الهجوم الإفتراضي لـ النصرة في الضاحية: المزح والجد

قد تكون العبوة الزجاجية، المرفقة بشعاراتٍ مكتوبة على ورقة دفتر في الضاحية مجرَّد «مزحة سمجة». لكن شيئاً ما ينمو في أجواء الضاحية، فهل يكون الملامح الأولية لتشققات خطرة آتية؟

"عبوة الزجاج" التي عُثر عليها في الضاحية، تردَّد أنها ليست عبوة ناسفة في المعنى الحقيقي. والعبارات التي أُرفقت بها، والتي تهاجم الرئيس السوري بشّار الأسد و"حزب الله"، وتحمل توقيع "جبهة النصرة" قد تكون مجرد لعبة يقوم بها "هاوٍ". لكن شيئاً لا يمنع حصول شيء جدي من هذا القبيل في ظل المناخ الذي يسود الواقع اللبناني – السوري.

وفقاً للخبراء في الأمن، ما هكذا تكون العبوات الناسفة ولا شعارات التهديد. و"جبهة النصرة" ليست وراء العمل على الأرجح. لكنّ الاحتمالات الأخرى واردة. وإذا صحّ أن هناك طرفاً سياسياً أو أمنياً يقف وراء العمل، فإنه سيكون رسالة مهمة إلى قلب الضاحية أو مِن قلب الضاحية.

البعض يقول: حتى اليوم، لم يتعرّض "الحزب" لـ"هجوم افتراضي" في معقله الحصين، فهل يقع هذا الهجوم ذات يوم، فيما المقاومون يشنّون "هجوماً افتراضياً" عبر الشبكة العنكبوتية على إسرائيل؟

مناخ الضاحية لم يعد مريحاً للسوريين كما كان سابقاً. وقبل أيام، عمد أهالي المخطوفين اللبنانيين في أعزاز إلى منع العمال السوريين من مزاولة أعمالهم ودخول المحال التجارية التي يشغلونها في بعض أحياء الضاحية، ولا سيما حي السلم والتيرو وأطراف الشويفات، احتجاجاً على استمرار احتجاز أبنائهم.

ووفقاً لبعض المطلعين، هناك توتر خفيّ، تتصاعد حرارته بين بعض البيئات الشيعية اللبنانية والسوريين الموجودين في لبنان، سواء العمال منهم وأصحاب المصالح التجارية أو اللاجئون. وهذا التوتر تعيشه الضاحية خصوصاً، لكنه موجود في الجنوب والبقاع أيضاً. وظاهِرُ التوتر يكمن في استمرار احتجاز المواطنين في أعزاز، لكن خلفيته تكمن في الاحتقان المذهبي الناتج عن التوغل اللبناني المشترك في الصراع السوري الداخلي، والذي ينحو إلى اتجاهات أكثر خطراً.

فسوريا تشهد في الأيام الأخيرة صداماً لا هوادة فيه، خلافاً للبنان حيث انحسرت الاشتباكات نسبياً في طرابلس، وبردت النقاط الأخرى الساخنة مذهبياً وصولاً إلى صيدا، بتأثير من الاسترخاء السياسي الذي أحدثه التبديل الحكومي.

لكن القوى اللبنانية التي تصارع في دمشق تُبقي الشرارة قريبة من برميل البارود. ويوجّه "الجيش السوري الحرّ" اتهاماً إلى "حزب الله" بالتورّط العميق في الصراع: 2000 مقاتل في دمشق و3500 في المنطقة الحدودية، ينفذون العمليات الأكثر قساوة. ويرُدُّ الحزب باتهامات لقوى سنّية بتزويد المعارضة أسلحة وذخائر وأجهزة اتصالات.

والانفراج الأمني النسبي داخلياً يبدو شديد الهشاشة. فهو قائم على مظهر الإيجابيات المفترضة في سرعة تأليف الحكومة وإجراء الانتخابات النيابية. ولكن لا يبدو مضموناً استمرار المناخ الإيجابي، إذا برزت تعقيدات سياسية حقيقية. ولا شيء يحول دون انفجار يبدأ بطرابلس أو الحدود أو أي نقطة أخرى.

ومع تنامي الخوف المذهبي المتبادل في لبنان، هناك مَن يعتقد أن "حزب الله" بدأ يتحسّب للتداعيات الأمنية التي يمكن أن يؤدي إليها التدفق العشوائي للاجئين السوريين إلى المناطق الشيعية. فلا يحتاج الأمر إلى كثير من التبصّر لإدراك حجم هذه التداعيات، خصوصاً إذا استمرّ الصراع مفتوحاً على مصراعيه في سوريا.

وفي عبارة أخرى، بدأ يتكوَّن انطباع بأنّ اللاجئين السوريين إلى لبنان، معطوفين على المقيمين فيه للعمل، والذين يتجاوز عددهم حتى اليوم المليون نسمة، والفلسطينيين، ربما يكون بينهم مجموعات تنتمي إلى تنظيمات وجماعات متطرفة. وهذه المجموعات قد تتحوَّل إلى مأزق لـ"حزب الله" في عمق مناطقه. ولا يتلكأ "الحزب" عادة عن معالجة المسائل الأمنية الصغيرة، إذا كان يعتقد باحتمال تحوّلها خطراً عليه.

ويُخشى أن يقوم "الجيش السوري الحرّ" أو "النصرة"، التي أعلنت ولاءها علناً قبل يومين لـ"أمير" "القاعدة" الشيخ أيمن الظواهري، أو أي تنظيم متطرف آخر، بتنفيذ التهديدات باستهداف "الحزب" ومناطقه بعمليات أمنية.

لذلك، سيعمل "حزب الله" في المرحلة المقبلة على ضبط ساحته جيداً من أي اختراق لمجموعات سورية معارضة. وفيما يبدو الحراك السياسي الجاري في السراي وساحة النجمة وكأنه اللعبة الظاهرة على المسرح، والتي لا يريد منها الساحر سوى إلهاء الجمهور، فإنّ الأمور المُهمّة والحاسمة تجري بعيداً عن الأنظار، وفي كثير من الهدوء والتأني.  

السابق
اللبنانيون يحلقون والسياسيون يهلوسون
التالي
ثلاثية الدفاع عن السلاح تسقط