دولة يهودية… ما هذا الهراء؟

يرفض الفلسطينيون اتفاقية الإطار التي تبلورت، بحسب رأيهم، وفق مطالب إسرائيل. وقد تنبأوا هذا الأسبوع في رام الله بفشل المفاوضات وانهيار الاستقرار الأمني، وتساءلوا: “لماذا أدخلتم الدين إلى هذا النزاع؟”

وقد أبلغت السلطة الفلسطينية وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أنها سترفض قبول اتفاقية الإطار، إذاً الوثيقة عرضت بالصيغة الأخيرة التي عرضتها الولايات المتحدة على الطرفين. هذا ما قالته أوساط فلسطينية لموقع والا هذا الأسبوع. وبحسب المسؤولين فإن الصيغة كما عرضتها الإدارة الأميركية، تشمل تقريبا كل ما طلبته إسرائيل، لكنها لا تشير لمطالب الفلسطينيين خلال المفاوضات.

وهذه هي بنود اتفاقية الإطار، التي عرضها كيري ورجاله على السلطة، ورفضها الجانب الفلسطيني، بحسب كلامهم:

مصادر فلسطينية عليا أبلغتني أن هذه البنود غير مقبولة على السلطة، لعدة أسباب. وبحسب قولها، فإن التعامل مع الحدود والمستوطنات يترك فجوة واسعة جدا للتفسيرات الإسرائيلية. وتساءل أحدهم: “ماذا يعني “لن يكون هناك إخلاء واسع” للسكان. الأمر يعني أن إسرائيل ترغب في أن تبقي في مناطقها نسبة أعلى من الضفة الغربية، وهذه نقطة غير مقبولة لدينا. وماذا تعني عبارة “الأخذ بالحسبان التغييرات التي جرت على الأرض؟ فإسرائيل تواصل بناء المستوطنات. وكذا الحال مع مسألة اللاجئين، فلا اعتراف بالمعاناة الفلسطينية. إننا نريد الإعراب عن الأسف، وبلاغ إسرائيلي بالاعتراف بالمسؤولية عن المعاناة التي أصابتنا. أين اختفى ذلك؟ والبادرة الإنسانية المتعلقة بموافقة إسرائيل، هي الأخرى لا تتر مكانا للخيال”.

وبحسب كلام المسؤول الفلسطيني فإن الإشكالية الأكبر هي القدس. “إذا تحدد أن العاصمة الفلسطينية ستكون في القدس، فماذا يعني ذلك؟ هل ستكون في شعفاط؟ العيسوية؟ لقد طالبنا بأن تكون عاصمة فلسطين في القدس الشرقية. لكن نتنياهو يرفض ذلك بشدة، والإدارة الأميركية تقبل موقفه. وماذا بشأن الأمن، وغور الأردن؟ ماذا يعني “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها” وبنفسها؟ لن نقبل دخول قوات إسرائيلية إلى أراضي السلطة. ووجود الجيش في الأغوار، إذ مثير للسخرية تحديد المدة “وفق قدرات الأجهزة”. إذ من سيحدد هذه القدرات؟ ومن سيقول كفى، فالسلطة مستعدة لتحمل مسؤولية الأغوار؟”

وقد أشار إلى الأمر هذا الأسبوع أيضا نبيل أبو ردينة الناطق الرسمي بلسان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبي مازن). إذ فاجأ الجميع بتحذيره، بأنه إذا كان لكل جانب الحق في عرض تحفظات على الوثيقة، فهذا سيفرغ الاتفاق من مضمونه. هذا رغم التحفظات الجوهرية لدى الفلسطينيين تجاه الصيغة المعروضة حاليا. أبو ردينة ليس الوحيد الذي يخشى من عواقب صياغة اتفاقية الإطار: تقريبا كل قيادي فلسطيني تحدثت إليه في الأيام الأخيرة، أوضح أن ليس للسلطة شرعية شعبية لقبول اقتراح كيري. وقال لي أحدهم: “قلنا له لا، وسنقول لا أيضا في المستقبل”.

وبحسب كلامه، فإن الصيغة المقترحة حاليا هي أقرب إلى المستحيل واللامنطقي من وجهة نظر السلطة الفلسطينية. ولم يخف المسؤول غضبه تجاه الإدارة وتجاه إسرائيل أيضا. وقال لي هذا الأسبوع في حديث في رام الله “لقد أفلحنا في تحقيق الكثير جدا من الإنجازات في السنوات الأخيرة. تحقيق الهدوء والاستقرار. ولكنكم تدعون الوضع يتدهور. فالمستوى الأمني عندكم يفهم المشكلة والمصاعب. والمستوى السياسي؟ لا يهمه أبدا. كل واحد منهم منشغل بقضاياه السياسية. ليبرمان يغازل الوسط، نتنياهو يخاف من اليمين، البيت اليهودي يصلب مواقفه وليفني ضعيفة جدا. إذاً أنت تسألني إن كان هناك شريك إسرائيلي لاتفاق سلام؟ وجوابي هو لا”.

إذاً ماذا ستفعلون؟ لنفترض أن كيري سيصل غدا وأنتم ستقولون له لا. إلى أين ستذهبون بعد ذلك؟ رد: “كل الخيارات مفتوحة أمامنا. سواء بالتوجه للمؤسسات أو بطرق أخرى”.

إرهاب حماس، إرهاب المستوطنين

يوضح أبو ردينة أن “لا شك عندي في أن الوضع الميداني سوف يتدهور. وهو سيتزعزع لدى الطرفين. وأصلا، الاستقرار الذي عرفناه سابقا يتصدع. ولذلك أسباب كثيرة. أولا، الخطوات من جانب الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين. الاعتقالات، مصادرة الأراضي، هدم البيوت وبداهة العنف من جانب المستوطنين. ثانيا، نسبة البطالة العالية في أوساط الشبان. فلا فرص اقتصادية أمام الشباب الفلسطيني، وأحد الأسباب المركزية لذلك هو غياب مناطق التطوير. والمنطقة “ج” التي تشكل 60 في المئة من أراضي الضفة توجد تحت السيطرة الإسرائيلية المطلقة وإسرائيل لا تسمح لنا بالبناء هناك ولا حتى بالاستثمار في مشاريع مختلفة.

“ثالثا، إيقاف مشاريع المساعدات الدولية. وأنا أدرج هنا التقليصات في ميزانية الأونروا. هذا يقود إلى صعود حاد في الفقر والبطالة، تحديدا في الأماكن الأفقر مثل مخيمات اللاجئين. رابعا، حماس والفصائل المتطرفة: وهي لا تريد استقرار الوضع وإنما زعزعته. وأنا أتحدث عن عشرات الخلايا التي اعتقلتها في العام أجهزة الأمن الفلسطينية، بعدما خططت للعمل ضد إسرائيليين وضد أهداف للسلطة. وعناصرها يبادرون لمظاهرات ونشاطات شعبية ويستغلون جرائم المستوطنين لمهاجمة السلطة. وخامسا، القدس والأقصى. فأعمالكم هناك تمس مشاعر كل مواطن عربي وفلسطيني، مثل زيارات رجال اليمين للحرم القدسي”.

ومسألة أخرى يتعذر على السلطة استيعابها وهي الإصرار الإسرائيلي على الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية. “فلا نية لدينا لجر هذا النزاع نحو اتجاه ديني. كل طرف ذي عقل في الشرق الأوسط، عداكم، يحاول إبعاد الموضوع الديني عن النزاعات المختلفة. ماذا ستكسبون؟ النزاع بيننا ليس دينيا. لماذا إذن تريدون اعترافنا بأنكم دولة يهودية. في بطاقات هويتكم مكتوب “إسرائيلي” وليس يهوديا. لم تطلبوا من مصر والأردن أبدا أمرا كهذا. ما هي مخاوفكم؟ إننا نقولها بصراحة: اتفاق السلام سيقود إلى إنهاء النزاع بيننا إلى الأبد، وإنهاء كل المطالب. إذاً ما كل هذا الهراء الذي تتحدثون عنه، عن أن هذا “اثبات أننا لن نقبل دولة إسرائيل”؟ كل العالم يعترف بكم. هذه ليست أيام قيام دولة إسرائيل. لكنكم لا تزالون غارزين هناك”.

وكيف من دون دحلان

ولا يقتصر غضب السلطة على إسرائيل على الخلاف حول الحل الدائم. ثمة شعور متزايد في محيط عباس بأن حكومة إسرائيل تلعب خلف الكواليس في الحلبة الداخلية الفلسطينية بقصد حشر عباس في الزاوية ودفعه للقبول بتسويات سياسية. ويزعم مقربو عباس امتلاك براهين على صلة مباشرة بين إسرائيل وحماس في غزة، وأيضا مع محمد دحلان. وذلك رغم أن الإسرائيليين ينكرون الأمر بشدة ويميلون لاعتبار ذلك جزءا من نظريات المؤامرة التي نشأت في الجانب الفلسطيني.

وبحسب مقربين من ديوان الرئاسة، فهذه اتصالات شبه رسمية في الآونة الأخيرة بسبب تزايد الإطلاقات من غزة وسحب حماس لقواتها عن الحدود. ويزعمون أن قطر تتوسط حاليا بين إسرائيل وحماس وليس مصر التي تعتبر حماس عدوا. وتزعم المصادر نفسها أن جهات إسرائيلية بينها وزراء تقيم صلات مع دحلان المتآمر ضد عباس. “ونحن نرى ما تحاول إسرائيل فعله: زعزعة وضعنا الداخلي لإخضاع أبي مازن. لكن هذا يقودنا لتصليب المواقف. ينبغي أن تفهموا أن انقلاب حماس في غزة لن يتكرر في الضفة. لا بصورة حماس ولا بصورة انقلاب داخل فتح. يصعب فهمكم. بدلا من تقريب الجهات المعتدلة، تحاول إسرائيل إضعافنا. كل المنطقة تعاني حاليا من التطرف والإرهاب. ينبغي لكم التعاون معنا بهدف تحقيق السلام وليس محاربتنا”.

ومن الجائز أن احتمالات التدهور الأمني وقول لا للأميركيين مجرد تهديدات فارغة من جانب السلطة الفلسطينية. ومن الجائز أيضا أن أبا مازن سيفضل عدم مواجهة الإدارة الأميركية صداميا وأن يقول لكيري “نعم ولكن” بدلا من لا قاطعة. ومع ذلك لا يمكن الاستهانة بالوضع السياسي الحساس للرئيس من ناحية والواقع المتدهور من ناحية أخرى. فالانتقادات والاتهامات للسلطة بالفساد وتضعضع مكانة القانون والنظام في الضفة وتزايد الجريمة لها أسباب مختلفة وخزينة السلطة تنضب.

السابق
مفاجأة مقتدى الصدر: قطيعة جديدة مع السياسة
التالي
سلام بدأ نشاطه في السراي الحكومي