مفاوضات أفضل من المجهول

الأمر الوحيد غير المتوقع الذي حدث هذا الأسبوع كان العناق الدافئ بين وزيري الخارجية جون كيري وأفيغدور ليبرمان و«شكرا أفيغدور» الحميمة من كيري في نهاية لقاء الرجلين في وزارة الخارجية في واشنطن. وبينما عبر «مسؤول كبير في ديوان رئاسة الحكومة» عن غضبه في خطاب «بووم» كيري في مجلس الشيوخ، اهتم ليبرمان بامتداحه كـ«صديق قريب ومخلص»، وكان صعبا تميز أيهما أكثر تسلية: تحول ليبرمان إلى الأمل الأبيض لإدارة أوباما أم الشبهات والمخاوف المتوقع أن يثيرها ذلك لدى بنيامين نتنياهو.

لكن عدا ذلك، جرت الأمور كعادتها: انغماس إسرائيل بصدقيتها، والغضب والمهانة، كما هو معهود في العناوين، عندما تبين أن العالم لا يشتري ذلك، والعمليات الانتقامية التي يتضح فورا أنها إطلاق رصاص ذاتي على الساق، والاقتراحات بـ«تعزيز الدعاية»، كما لو أن مشكلتنا هي أن حججنا غير مسموعة وليس أنها غير مقبولة، وكذلك مطالب ضم المناطق، والتي صارت تبدو أقل هذيانا، كلما يطرحونها أكثر.
صحيح أنهم في وزارة الخارجية الأميركية فوجئوا أيضا من «الخيبة الشديدة» التي أعرب عنها ديوان رئاسة الحكومة من كلام كيري، لكن هذا فقط بسبب أنهم سذج، كما يعرف الجميع. ليس فقط لأن كلام الشرح الأميركي بأن كيري لم يقصد أبدا اتهام إسرائيل بالمسؤولية عن فشل المفاوضات لم يشطب الاجماع الناشئ في الإعلام بأن هذا فعلا هو ما فعله، غير أن ديوان رئاسة الحكومة قرر أيضا عدم التنازل عن الفرصة الذهبية لحشر إدارة أوباما في الزاوية، ودعوة منتقدي أوباما من اليمين للهجوم ولإظهار نفسها، كالعادة، ضحية مطاردة من دون أي ذنب.
وسواء تم هذا بقصد أم بطريق الخطأ، يبدو أن رسالة كيري المركزية، تم استيعابها: إذا كان صديق حقيقي يتكلم مثل كيري، في وقت لا يزال فيه منهمكا بمحاولة إنقاذ المفاوضات، فمن يعلم أين سنصل عندما يرفع يديه ويترك الحلبة. وفعلا، قبل نهاية الأسبوع بدا ارتباك معين في مقاربة إسرائيل، التي من جهة لطفت تشدقها العمومي واستبدلته بأقوال مجهولة المصدر عن تقدم، ومن جهة أخرى أعلنت عن وقف تسليم الضرائب للفلسطينيين، على طريق أزمة أخرى. وعلى الأقل لدى قسم من صناع القرار عاد الاعتراف بأن محادثات سلام عديمة الجدوى أفضل من بديلها ومن المجهول: وتكمن أهميتها، عمليا، في مجرد إجرائها. هذا يسري من ناحية حزبية، لمنع تفكيك الائتلاف، وصحيح من ناحية سياسية لمنع فرض العزلة الدولية على إسرائيل.
والواقع أنه يدور في الحلبة السياسية مؤخرا سجال بشأن العواقب المحتملة لغياب العملية السياسية. فيقال من جهة، خصوصا في اليمين، ان النزاع يمكن إدارته، وان كل من يزعم خلاف ذلك يتصرف إما بسبب أنه هيستيري أو بسبب أنه يحاول أن يحقق بالتهديدات ما لم يفلح بتحقيقه بالإقناع.
أما الحجة المضادة التي يؤمن بها كاتب السطور – فهي أنه بينما نتساجل، الأرض تهتز من تحت أقدام إسرائيل، والأجواء تمتلئ بغازات سامة والمناخ السياسي يقترب من نقطة تحول خطيرة، حتى في أميركا. والإشارات تتراكم من كل اتجاه: من المواجهة الداخلية التي تزعزع وحدة الطائفة اليهودية، من الضغينة الدارجة تجاه إسرائيل التي تنتشر في الجامعات، من اليسار الأميركي، الذي يضبط نفسه بفضل أوباما وكيري، وأيضا من اليمين، الذي تتعاظم في صفوفه التحررية ومن الانفصاليين وكارهي الحكم من كل الصنوف، والذين لا يفضلون إسرائيل.
وهناك خشية من اشتعال الأرض: هذا الأسبوع حذر ديفيد بروج، وهو من المؤيدين لإسرائيل، من أنه في الطائفة الإنجيلية، صخرة وجودنا، يتآكل الدعم لإسرائيل، خصوصا في صفوف المؤمنين الشبان. وبديهي أنه ليس صعبا أن ننظر حولنا ونتجاهل كل ذلك: الواقع أن المقاطعة ليست مقاطعة بعد، وأن الاقتصاد لا يزال يزدهر، والأوروبيون لم يغادروا، والسياح يواصلون التدفق كما الحجارة المتدحرجة في الطريق. بل لدينا خبراء من عندنا يمكنهم أن يبرهنوا بأرقام وحروف أن خبراء الديموغرافيا المعروفين مغرضون وفاسدون، وأن الوقت يعمل لمصلحتنا، وان وتيرة تكاثر العرب في تراجع وتكاثر اليهود في تزايد وأن هناك مليون مهاجر يستعدون للقدوم ولا مبرر للذعر.
وهكذا يستقبل في اليمين العميق في أميركا التقرير المذهل للمنتدى الحكومي لتغيير المناخ الذي توشك الأمم المتحدة على نشره يوم الأحد، والذي يشير إلى تسارع حاد في وتيرة سخونة الكرة الأرضية، والأضرار التي حدثت لإمدادات الغذاء والكارثة الإنسانية القادمة. صحيح أن الأمر يتعلق بخلاصات مدعومة من 95% من علماء العالم وكل سطر في التقرير أقره 300 عالم من 110 دول، ولكن لا تدعوا هؤلاء الهيستيريين يقلبون رؤوسكم. فالجميع يعرفون أن ثلوجا كثيرة سقطت هذا العام، وأن المحلات مليئة بالخيرات وأن كل العلماء المحترمين هؤلاء باعوا ضمائرهم ليكسبوا تمويلا سخيا من أربابهم اليساريين في الجمعيات الأوروبية ذات الأجندة اليسارية.
ووصفت شبكة «فوكس»، التي يستمد معظم الجمهوريين منها معلوماتهم عن العالم، التقرير بأنه «هواء ساخن». وقدم أساس هذا الاستنتاج معهد أبحاث محافظ يسمى «هارتلاند» مستندا إلى علماء مجهولين عملوا من دون رقابة ولسبب ما توصلوا للاستنتاج بأن كل هذا هراء ولا سبب للقلق. صحيح أن هذا المعهد حتى عام 2000 زعم أنه لا ضرر البتة من التدخين السلبي، إلى أن تبين أن تمويل المعهد يأتي من شركة فليب موريس لانتاج السجائر، وهي شركة وطنية أميركية، بالضبط مثل صناعة الفحم الأميركية التي تضخ مئات الملايين من الدولارات في الحملة ضد إجراءات الطوارئ التي تقترحها الأمم المتحدة.
والتقرير الجديد يحدد للعالم 15 عاما فقط لمحاولة اعادة عجلة المناخ إلى الوراء، لكن فرص ذلك معدومة. فنحن نفضل التفكير بذلك غدا، كما قالت سكارليت أوهرا في «ذهب مع الريح»، وندفن رؤوسنا في الرمال، كما النعامة. تصحيح: النعامة لا تدفن رأسها في الرمل. المختصون الأساسيون بذلك هم البشر، خصوصا عندما يتهربون من النظر إلى المرآة.

السابق
انفجار في محطة حافلات مكتظة بالقرب من العاصمة النيجيرية
التالي
التدمير ذو أهمية كبيرة