امرأة من لبنان

إنطلقت الألسن اللبنانية منذ إعلان الخطوبة الرسمية للنجم الهوليودي جورج كلوني والمحامية من أصل لبناني أمل علم الدين. أهالي قرية الشابة، بعقلين، انقسموا بين رافض اقتران ابنتهم من “ملّة” أخرى، فيما رحب آخرون، مشيدين بانفتاح طائفتهم على كل الطوائف… وليد جنبلاط تدخل أيضاً، رامياً مزحة مستوحاة من التاريخ، “وسطية” وملتبسة، كما عهدنا. في مواقع الفايسبوك، كان المناخ إلى حماسة أخرى، واعتزاز بالمرأة اللبنانية التي بوسعها أن تسحر (استعملوا عبارة “تشدّ”) أكثر رجال العالم معاندة للإرتباط، ملوحين بأشياء أخرى، مثل الإنذار الذي بعثه أحدهم إلى رجال لبنان بأن انتبهوا، نساؤكم يضِعن من بين أياديكم، وأنتم ما زلتم مضربين… الخ. حتى في الصالونات وبين الصداقات غير الإفتراضية، احتلت أمل علم الدين، أيضاً، مساحة من الأخذ والرد والإعجاب والحسد والتندّر… ولكن الكلمة التي سجلت أعلى نسبة من التكرار هي التي تلك علقت على شكلها الخارجي، هنا أهم عباراتها: “لم تشتغل على حالها”، “لم تضرب وجهها بحقن البوتوكس”، “لا ترتدِي الفساتين المشقوقة على جوانبها”، “لا تصبغ شعرها ولا عملته موديلا “، “لا تتغمى، لا تتدلّع، لا تبدو كأنها تتنهد…”، “حتى ان أشياء ضرورية لم تقم بها… لم تدخل مبضع الجراحة التجميلية في أنفها، “الذي يبدو كبيرا”… ومعنى هذه اللازمة ان أصحابها يضعون بها خطا عريضا على نوع الجمال اللبناني المتداول هذه الأيام. هل يعقل؟ امرأة لا تشبه فاتنات الفيديو كليب، لا تنطبق عليها المواصفات الجمالية الرائجة، من تشقير وتحمير، ونفخ ورفع وشدّ وألوان وبوتوكس وسيليكون… وفساتين وقصّات شعر وأكسسْوارات…؟ امرأة كهذه تسحر”أكثر العازبين جاذبية جنسية”، تدفعه للتراجع عن قرار بُني عليه قسط وافر من هذه الجاذبية، خصوصاً بين جميلات العالم من عارضات وفاتنات وملكات جمال؟

            ولكن، لحظة… أمل علم الدين امرأة جميلة بمظهرها. عيونها اللوزية وسمارها وطولها الفارع، ووجهها المنفتح على الدنيا… كل هذه مواصفات لم تغب عن الصحافيين الذين قابلوها، فكانت بـ”جمال شرقي خاص”. والذي جذب جورج كلوني لها، هو فوق جمالها، أو بالأحرى الى جانبه، كان ذكاؤها وخفة دمها ومعرفتها بأمور يهتم بها. فجورج كلوني ليس مجرد نجم لامع من نجوم هوليود، حامل الأوسكارات، وصاحب الإسم المحلق عالياً… ليس من أولئك النجوم الذين يأخذون أنفسهم بجدية مبالغ بها، ولا ينظرون إلا للمبالغ التي سوف يتلقونها مقابل بطولتهم لهكذا شريط أو ذاك. انه رجل يحسن السخرية من نفسه، يطرح أسئلة سياسية، يحاول الإجابة عليها، ينكب على القضايا “الهامشية”… من هنا على الأرجح تعرف على أمل علم الدين: فهي محامية لامعة، تعمل على ملف جوليان أسانج، المتمرد الإلكتروني الذي أذاع أسراراً رسمية أميركية، وهو الآن ملاحق وشبه سجين في سفارة الإكوادور في لندن. وارتباط جورج كلوني بمواطنة بريطانية من أصل لبناني هو نوع من الرفع لذوق اللبنانيات واللبنانيين في ما يخص الشكل الخارجي للمرأة اللبنانية. هو ارتباط يحمل رموزا هائلة، شيفرات غير ملغزة، تشجعنا ضد الرموز الجمالية السائدة التي فرضت هذا الذوق وعممته على جميع الطبقات، إلا المعدمة حقا منها. واحدة من تفسيرات رمزيتها ان حب المرأة اللبنانية للذوق والهندام الأنيق انزلق نحو مبالغة لا جمال فيها ولا روح… خصوصا روح. إذ تقتصر على اجترار دور الإغراء الجنسي دون كلل ولا ملل، في السياق أو خارجه، بما يفيد وبما لا يفيد.

            ولكن أهم رسالة يبعثها هذا الارتباط هي من النوع الثقافي: وهي تقول إن رجلا يمكن أن يختار الأقل “كليبية” من بين شاباتنا.
ولكن بشرط ان يكون هذا الرجل متميزاً، صاحب عقل وروح. مثل جورج كلوني. أما أن يبقى الأعظم من بين رجالاتنا يقعون في غرام، أو تحت أسر امرأة محمّلة، ومنذ بداية شبابها، بكيلوغرامات طبيعية ناقصة، أو غرامات أخرى زائدة، من السيليكون وما شابه… فهذا دليل على مستواهم الثقافي الذي لم يرتق بعد إلى مستوى ما بلغته أولئك الشابات من أشواط بعيدة. وهذه مفارقة لبنانية صرفة، بأن تتقدم المرأة في كل الفضاءات،  وأن تذعن، في الآن عينه، لمتطلبات جمالية تحصرها في دور الإغراء فحسب، الذي يحيلها بدوره الى الفضاء الخاص وحده. وهي مفارقة ربما تعود إلى الشلل الثقافي الذي ينتاب لبنان منذ نهاية حربه الأهلية. شلل تستجيب له الكثير الكثير من اللبنانيات، “حباً بالحياة” على ما يعتقدن…

السابق
زهرا: البعض يتعاطى مع رئاسة الجمهورية وكأنها مسألة هامشية
التالي
قصة نجاح علي بابا