سفراء غربيون: فوائد التمديد لا تعوّض سيئات التعديل

يلاحظ محيطون برئيس الجمهورية ميشال سليمان، أن سفراء في عواصم غربية بارزة، يقاربون الاستحقاق الرئاسي بطريقة مشابهة لمقاربتهم الانتخابات النيابية قبل أشهر قليلة من تمديد ولاية البرلمان. في المراحل الأولى من أحاديثهم مع المحيطين بسليمان آنذاك، تحدثوا عن ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها واحترام المهل الدستورية دون الإسهاب في التعليق على قانون الانتخاب، ثم في المراحل الأخيرة راحوا يظهرون اهتمامهم بثبات الاستقرار ويرغبون في إجراء انتخابات تضمن استمراره، إلى أن سلموا على مضض بقرار الكتل النيابية الكبرى تمديد الولاية. لم يتلقف بعض هؤلاء السفراء التمديد بارتياح، ووجد أنه ناقض نصائح الغرب بضرورة إجراء الانتخابات، لكنه تجنب الإيغال في الانتقاد.
في الأسابيع القليلة الأخيرة، مع تصاعد وتيرة مواقف الأفرقاء من انتخابات الرئاسة، حرص السفراء إياهم ـــ كل على طريقته بما يوحي بتبادلهم المسبق المعلومات ـــ على استيضاح المراجع الرسمية رأيها استناداً إلى أسئلة تناولت علاقة الاستحقاق بالدستور والميثاق الوطني وموازين القوى السياسية. الأسئلة نفسها وجهها بعض هؤلاء إلى المحيطين بالرئيس أخيراً في معرض استفسارهم عن مآل جهود تأليف حكومة الرئيس تمام سلام.
بضع ملاحظات استخلصها محاوروهم الرسميون اللبنانيون، عكست إلى حد بعيد قلق الديبلوماسية الغربية مما تتحضّر له انتخابات 2014، من بينها:
1 ـــ إن العقبات التي تواجه تأليف الحكومة مرشحة لأن تنسحب على الاستحقاق الرئاسي تحت وطأة الانقسام السياسي. لا يسع أياً من قوى 8 و14 آذار فرض إرادته على الآخر، ولا يبدو الطرفان مستعدين للتفاهم على إخراج الوضع الحكومي من مأزقه. الأمر نفسه يجبه انتخابات الرئاسة عندما تدخل مهلتها الدستورية. يقول بعض السفراء المعنيين إن شقاً رئيسياً في تأليف الحكومة يقع على عاتق رئيس الجمهورية والرئيس المكلف المخولين تبعاً لصلاحياتهما إصدار مراسيمها، مع ذلك يترددان كي لا يقعا ـــ ويوقعا الحكومة الجديدة ـــ في فخ النزاع على دستوريتها تارة، وشرعيتها طوراً، متى ناوأها أي من الطرفين أو لم تحظَ بموافقته المسبقة.
يشعرهم ذلك بقلق إضافي، هو انتقال الخلاف على تأليف الحكومة إلى مسرح المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس، وتحوّل الاهتمام من استحقاق الانتخاب إلى الخلاف على الحكومة التي يقتضي توليها صلاحيات رئيس الجمهورية. إذ ذاك سيكون سليمان أمام امتحان لم يختبره قبله الرئيسان أمين الجميّل وإميل لحود عندما أخليا قصر بعبدا من دون تسليم السلطة إلى خلف لهما. كلاهما، الجميّل ولحود، غادرا وتسلمت من بعدهما السلطة والصلاحيات حكومة مكتملة المواصفات الدستورية والشرعية، بينما يخلي الرئيس الحالي القصر لحكومة مستقيلة أو حكومة جديدة لم تحز ثقة مجلس النواب. كلتاهما منتقصتا الصلاحيات الدستورية.
2 ـــ أي مهمة تنتظر الرئيس الجديد: مواجهة الإرهاب والتطرّف اللذين يضربان سوريا ويوشكان على أن يتخذا من لبنان قاعدة لهما، أم مواجهة «حزب الله» أم التحالف معه، أم إمرار مرحلة انتقالية تواجه فيها المنطقة تحديات رئيسية تتصل بالحرب السورية وعلاقة إيران بالغرب.
3 ـــ لا تعدو الرئاسة سوى تفصيل، وقد يكون هامشياً، في استحقاقات إقليمية ودولية أكثر إلحاحا لارتباطها باستقرار المنطقة. مع ذلك، تبدو هذه الاستحقاقات أقل استعجالاً. يتحدث السفراء المعنيون بتحفظ عن تطور علاقة إيران بالغرب، ومن ثم بواشنطن، ويقولون استناداً إلى معلومات ديبلوماسية أحاطوا محدثيهم اللبنانيين علماً بها، إن التقدم في الحوار الإيراني ـــ الغربي لا يفسر بالضرورة تقدماً مماثلاً في علاقة طهران بواشنطن. وما لم يخض الأميركيون فيه، في ملفات موازية للسلاح النووي، لا يقل تعقيداً.
وبحسب المعلومات الديبلوماسية نفسها التي يقصّها السفراء، لا يتوقع الأميركيون استجابة مرشد الثورة الإيرانية والحرس الثوري على الأقل لشروطهم، لتطبيع علاقات الدولتين عبر بت مصير «حزب الله» و«حماس» وموقعيهما في المعادلات الإقليمية، ودوريهما في إقلاق أمن إسرائيل.
ووفق ما نُسِبَ إلى موظف كبير في الخارجية الأميركية قوله: لا أنتظر تطبيع علاقاتنا معهم في حياتي…
ثم عقب: في حياتي المهنية.
وهي إشارة إلى أن توقع التطبيع ربما استغرق وقتاً أطول مما يعتقد.
يقرن الموظف الكبير موقفه هذا بالقول إن أعضاءً ديموقراطيين وجمهوريين في مجلس الشيوخ يعكفون على زيادة العقوبات الأميركية على إيران، إلا أنهم يتركون للرئيس تقدير توقيت تنفيذها.
بيد أن بعض السفراء الغربيين يستدرك أن استقرار لبنان، وكذلك استحقاقاته الحكومية والرئاسية، جزء لا يتجزأ من تسوية إيرانية ـــ أميركية لم تحصل، وحوار إيراني ـــ سعودي لم يبدأ.
5 ـــ رغم حذرهم من الخوض علناً في تمديد ولاية الرئيس، يسألون عن ترتيب الأولويات تبعاً للخيارات المفتوحة أمام انتخابات 2014. لا يسقطون من حسابهم احتمال التمديد، لكنهم يتساءلون ضمناً هل ينظر إليه الأفرقاء على أنه خيار أول، أم خيار يلي تعذر التوافق على رئيس جديد، أم خيار الحيلولة دون سقوط البلاد في فراغ دستوري.
لم يكن من الصعب على بعض هؤلاء تسجيل ملاحظة لافتة. لا يجدون المحيطين برئيس الجمهورية يشتركون في تفكير واحد حيال الاستحقاق، أو يعبّرون بانسجام واضح عمّا يقوله الرئيس باستمرار، وهو أنه ضد تمديد ولايته ويريد ترك السلطة بانقضائها. بعض أولئك المحيطين يروي لسفراء معينين ضرورة دعم التمديد لتجنب الفراغ، ثم يقول لهم إنه يتحدث بصفة شخصية. البعض الآخر ينقل بدقة موقف الرئيس، وهو إصراره على رفض التمديد. يسمع هؤلاء من السفراء في المقابل عبارات دالة: بالتأكيد يعارض الغرب تعديل الدستور وعدم احترام المهل ومواعيد الاستحقاقات مثلما عارض قبلاً تمديد ولاية مجلس النواب، ويصر على التزامها والتقيّد بالآليات الدستورية في انتقال السلطة.
بينهم مَن قال كلاماً أكثر دقة، وهو يؤكد موقفاً تقليدياً لحكومته من معارضة تعديل الدستور، دونما قرن هذا الرأي بالموقف من سليمان. يردد هذا البعض ما يرد إليه من تعليمات دورية: أخشى أن فوائد التمديد أقل بكثير من سيئات تعديل الدستور ونتائجه. لن يعوّض التمديد في أي ظرف أو دافع سيئات التعديل.

السابق
ارتباك إسرائيلي.. وميل لعدم التصعيد
التالي
البحث عن وظائف للنساء