السياسة الخارجية السعودية للملك سلمان: حجم التغيير والفرص المتاحة

الملك سلمان

قبل ان تبدا مراسم الدفن والتشييع للملك عبدالله، سارع العاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبدالعزيز الي اصدار عدة مراسيم ملكيه عاجلة وحازمة كان أبرزها تعيين وزير الداخلية القوي محمد بن نايف في منصب ولي ولي العهد (أي بعد مقرن بن عبدالعزيز)، واعفاء خالد التويجري من منصبه كرئيس للديوان الملكي وتعيين محمد بن سلمان بن عبدالعزيز (ابن الملك) كوزير للدفاع ورئيس للديوان الملكي.

وخلال الأيام العشرة الاولى من حكمه، قام الملك سلمان بأوسع عملية تغيير داخلي حصلت على الإطلاق في تاريخ المملكة. عملية التغيير هذه طالت عددا كبيرا من المواقع الحكوميّة الحساسّة والمهمة والتي شغلها أمراء وشخصيات ذات نفوذ، حتى انّ البعض وصف هذه التغييرات بانّها ثورة على انقلاب صامت كان يقوده كل من خالد التويجري ومجموعته بالإضافة الى أبناء الملك الراحل عبدالله، ويستهدف اخراج الملك سمان من المعادلة.

ومن الواضح ان هذه التغييرات عكست اولوية الوضع الداخلي في المملكة العربيةالسعودية، وهدفت الى:

1) اعادة تمكين الجناح “السديري” من العائلة المالكة في الحكم، والغاء الترتيبات التي وضعها الملك عبدالله ليكون ابنه أول من يحتل منصب ولي العهد من احفاد الملك عبدالعزيز المؤسس للمملكة العربية السعودية. ومع التغييرات التي ادخلها الملك سلمان، سيصبح محمد بن نايف (من الجناح السديري) اول أحفاد الملك عبدالعزيز في منصب ولي العهد مستقبلا، سيما وان تكهنات عديدة تقول الى انّ الامير مقرن لن يبقى وليا للعهد لفترة طويلة، وسيعمل الملك سلمان على تغييره ولكن لاحقا.

2) الغاء التغييرات الداخلية التي جرت في اواخر عهد الملك السابق عبدالله حيث كان يعتقد بشكل كبير انّ خالد التويجري رئيس الديوان الملكي والسكرتير الخاص بالملك والامين العام لهيئة البيعة هو الرجل المؤثر فعليا في البلاد. ومن المعروف ان التويجري كان الى جانب جناح ابناء الملك عبدالله ضد سلمان.

ويعدّ الملك سلمان والدائرة المحيطة به من التيار المحافظ، كما انّ ولي ولي العهد “محمد بن نايف” معروف بموقفه القوي في مكافحة الارهاب والقضاء على خلايا القاعدة داخل المملكة وملاحقة خلاياها في الخارج، وهذه مؤشرات على توجهات الحكم الجديد في المملكة على الصعيد الداخلي.

مؤسرات التغيير في السياسة الخارجية السعودية والتحديات التي تواجه المملكة

تواجه المملكة حاليا تحدّيات خارجية ضخمة أبرزها:

1) صعود النفوذ الايراني في المنطقة الى مستوى غير مسبوق في التاريخ الحديث، وسيطرة ميليشياتها المسلحة على عدّة بلدان في العالم العربي آخرها حتى الآن اليمن الحديقة الخلفيّة للمملكة.

2) صعود الجماعات المتطرّفة المسلّحة كتنظيم “داعش” والقاعدة، وتنامي مناطق ومساحة سيطرتها وعملها على تخوم المملكة أيضا.

3) المفاوضات الأمريكية – الايرانية التي تتجه على ما يبدو الى اتفاق من شانه ان يؤدي الى تعميق الفجوة في ميزان القوى الاقليمي لصالح ايران.

من المعروف انّ السياسة الخارجية السعودية في الغالب هي سياسة تقليدية، محافظة، وبطيئة في الاستجابة للاحداث. لكنّ التحدّيات المذكورة اعلاه تفترض حصول تغييرات سريعة في السياسة الخارجيّة السعودية اذا ما ارادت المملكة مواجهة هذه التحديات وهو ما يدركه السعوديون جيدا، بدليل التغييرات الداخلية التي حصلت.

صحيح ان هذه التغييرات جاءت استجابة لمعادلة سعودية تقليدية تقتضي أن تكون الأولوية دائما للوضع الداخلي، لكنّ عدّة مؤشرات تدل على انّ لبعض هذه التغييرات انعكاسات أيضا على سياسة المملكة الخارجية تجاه عدد من القضايا الإقليمية، ومن هذه المؤشرات:

1) اعفاء خالد التويجري من منصبه ضمن اولى القرارات التي اتخذها الملك. ومن المعروف أنّ التويجري يمتلك توجهات معادية للاسلاميين لاسيما ما يسمى “حركات الاسلام السياسي”، ويعتبر مهندس الانقلاب الذي جرى في مصر، والداعم الرئيسي للسيسي الذي قام بدوره بحملة دموية ضد الاخوان وكل معارضيه داخل مصر.

2) اعفاء بندر من سلطان من منصبه،ومن المعروف انّ بندر كان مسؤولا خلال فترة طويلة عن الملف السوري والملف اليمني، وتواجه المملكة الآن فيهما موقفا صعبا للغاية.

3) عدم حضور محمد بن زايد أو من ينوب عنه لتعزية الملك عند وفاة عبدالله، وكذلك عدم حضور السيسي مع المعزين في اول يوم، وكلها مؤشرات كانت تعزز الاعتقاد بوجود خلاف بين هذا المحور والملك سلمان.

4) الموافقة على طلب مجلس الشورى استدعاء وزير الخارجية سعود الفيصل في سابقة من نوعها. ومن المنتظر ان يتم الاستماع اليه في قضايا تتعلق بالتغييرات المتسارعة التي تشهدها الدول الأكثر سخونة في المنطقة، إضافة إلى علاقات المملكة بدول الإقليم والقوى الدولية.

ولم يغير تصريح الفيصل الذي قال فيه انه “لا مشكلة للسعودية مع جماعة الاخوان المسلمين وانما مع من يبايع المرشد الأعلى” من موقف المجلس في استدعائه، رغم انه مؤشر ايضا على لغة مغايرة على الاقل تجاه الاخوان، علما انّ وزارة الخارجية السعودية ستشهدت تعديلات قريبة جدا في عدّة مستويات.

العلاقة مع السيسي والأخوان

بالرغم من انّ الملك سلمان بقي صامتا حيال التعليقات التي تشير الى وجود تغيّر في سياسة المملكة الخارجية لاسيما تجاه نظام السيسي وموضوع الاخوان، الا أنّ وسائل اعلام مصرية واعلاميون مصريون معروفون بتبعيتهم للسيسي قاموا بالتهجّم على الملك سلمان في عدد من برامجهم السياسية منذ اليوم الأول لتسلّمه العرش، ما أكّد أنّ موقف الملك الجديد من السيسي سيكون مختلفا عن سلفه بالتأكيد.

وسرعان ما اوقفت قناة العربية المحسوبة على السعودية برنامجين سياسيين كانا يعرضان دوما لدعم نظام السيسي. وهناك معلومات عن قرب حصول تغييرات في سفارة المملكة في القاهرة وسفارة المملكة في أنقرة، بالإضافة الى تراجع حجم ونوع الدعم الذي كان من المفترض ان يقدّم الى السيسي في اجتماع المانحين في شهر مارس القادم، وسط تأكيدات على امكانية ان يتحول الى مؤتمر شكلي.

وهذه كلها مؤشرات على تغيير موقف السعودية من السيسي نفسه، لا نقول انّ الملك سلمان سيكون حليفا للاخوان ولكنه لن يكون حليفا للسيسي بالشكل الذي كان عليه الملك السابق وهذا لوحده يكفي لحصول نوع من التغيير في المعادلة.

والحقيقة انّ ما يعزز ضرورة حصول هذا التغيير هو انّ سياسات السيسي الخارجية الآن متناقضة تماما مع سياسة السعودية الخارجية. فالقمع الشديد الذي يمارسه على المدنيين وعمليات القتل الواسعة تؤدي الى دفعهم لحمل السلاح وتخلق البيئة المناسبة لولادة وتكاثر الارهاب، كما انّ اعتبار الاسلاميين المعتدلين حركات ارهابية يؤدي الى توليد جماعات اسلامية متطرفة، ويسهل انخراط افرادها في تنظيمات ارهابية للثأر، وهذا كله يتناقض مع مصالح المملكة ومع توجهاتها في مكافحة خطر “داعش” المتنامي. أضف الى ذلك ان موقف السيسي من الأسد أشبه بالموقف الايراني والروسي، وهو يتناقض مع الموقف السعودي الذي يريد الاطاحة به.

وبالرغم من التسريبات التي بُثّت عن اهانة السيسي لدول الخليج ونهبه لأموال الدعم التي قدموها له وبلغت حوالي 40 مليار دولار، فقد تمّ نشر تصريح عن للملك سلمان عند تلقيه اتصالا من السيسي يقول فيه انّ “موقف المملكة تجاه مصر واستقرارها وأمنها ثابت لا يتغير”. كلام الملك صحيح وواضح، هو يتحدث عن مصر وليس عن السيسي.

وما يعزز هذا الاعتقاد محاولة السيسي احتواء امكانية حصول اي تغيير جذري في موقف السعودية منه بانفتاح على محور العراق وايران من جهة وكذلك تقوية علاقاته مع الامارات واسرائيل من جهة ثانية، وعرض خدمات على المملكة في موضوع مواجهة فوضى اليمن من جهة ثالثة.

العلاقة مع تركيا وأمريكا

وامام هذه التحديات الخارجية المتراكمة التي ذكرناها، هناك من يرى ضرورة تحرّك المملكة بشكل سريع لاعادة النظر في علاقاتها مع مجموعة من القوى الاقليمية والدولية وعلى رأسها تركيا والولايات المتّحدة. بعض النخب العربية كجمال خاشقجي يرى ان على السعودية التعاون الاستراتيجي مع أنقرة وواشنطن لمواجهة هذه التحديات.

آخرون كصاحب هذا المقال اقترحوا سابقا انّ يتم وضع اجندة اقليمية موحّدة لمواجهة هذه التحديات بين كل من السعودية وقطر وتركيا. فمصالح ورؤى هذه الدول ازاء التحديات المتصاعدة في سوريا والعراق واليمن، وتمدد نفوذ ايران وميليشياتها في المنطقة، بالإضافة الى “داعش” تكاد تكون متطابقة تماما، والآن اصبحت الفرصة متاحة أكثر من أي وقت مضى لتحقيق ذلك خاصّة ان هناك معطيات جديدة تدفع بهذاالاتجاه.

علاقات الملك سلمان الشخصية مع أردوغان جيدة، وكذلك مع قطر التي زارها قبل ايام ولي ولي العهد محمد بن نايف في اول زيارة خارجية له. السعوديون التقطوا رسائل أنقرة الايجابية على الفور عندما قطع أردوغان زيارته الافريقية وتوجه مباشرة الى التعزية. وكذلك فان تنكيس الاعلام التركي كان له وقع ايجابي على الداخل السعودي. ويقال انّ المملكة قد ترد بأن تكون أول زيارة خارجية للملك سلمان الى تركيا اذا لم يزها أردوغان خلال فترة قصيرة.

لكني وبعكس خاشقي، اعتقد انّ المراهنة على واشنطن غير ممكنة في هذه المرحلة، لان كل سياسة اوباما تتمحور الآن حول عقد صفقة مع ايران وتطوير العلاقة معها. وقد برهن أوباما انه مستعد لمواجهة كل حلفائه التقليديين في الشرق الاوسط وتجاهل مصالحهم ومخاوفهم من اجل تحقيق الصفقة مع إيران بما في ذلك اسرائيل وتركيا والسعودية. ولذلك سيكون من العبثي التوجه نحو واشنطن قبل ان يتم اغلاق الملف المصري وتوحيد اجندة الدول الثلاث الاقليمية، الامر الذي سيضغط حينها على واشنطن لانه سيكون من الصعب عليها ان تتجاهل دور وثقل هذه الدول اذا كان موقفها موحدا.

لا شك انّ هناك تغيير ا بدأ يطرأ على السياسة الخارجية السعودية لكن المسألة تتعلق بحجم هذا التغيير وسرعته، وأرى انّه من الممكن ان يبدأ من مصر عبر الضغط على السيسي أو عبر مبادرة يقوم بها الملك سلمان لتحقيق تسوية تتيح اغلاق الملف المصري، فقطر سبق وان اعلنت عن استعدادها للقيام بوساطة، كما اعرب مسؤولون اتراك عن استعداداهم للتجاوب مع اي مبادرة مصرية اذا تمّت تسوية الأوضاع، وعندها يمكن للمملكة وكل من تركيا وقطر التفرغ بشكل أفضل للتحديات الاقليمية الاخرى بأجندة موحدة، وهذا ما يعتقد البعض أن المملكة قد تتحرك باتجاهه في المرحلة المقبلة.

وهنا الرابط باللغة الأجنية.

السابق
تعالوا معنا الى سوريا
التالي
فايننشال تايمز: «داعش» يحاول اثارة نزاعات في لبنان والمنطقة