تعالوا معنا الى سوريا

لبنان في وعي الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله ليس بلداً، هو ساحة، وهو جماعات ومجتمعات تم إخضاعها. وهي إذ ما زالت تمتلك نفساً أخيراً، فهذا يدفعه إلى مطالبتها بأن تستعين بهذه الأنفاس للذهاب معه إلى سوريا. فقد قال السيد للبنانيين “تعالوا معنا إلى سوريا”!

هو بذلك تجاوز مسألة أن اللبنانيين مواطنون في بلد يخضعون فيه لشروط أخرى لا تتصل بهذه الدعوة الكريمة. “تعالوا معنا إلى سوريا” مع كل ما ينطوي على هذه العبارة من انعدام الشعور بأن للبنان قيمة، وبأنّ سوريا بلد آخر لا يجوز انتهاك سيادته.

لنفترض أن كل اللبنانيين ضد من يقاتلهم “حزب الله” في سوريا، فهل تجوز دعوتنا للقتال في بلد آخر؟ من يدعونا إلى هذه الوليمة لا يمتلك الحق القانوني والدستوري في أن يأخذ مواطني بلد بأكمله للقتال في بلد آخر.

“تعالوا معنا للقتال في سوريا” دعوة وجّهتها “داعش” للشبّان السنّة اللبنانيين أيضاً، ذاك أنّها بدورها لا تقيم وزناً لمعنى أن يتوجّه مواطنون لبنانيون للقتال في بلد آخر. هؤلاء الشبّان برأيها هم “أهل السُنّة”، وليسوا لبنانيين.

والحال أن لبنان المنتهَك، تماماً كما هي منتهَكة سوريا في هذه الدعوات وفي هذا القتال، لم تعد له قيمة وسط هذا الوضوح. فقد قال السيد “إنّ المنطقة تُخبز وتُعجن الآن، ويجب أن نكون هناك لكي نصنع مصير لبنان”. هذا الكلام شديد الوضوح. “حزب الله” في سوريا من أجل مهمة تتعلّق بالشكل الجديد الذي من المفترض أن يتحدد للدول وللجماعات.

لنُقلع إذاً عن مقولة “إننا نقاتل في سوريا لنحمي لبنان”، هذه المقولة التي اختُبِرت في السابق وفشلت بعد أن أفضى القتال في سوريا الى وصول “داعش” إلينا، تجاوزها نصرالله. هو يُقاتل في سوريا من أجل “خبز وعجن” المنطقة.

“حزب الله” قد يملك طاقة التأثير في “خبز وعجن المنطقة”، ذاك أنّه جزء من منظومة مذهبية إقليمية، لكن هل يملك لبنان طاقة الـ”خبز والعجن” هذه؟ الفارق حاد وواضح بين مصلحة لبنان ومصلحة “حزب الله” في القتال في سوريا.

النفوذ الايراني الذي يشكل “حزب الله” جزءاً منه يصطدم هنا بالمصلحة الوطنية اللبنانية. هذه المصلحة هي في حدّها الأدنى حماية الحدود، فيما “الخبز والعجن” من المفترض أنه يشمل بالدرجة الأولى إعادة صياغة الحدود، وبهذا المعنى فقد توجَّه “حزب الله” للقتال في سوريا من أجل القضاء على ما تبقّى من لبنان، ناهيك عن مهمته المتمثلة بالقتال في بلد هو غير بلده.

ومرة أخرى لو سلّمنا جدلاً مع الحزب في أنّ من يقاتلهم في سوريا هم الأشرار، فمن أعطاه تفويضاً بقتالهم هناك؟ هو من حيث المبدأ، وكونه “لبنانياً” يحتاج إلى تفويض لبناني وتفويض سوري، وهو لم ينل كلا التفويضين. الشرط الوحيد لكي ينعقد منطقٌ خلف هذا القتال، هو أن لا يكون لبنان، وأن لا تكون سوريا، وهذا ما يحققه الحزب في حفلة “العجن والخَبز”.
(ناو)

السابق
التخبط في الوحل السوري
التالي
السياسة الخارجية السعودية للملك سلمان: حجم التغيير والفرص المتاحة