطي، لأن التجربة مع الرؤساء الوسطيين ليست ناجحة، والخيار الأفضل بعد عون هو النائب سليمان فرنجية.

وفيما تراهن قوى 14 آذار على تراجع الدور الإيراني إذا تم الاتفاق واستمرار مأزق حزب الله بسبب تدخله في سوريا، يرى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ان «المشروع الإيراني يتقدم في المنطقة، ولكن حزب الله لا يستطيع الخروج من الأزمة القائمة في سوريا». وقد أطلق جنبلاط تصريحات سلبية ضد إيران من خلال اتهام قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني وأنصاره بتخريب العراق بموازاة ما يقوم به تنظيم داعش وندد بما سمّاه مشروع قورش (وهو قائد فارسي قديم).

أما أوساط قوى 8 آذار، فإنها تعبِّر عن ارتياحها للتطورات الحاصلة في العراق وسوريا ولبنان ودول المنطقة على المستوى الميداني أو السياسي، وتعتبر هذه القوى ان حصول الاتفاق النووي الإيراني – الأميركي – الدولي سيؤدي الى متغيرات عديدة في المنطقة وسيكون لمصلحة إيران وحلفائها، لذا المطلوب التكيف مع المتغيرات الحاصلة والبحث عن تسويات سياسية للأزمات القائمة، ولا سيما الأزمة السورية.

إذن, الجميع ينتظرون ما سيحصل على صعيد المفاوضات الإيرانية – الأميركية – الدولية، ويبدو أن نتائج هذه المفاوضات ستدخل لبنان والمنطقة في مرحلة جديدة، والمطلوب انتظار نتائج المفاوضات وتداعياتها بعيداً عن التصريحات والمواقف المعلنة، لأن المهم ما سيحصل على أرض الواقع.

(الامان)

السابق
«كي لا تضيع النبطية»: صُوَر الحياة الماضية
التالي
هل سمحت مصر بتصوير الفيلم الإباحي بمنطقة الأهرامات؟