سلامة: الليرة مستقرة

برغم التداعيات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية للأزمة السورية على لبنان، فإن ثمة مؤشرات تترسخ يوماً بعد يوم، وأبرزها المؤتمر الدولي الداعم للبنان في نيويورك في الخامس والعشرين من الشهر الحالي، بأن مظلة الأمان الدولية والإقليمية الحامية للاستقرار اللبناني منذ مطلع التسعينيات، ما زالت قائمة برغم التفجيرات الأخيرة.

وبرغم صعوبة تحقيق معدلات نمو ملحوظة في ظل ظروف لبنان والمنطقة، يمكن التمييز بين أنشطة القطاعات المختلفة، حيث تراجعت المؤشرات الاقتصادية مع تزايد صعوبات فرص العمل التي تعتبر حالياً إحدى أكبر مشكلات لبنان الاقتصادية والاجتماعية، في ظل استمرار واقع الانقسام السياسي وشلل المؤسسات الرسمية وتهديد قطاعات بالإقفال وتشريد آلاف العمال، في حين يحتفظ القطاع المالي ببعض معدلات النمو الجزئي والسيولة الجيدة التي تساعد على الصمود والتعامل مع الأزمات.

هذه الظروف دفعت مصرف لبنان إلى تمديد آجال الديون على المؤسسات المدينة، القديمة والجديدة من 7 إلى 10 سنوات بهدف الحد من تزايد المؤسسات والأفراد الممتنعين عن الدفع مع نمو الديون المشكوك في تحصيلها بنسبة واحد في المئة في العام 2013.

انطلاقاً من هذا الواقع، يؤكد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لـ”السفير” أن لا خوف على الاستقرار النقدي وسعر الليرة، ولا خوف على الاستمرار في تأمين رواتب الموظفين في القطاع العام، وهو ما سبق لمصرف لبنان التعهّد به بموجب سياسته القاضية بالمحافظة على تمويل مستحقات الدولة الأساسية، لاسيما أن لبنان لم يتخلّف مرة عن تسديد موجباته، مشيراً إلى أن مصرف لبنان يعمل مع وزارة المال من خلال الاكتتابات بسندات الخزينة لتمويل احتياجات الرواتب والمستحقات الضرورية.

يكشف سلامة أن حساب الـ”36″، (حساب الدولة لدى مصرف لبنان)، مليء، وأن البحث الجاري يتعلق بالإذن القانوني لدفع المستحقات، ويؤكد أن عدم تسديد المستحقات المتعلقة بالدين وخدمته لم يحصل في تاريخ الدولة اللبنانية نظراً لانعكاسات ذلك على سمعة لبنان وتصنيفه الائتماني تجاه الخارج، موضحاً أن هناك كلفة يتحملها مصرف لبنان من أرباحه، وهناك كلفة على السياسة النقدية على اعتبار أن زيادة التسليف بالليرة تؤدي إلى التضخم الذي يعمل مصرف لبنان على الحد منه، “وكنا نفضل أن تقوم الحكومة بهذه الخطوات التمويلية”.

ويشير سلامة إلى أن دور مصرف لبنان يتضمّن جانباً اجتماعياً عبر المحافظة على استقرار الملاءة وتأمين الرواتب، وبالتالي تأمين استمرار تمويل احتياجات الدولة، على اعتبار أن 50 في المئة من ديون الدولة هي من القطاع المصرفي، “ومن هنا، فإن تعثر الدولة سيؤثر على القطاع المالي والمصرفي، ويمسّ بسمعة لبنان المالية”، مؤكداً أن سياسة مصرف لبنان أن يبقى مؤمناً ملاءة الدولة، “وهذا في صلب واجبنا القانوني بالمحافظة على الاستقرار”.

في المقابل، يكشف سلامة أن القطاع المصرفي اللبناني، وبرغم انعكاسات الأزمات في المنطقة عليه، استطاع المحافظة على معدلات نمو مقبولة في الودائع والموجودات والتسليفات بين 7 و8 في المئة على أساس سنوي، و”هو يتمتع بمعدلات سيولة عالية، إذ باستطاعة القطاع المصرفي أن يسلّف 20 مليار دولار من دون أن يخالف تعاميم مصرف لبنان، لكن الطلب على التسليف غير متوافر من قبل القطاعات نتيجة الظروف في لبنان والمنطقة وفي الأسواق الناشئة التي تشهد تراجعاً في عملاتها وأوراقها المالية”.

ويشير إلى أن مصرف لبنان ابتدع طرقاً لتشجيع التسليفات من خلال القروض القليلة الفوائد لتنشيط النمو عن طريق التسليفات لقطاعات مختلفة، كما عمّم على المصارف ضرورة تخصيص 400 مليون دولار للمساهمة في المشاركة في مشاريع، وليس عن طريق الإقراض.

وإذ يتوقع نسبة نمو بحدود 2 في المئة خلال العام 2013 من دون الدخول في توقعات العام المقبل، يؤكد سلامة أن المشكلة الأساسية في لبنان هي مشكلة فرص العمل في ظل تصاعد أزمات المنطقة. أما نسبة التضخم في 2013، “فتقدر بحوالي 4 في المئة”.

وحول الضغوط الدولية على القطاع المالي والمصرفي اللبناني في ضوء العقوبات المتخذة بحق سوريا وإيران و”حزب الله” يقول سلامة أن المؤسسات المالية “استوعبت هذه الأزمات، وتقيّدت بالمعايير”، مشيراً إلى أنه لا يتوقع سلبيات إضافية أو مفاجآت سلبية على القطاع المصرفي اللبناني.

السابق
تونسيات حوامل بعد «جهاد النكاح» في سورية
التالي
آموس: الوضع الإنساني في سوريا متدهور