لا للحرب.. نعم لنزع السلاح

ماذا يريد اوباما؟ يُحيّر هذا السؤال منذ اسابيع في أنحاء العالم ساسة ومحللين ويبدو أنه يُحيّر اوباما نفسه ايضا. كان رده الاول على المجزرة الكيميائية الفظيعة في سورية هو الصمت، وبعد ذلك عرّف الواقعة بأنها مقلقة جدا، لكنه حذّر ايضا من أخطار الرد العسكري. وفي خطبته التالية أكد أنه ما زال لم يبت في شأن خطواته. وحينما أعلن أنه استقر رأيه على عملية عسكرية أضاف أنه سيطلب موافقة مجلس النواب على ذلك الاجراء، أي أن اوباما استقر رأيه مع استقراره في الوقت نفسه على الهجوم، على أن يُخرج حق اصدار القرار من يده.

في هذا الاسبوع الذي قصد فيه اوباما بدء حملة اعلامية لاقناع الامريكيين وممثليهم في مجلس النواب بدعم عمل عسكري خاطف، أُثير فجأة الاقتراح الروسي لرقابة دولية على السلاح الكيميائي السوري والقضاء عليه، وأحدث ما بدا تلوياً آخر للسياسة الامريكية. إن اقتراح وزير الخارجية الروسي سيرجيه لافروف هذا هو تطوير لفكرة أطلقها وزير الخارجية الامريكي جون كيري، الذي قال إن اخراج كل السلاح الكيميائي من سورية في غضون اسبوع يمكن أن يوقف هجوما. ورغم ذلك كان الباعث الغريزي الامريكي الأول هو معارضتها. وسارعوا في وزارة الخارجية الامريكية الى اعلان أن اقتراح كيري كان حيلة خطابية فقط، بيد أنه بعد وقت قصير من ذلك أُجري لقاء صحافي مع اوباما نفسه وقال إنه ينبغي الفحص عن جدية الاقتراح الروسي الذي قد يمنع هجوما.

انتقد كثيرون في العالم وفي اسرائيل ايضا بالطبع تردد اوباما المزمن وتعوجه وتبرعوا بتقديم نصائح له. أجل يصعب تشكيل تحالف واسع في الداخل والخارج حينما يكون الزعيم متلعثما، لكن يوجد شيء ما منعش في زعيم لا يبادر الى الحرب ويفحص حتى آخر لحظة عن كل الخيارات. وقد كان ليفي اشكول كذلك واتُهم بالتلعثم ايضا قُبيل حرب الايام الستة، لكن أكانت غولدا مائير وموشي ديان أفضل منه؟

ينبغي تبني المبادرة الروسية وتنفيذها على عجل وبصورة فعالة. ومن المعقول أن تحاول سورية الدخول في تفاوض طويل وعقيم في تفصيلات الخطة، كما اعتاد الايرانيون أن يفعلوا بالتفاوض في برنامجهم الذري وإخراج اليورانيوم المخصب خارج حدودهم. لكن يمكن منع هذا التسويف بوضع جدول زمني قصير صارم، اذا لم تثبت سورية له فانه يمكن مهاجمتها.

إن موافقة امريكية على المبادرة الروسية قد تضر في ظاهر الامر بمنزلة الولايات المتحدة في العالم، وبالثقة بها بعد أن تبين أن تهديداتها بالحرب جوفاء. لكن تنفيذ المبادرة سيكون انتصارا امريكيا في واقع الامر، فلولا التهديد العسكري الحقيقي ووضع القوات ازاء السواحل السورية، لما أمكن أن يخطر بالبال موافقة السوريين على التخلي عن سلاح يوم القيامة الذي لهم وهو نحو من ألف طن من الغازات السامة التي قد تجلب كارثة فظيعة على المنطقة كلها ولا يمكن تدميرها بهجوم جوي، وإن موافقة كهذه ستمتحن جدية الرئيس الروسي وقدرته على أن يُسهم في إبطال التهديد السوري غير التقليدي فورا.

والى ذلك تحدثوا كثيرا عن المعركة في سورية باعتبارها رجعة الى الصراع الرئيس لمواجهة احراز ايران للقدرة الذرية. اذا نجحت في سورية سابقة تهديد عسكري حقيقي يفضي الى إبطال السلاح غير التقليدي باتفاق، فهناك أمل طيب في أن ينجح ذلك في ايران ايضا. إن تهديدا صادقا بهجوم قد يفضي الى نزع السلاح الذري الايراني من دون اطلاق طلقة واحدة، وسيكون هذا انتصار اوباما الأكبر لا الحروب الدامية.

السابق
بورتريه ملالا بمتحف في لندن
التالي
إرتفاع كارثي لعدد الجرائم