فتحعلي: أبلغْنا جيرو أن المسيحيين يختارون الرئيس

«اللحظات الاستراتيجية» توصيف إيراني لما يسمونها ثوابتهم في التعامل مع ملفات إقليمية ودولية، «وفي طليعتها المقاومة ضدّ إسرائيل استنادا الى الأدبيات السياسيّة التي أرساها الإمام الخميني» يقول السفير الايراني في لبنان محمد فتحعلي.

وعدا هذا الخيار الاستراتيجي، تبدو اللعبة السياسية اللبنانيّة «مكشوفة»، «فلبنان بلد لا يمكن لأحد فيه اللعب بالخفاء» على حد تعبير فتحعلي.
يقارب ممثل الجمهورية الاسلامية الملف الرئاسي اللبناني بالكثير من التحفظ والدراية. من جهة يريدون للملف أن يكون لبنانيا بامتياز، ومن جهة ثانية يتبنون المعادلة التي طرحها الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في هذا الشأن.
لا ينفي ذلك أن طهران استقبلت جان فرانسوا جيرو رئيس دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية خمس مرات حتى الآن، وآخرها زيارة قام بها مطلع السنة الحالية، وشكل الموضوع الرئاسي اللبناني محورها الأساس.
في هذا السياق، تعتقد إيران أن «النخب السیاسیة اللبنانیة بإمکانها ان تستجیب لهذا الاستحقاق اللبناني، وقد أبلغ المسؤولون الإيرانيون الموفد الفرنسي في زياراته المتتالية إلى طهران أنّ من حق المجتمع المسيحي في لبنان أن يختار رئيس الجمهورية» كما يقول السفير فتحعلي.
زار السفير الإيراني على رأس وفد من السفارة في بيروت، جريدة «السفير» والتقى ناشرها ورئيس تحريرها طلال سلمان وعدداً من الزملاء في أسرة «السفير»، وعرض فتحعلي لتجربته الديبلوماسية قبيل وصوله الى بيروت، خصوصا أنه كان على تماس مباشر مع ملف الأزمة السورية بحكم موقعه في وزارة الخارجية الايرانية وصولا الى تجربته في السفارة التي وصلها بعد شهور قليلة من محاولة تفجيرها في نهاية العام 2013، وهو الذي قدم أوراق اعتماده الى الرئيس ميشال سليمان قبل أيام قليلة من انتهاء ولايته.
يشدد فتحعلي على أهمية العلاقات اللبنانية الإيرانية، ويجدد التأكيد على دعم ايران لاستقرار لبنان، ويقول لـ «السفير»: «أعداء إيران وأصدقاؤها لا يتبدلون، إنّها ثابتة إيرانية ووصيّة لا تنقض لمؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني».
وإذا كانت إسرائيل هي العدوّ الأوحد، فإنّ لبنان ومقاومته يندرجان ضمن الأصدقاء الذين لا تتخلّى عنهم إيران ومعهم بالطبع سوريا والعراق و «حركة الجهاد الاسلامي» وحركة «حماس» كما يؤكد سفير إيران في بيروت.
للعراق قصّة أخرى لا تبعد عن الهدف المبدئي الإيراني، «فالإمام الخميني احتمل قصف صدّام حسين لطهران بصواريخ «سكود»، على قاعدة أن لا تحيد البوصلة عن اتجاهها الأساس، أي العدو الصهیوني، ومثله فعل المرشد الأعلى الإمام الخامنئي حين وصل «داعش» الى الحدود الإقليمية لطهران، ما حتّم علاجا إيرانيا غير تقليدي، لكن من دون مغادرة الهدف الأساس.
فقد تزامن التمدّد «الداعشي» في العراق مع الحرب الإسرائيلية ضدّ غزة «ما أعطى الأولوية مرّة جديدة للحرب ضدّ إسرائيل»، هكذا يشرح الإيرانيون ثوابتهم المرتكزة أيضا على قراءة الوقائع الميدانية بدقّة ووعي موصوفين.
صحيح أنّ التحفّظ الإيرانيّ صفة ملازمة، لكنّ الصدّق في المواقف لا مفرّ منه، وخصوصا في الأمور المصيريّة، ويقول فتحعلي لـ «السفير» إنّ هذا النّهج للإمام الخميني الذي يسير فيه الإمام الخامنئي والرئيس الإيراني حسن روحاني ترجم في محطّات عدّة يشهد عليها الأرشيف الديبلوماسيّ للخارجية الإيرانية.
يسلط فتحعلي الضوء على خبرة الرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني منذ تولى مسؤولية مجلس الأمن القومي، ويستشهد بتصريح له قبل نحو سنة حذر فيه قادة أوروبيين من استمرار تجاهلهم لخطر الإرهاب والعنف وانتشار أسلحة الدمار الشامل، مؤكدا لهم أن خطر الإرهاب «الداعشي» يهدّد أوروبا قبل غيرها، وإبان المفاوضات الأولى حول سوريا، كنا نحذر الغرب من مغبة المضي في دعم الحركات المتطرّفة «لأنّها سترتدّ عليهم» يقول فتحعلي.
أمّا لبنان، فقد أصغت بعض نخبه السياسية للتوقعات الإيرانية إبان اندلاع الحرب السورية، ولاحقا اعترفت بعض القيادات اللبنانية بأنّ مراهنتها على أنه لن يكون بمقدور الرئيس بشار الأسد أن يصمد أكثر من شهر رمضان (2011) لم تكن في محلها.
بعض هذه القيادات لم تصغ أخيرا لرأي إيراني وصلها بأنّ محاولة تسويق «جبهة النّصرة» و «داعش» ولعب ورقتهما في ملفّات لبنانية عدّة ومنها ملفّ العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى «داعش» و «النّصرة» لن يجدي نفعا، وذلك انطلاقا من خبرة 35 عاما لإيران في رصد تلك المنظمات الإرهابية ومحاربتها.
وفي رد غير مباشر على مقالة نشرتها «السفير» يوم الثلاثاء الماضي للسفير البريطاني في بيروت طوم فلتشر وما تضمنته من صياغات ملتبسة، يشير فتحعلي الى أن البعض يمارس سياسة التضليل الإعلامي، ويقول لـ «السفير» ان «جذور الإرهاب ليست خافية على أحد، ولدينا مستندات كثيرة في هذا المجال، وإذا أراد بعض الأشخاص التشكيك بها، انما من أجل رغبتهم في تبرئة أنفسهم في هذا المجال».
ويضيف فتحعلي: «إذا قرأتم كتاب تاريخ المنطقة، فستجدون في كل صفحة منه التأثيرات السيئة والسلبية للأعمال التي مارسها هؤلاء، علماً أن الجميع يدرك أين تمّ تعليم قيادت تنظيم «داعش» وغيره من التنظيمات الارهابية».
وبمعزل عن ذلك، يرى فتحعلي أنه «في الوقت الحاضر يجب ألا نولي أهمية لهذه المسائل، بل يجب علينا تركيز الجهود على محاربة الإرهاب في المنطقة».

السابق
أوباما أوقف إنجاز الاتفاق مع إيران لخشيته من عدم مروره في الكونغرس؟
التالي
عاملة في برج ابي حيدرسقطت من الطابق الثالث