اتفاق إيراني أميركي على حساب العرب

بلال حسن وهبة
الغرب حقّق النصر من خلال هذا الاتفاق الإيراني الأميركي، لأنّ هدفه الحقيقي إشعال الحرب الإيرانية العربية الطويلة، التي ستستنزف الجميع حتى الانهاك.
لا شك أنّ الاتفاق الإيراني الغربي سيشكل منعطفا تاريخيا في تاريخ منطقة الشرق الاوسط، بغض النظر عمن حقق الانتصار السياسي بإبرام هذا الاتفاق: إيران أم الغرب.
فإيران وأتباعها يهلّلون لانتصارهم التاريخي، من منظورهم، على اعتبار أنّها رفعت بعض العقوبات واستعادت بعض مليارات الدولارات، التي هي في الاساس أموال إيرانية محجوزة، ربما ظنّا منها أنّ الغرب سيسلمهم المنطقة كما فعل من قبل وسلمها العراق .
أما الغرب فيعتبر أنّه تمكن من تحقيق نصر سياسي من خلال هذا الاتفاق، فقد نجح في توقيف البرنامج النووي الإيراني وتخفيض نسبة التخصيب، مقابل القليل: خفض بعض العقوبات التي كانت مفروضة على إيران، وإعطؤها بعض اموالها المحجوزة.
الاتفاق لم يحصل اليوم بل حصل مع انتخاب حسن روحاني رئيسا لإيران بمباركة المرشد الأعلى، كرسالة الى الغرب بأن إيران اختارت طريق الانفتاح والحوار. ثم قدمت إيران الكيماوي السوري كبادرة حسن نية، الى أن أعلن الاتفاق في جنيف بنية إيرانية جادة. فالاقتصاد الإيراني لم يعد يحتمل العقوبات الغربية، خصوصا بعد صرف أموال طائلة على تمويل النظام السوري وحزب الله في الحرب الدائرة في سوريا.
لكن هناك طرف ثالث منسي، هو من يقدم التضحيات والارض وعلى دمائه تجثو طاولة المفاوضات: العرب.
العرب الغائب عن اتفاق يحدد مستقبل أراضيهم وثراواتهم و مصالحهم. فهم استيقظوا على واقع جديد: خسارة حليف مزعوم هو الغرب. حليف لم يكن يوما حليفا بالمعنى الحقيقي، بل كان مغتصب ثراواتهم ومصالحهم، بحجة حماية وهمية من عدو “إيراني” يهدد أمنهم القومي. واليوم أصبح هذا الحليف في حالة صداقة مع العدو، فهذا الاتفاق افضل ما يمكن أن يحصل لكي يعرف العرب حقيقة الأمور.
ولكن لماذا الاستغراب؟ فالغرب وإيران في تحالف وتفاهم قديم، من حرب افغانستان مرورا باحتلال العراق، وصولا الى حرب سوريا وأزمات لبنان. ما حصل اليوم هو الاعلان الرسمي لهذا التفاهم وإسقاط لما تبقى من أقنعة زائفة يتستر خلفها اصحاب الشعارات الواهية.
فالمحور الإيراني يعتقد أن الغرب سيسلمه سوريا ولبنان، مقابل التخلي النهائي عن المشروع النووي، وربما هذا الاعتقاد صحيح. ففي الاصل الغرب سلم العراق الى إيران مقابل تعاونها في حرب افغانستان وحرب العراق ولأنّها منعت المناطق الخاضعة لنفوذها من مقاومة الاحتلال. لكنّ إيران لم تتمكن من السيطرة على العراق باكمله أو تثبيت الاستقرار فيه، أما سوريا ولبنان فالوضع مختلف نتيجة الخارطة الديموغرافية حيث الأغلبية السكانية لا تدور في الفلك الإيراني، وحيث المعارضة السورية قرارها ليس بيد الغرب بل بيد الثوار الذين يديرون المعارك على الأرض.
والغرب بنفسه لم يستطع أن يحسم الحرب في أفغانستان أو ان يفرض سيطرته، بل هو اليوم يستجدي طلب المفاوضات من طالبان، فكيف ستتمكن إيران من السيطرة على سوريا؟
المنطقة ستشهد بعد هذا الاتفاق عملية تسليح ودعم للمعارضة السورية. فالعرب لم يعد امامهم سوى خيار خوض حرب بقاء في سوريا لوقف تصدير الثورة الإيرانية، خصوصا باتجاه دول الخليج، لذلك ستأخذ المعارك طابعا أكثر احتداما وعنفا، ويمكن أن ننسى لقاءات “جنيف 2” التي كانت ستخصّص لبحث حلول للحرب السورية.
نتيجة لما سبق، يمكن القول إنّ الغرب حقّق النصر من خلال هذا الاتفاق، لأنّ هدفه الحقيقي إشعال الحرب الإيرانية العربية الطويلة، التي ستستنزف الجميع حتى الانهاك.
السابق
مهور النساء حق مهدور بتواطؤ ديني
التالي
مذكرة وجاهية بتوقيف زوجة بشير