مجلس التعاون الخليجي يستهدف إيران ويصيب لبنان

من المتوقّع أن تعلن الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي عقوبات سوف تفرضها على "حزب الله"، بعدما اتفقت في العاشر من حزيران الماضي على معاقبة الحزب وأعضائه لتورّطهم في الحرب الدائرة في سوريا الى جانب الرئيس بشار الأسد.
وفي حين ان المقصود من معاقبة مجلس التعاون الخليجي الممنهجة والثابتة لـ "حزب الله" إنما تحذير جارته في الخليج الفارسي، فإنّ لبنان – وليس إيران – هو من يعاني تبعات ذلك، لا سيما إذا ما أخذنا الإجراءات العقابية الماضية كمؤشرات لما قد يتلوها.

لم يذكر مجلس التعاون الخليجي لبنان إلاّ لاحقاً في مؤتمر حزيران، حيث حثّ الحكومة اللبنانية على "تحمّل مسؤولياتها تجاه سلوك "حزب الله" وممارساته غير الشرعية في سوريا والمنطقة". وقد انتقدت البيانات التي صدرت سواء عن دول المجلس ككل أو عن ممثلي الدول كل على حدة، بشدة إيران لأنها المسؤولة الأولى عن تدخّل "حزب الله" في سوريا.

وفي مؤتمر مع الصحافيين بعد لقاء تحضيري في المنامة في 30 حزيران الماضي، قال وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد الخليفة إنّه يأمل بأن "تأخذ إيران خطوة جدية تجاه سحب الجيوش الأجنبية من سوريا، ولا سيّما "حزب الله"". وقد دعا وزراء مجلس التعاون الخليجي – الذين يمثلون السعودية، والكويت، وقطر، والإمارات، وعمان- جميعاً لإنهاء تدخّل "حزب الله" في سوريا "تحت راية الحرس الثوري الإيراني".

"إذا كانت دول الخليج تريد فعلياً الضغط على لبنان، فإنّها ستخنق البلد"، يقول الدكتور عماد سلامي، البروفسور في العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية. فاقتصاد لبنان يعتمد على الخليج "بطريقة أساسية جداً"- من دعمه للعملة الوطنية اللبنانية، الى الاستثمار التجاري والمالي الأساسي، وصولاً الى الحسابات المصرفية الشخصية لمواطنين من الخليج- ولكن لعلّ الأهم من كل ذلك هو التحويلات المالية.

هذا وما يقارب 350000 الى 400000 لبناني يعيشون ويعملون في الخليج، وهو تقدير متحفّظ حصل عليه NOW من رئيس الأبحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل، في معظمهم تقريباً موظفون في قطاع أصحاب الياقات البيضاء، حيث يحصلون على رواتب مرتفعة نسبياً لشغلهم مناصب مدراء ماليين ومديري مصارف تجارية، ولعملهم في شركات البناء، وفي الإعلام والإعلان، وكذلك في الحقل القانوني.
وتبلغ تحويلاتهم المالية السنوية- أي الأموال التي يجنونها في الخليج ويعيدون إرسالها الى لبنان- نسبة 18 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وفقاً لتقرير البنك العالمي، ما يجعل لبنان في المرتبة التاسعة في قائمة البنك لعام 2011 للدول الأولى في تلقي حوالات مالية من المهاجرين تدخل في إجمالي ناتجها المحلي (بين هاييتي وكوسوفو). وفي حال نفذّت دول مجلس التعاون الخليجي تهديداتها الواضحة بطرد مواطنين لبنانيين على اعتبار تورّطهم مع "حزب الله"، سوف يؤدي ذلك الى تداعيات ستزعزع جدياً استقرار البلد.

ولدى الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص سابقة في طرد (دون أي تفسير) أفراد اعتبرتهم حكومتها غير مرغوب بهم. فمنذ عام 2009، تمّ ترحيل آلاف اللبنانيين من الإمارات، ولا سيما من إمارة الشارقة المتاخمة لدبي. وأثار عدم صدور أي تفسير عن الأمراء لما حصل تكهنات بأن يكون المرحّلون وهم بشكل أساسي من الشيعة واستُهدفوا لعلاقتهم المفترضة بـ"حزب الله".

وقد يكون نجاح "حزب الله" مؤخراً في القُصير أعاد إحياء هذه العملية. ففي 20 حزيران الماضي، طُرد 18 موظفاً لبنانياً في مجموعة (QD SBG) من قطر وأركبوا طائرات عائدين الى لبنان، دون أي تفسير لما يحصل. وتحدّث NOW الى محمد، شقيق أحد الموظفين المطرودين، الذي رفض أن نذكر اسمه لدواعٍ أمنية، ولكنّه عبّر عن خشيته من الوضع، وتردّده في التواصل مع أي أقرباء له لا يزالون في قطر. هو يعتقد بأن شقيقه استُهدف بسبب انتماء عائلتهم الطائفي، قائلاً "لا نريد التورّط في هذه المسألة، ولكنّ [قطر] ورّطتنا فيها لأننا شيعة".

غير أنّ حقيقة انتماء الموظفين المطرودين من شركة QD SBG الى طوائف مختلفة تُظهر بأنّ مجلس التعاون الخليجي يؤدّب اللبنانيين ليس بسبب علاقاتهم المشبوهة بـ"حزب الله"، بل فقط لأنّهم لبنانيون.
هكذا، يأمل مجلس التعاون الخليجي من خلال جعل لبنان يذوق طعم الضرر الذي يقدر أن يلحقه به، أن يحث الحكومة اللبنانية على التحرّك ضد "حزب الله".

إلاّ أنه يبقى غير معروف أي تحرّك تعتقد دول الخليج بأنّ الحكومة اللبنانية قادرة على اتخاذه ضد "حزب الله"- ويدل ذلك على سوء فهمها لطبيعة نسيج الحكومة اللبنانية. ويشدّد الدكتور سلامي على أنّ ""حزب الله" هو طرف أساسي في الحكومة اللبنانية، وبالتالي لا تستطيع الحكومة أن تقوم بخطوة حاسمة تجاه "حزب الله"… في الحقيقة، لا يوجد أي انقسام [أو فصل بين الحكومة اللبنانية و"حزب الله"]".

يبدو بالفعل أن حلفاء حزب الله" في الحكومة يعبّرون عن قلقهم من تأثير تورط "حزب الله" في سوريا سلباً على علاقة لبنان بالخليج. إلاّ أنّ حتى هذه الهواجس عبّروا عنها أمام ممثلي دول الخليج ومنافذها، وليس أمام "حزب الله" نفسه. ففي مقابلة له في 18 حزيران الماضي مع صحيفة الشرق الأوسط السعودية، انتقد حليف "حزب الله" جبران باسيل صراحةً "حزب الله"، قائلاً إنّ تورّط الحزب في سوريا "لا يصب في مصلحة لبنان" ويُعرّض علاقات البلد الاقتصادية بالخليج للخطر. وفي غضون ذلك، التقى ميشال عون بالسفير السعودي علي عسيري مع باسيل، ربما في محاولة لتهدئة العلاقات المتدهورة مع الدولة الخليجية القوية.

غير أنّ ارتفاع الجلبة الدال على حصول شقاق في صفوف 8 آذار لن يمنع على الأرجح فرض عقوبات على "حزب الله"- وهي عقوبات تشكّل إعاقة مؤلمة للاقتصاد اللبناني، دون ان تؤثر تأثيراً كبيراً على تورط "حزب الله" في سوريا. ويبدو الدكتور سلامي متشدداً في قوله: "على مجلس التعاون الخليجي أن يدرك أنّهم إذا كانوا يريدون دعم المعارضة في سوريا، فإنّ السبيل لتحقيق ذلك لا يكون عبر لبنان- بل عبر إيران. لماذا عليّ أن أحكّ أذني الشمال بيدي اليمين؟"

الحقوا بستيفاني دارك تايلور على تويتر @sdarct
ناو لبانون

السابق
السنيورة في”لقاء تضامني مع صيدا”: نرفض تحول بعض عناصر الجيش لميليشيات
التالي
قوى 14 آذار دعت اللبنانيين الى الوحدة: لا سلاح في مواجهة السلاح