تنسيق بين روسيا واسرائيل

رغم حقيقة ان الولايات المتحدة وروسيا اتفقتا على عقد مؤتمر في جنيف لمحاولة حل القضية السورية بطرق دبلوماسية وانشاء حكومة انتقالية فيها، يُشك في وجود اجماع بينهما على طبيعة ذلك الحل. وتعلمون انه ليست لاسرائيل تفضيلات فاعلة في شأن سؤال من يكون الغالب: فهي في الحقيقة ليست غير مكترثة بأفعال الاسد لكنها لا تتجاهل ايضا حقيقة ان المتمردين أو جزءا منهم لا يقلون عنه خطرا.
للروس مصلحة مباشرة فيما يجري في سورية، وكان اللقاء الخاطف بين الرئيس بوتين ورئيس الوزراء نتنياهو مؤخرا شهادة على ذلك. لا نعلم بالضبط ما الذي قيل في الغرف المغلقة في سوتشي، لكن لا ينبغي ان نفترض ان بوتين هو الذي بادر الى اللقاء (ولقد بادر هو اليه) كي يبلغ نتنياهو فقط ان روسيا لا تستطيع الغاء صفقة الصواريخ المضادة للطائرات مع دمشق فقط لاسباب الحفاظ على العهود أو السمعة التجارية. ان لروسيا بوتين كما كان للاتحاد السوفييتي قبله مصالح استراتيجية وسياسية واقتصادية في سورية سيعرضها للخطر هناك تبدل النظام. وطرطوس هي الميناء المنزلي للاسطول الروسي في البحر المتوسط، ولما كانت موسكو تريد ان تضمن مكانتها (في نظر نفسها على الأقل) باعتبارها قوة من القوى الكبرى في هذه المنطقة وفي الشرق الاوسط، فعليها ان تزن الآن اجراءاتها في اليوم الذي يلي الاسد ـ ويبدو ان لاسرائيل مكانا في هذه التقديرات.
ليس من الممتنع حقا ان تحاول روسيا عقد صلات بمن سيحكمون دمشق بعد الاسد، لكنها تأخذ في حسابها ايضا تطورات اخرى كتقسيم الدولة وانشاء دولة علوية صغيرة في شمال شرق سورية، حيث يوجد ميناء طرطوس.
ما زالت تأمل الولايات المتحدة في مقابل الروس ان تنشأ سورية الموحدة بقيادة ديمقراطية تهش للغرب، رغم انها ايضا يبدو انها أقل ثقة باحتمال ان يتحقق هذا الأمل.
في الماضي السوفييتي اعتمدت السياسة الروسية في منطقتنا في الأساس على دعم العرب، وشمل ذلك المنظمات الارهابية، وعلى عداوة ظاهرة لاسرائيل لأن ستالين رأى الصهيونية أخطر عدو للشيوعية وبسبب دور اسرائيل الذي أدته في المواجهة مع امريكا بسبب الحرب الباردة. وتغير الوضع من هذه الجهة وهذا أمر جيد.
واليوم لا تعشق روسيا الاسد بالضبط وتأييدها له هو بالنسبة اليها أمر أُرغمت عليه، لكنها كاسرائيل تخشى ان ينشأ اذا سقط مركز نشاط اسلامي اصولي. وفي هذا السياق فان للقدس وموسكو مصلحة مشتركة في المستقبل (وإن لم تكن دائما للاسباب نفسها). وفي اثناء ذلك تتوقع اسرائيل من روسيا ان تقنع الاسد بأنها لا تنوي ان تعمل عليه، ما لم يُمكن من نقل وسائل قتالية متقدمة الى حزب الله، وان تُبين له ايضا ما الذي ينتظره اذا عمل مخالفا هذا النهج، واذا تحداها في مناطق اخرى مثل الجولان مثلا. تجري على طاولة الاوراق السورية عدة العاب مستقلة ومتناقضة في نفس الوقت. فهي عند لاعب لعبة البوكر وهي البريدج عند آخر والتأليف بين أزواج اللاعبين غير ثابت ايضا. ولم يتضح بعد في هذه المرحلة في يد من توجد الورقة الرابحة، إن كانت موجودة أصلا. وعلى اسرائيل على كل حال أن تبقي أوراق لعبها قريبة من صدرها وان تقلل من الكلام الزائد وألا تنسى بالطبع ان مصالح نقطية أو مؤقتة مهما تكن مهمة ليست بديلا عن مصالح وعلاقات طويلة الأمد بحليفتها امريكا.

السابق
ينبغي إزالة الغموض الذري
التالي
المرجعية الاخيرة