ويكيليكس علي الامين كاملا

في الرابع عشر من تموز 2006، تلقى الكاتب والمحلّل السياسي في جريدة البلد، ورئيس تحرير مجلّة "شؤون جنوبيّة"، إتصالاً من مسؤولة الإعلام اللبنانيّة في السفارة الاميركيّة ندى يمين، تبادلا خلاله أطراف الحديث بشأن الوضع في لبنان بعد خطف الجنديين الإسرائيليين وما إذا كان الأمين يتوقّع الأسوأ. فيما اطلع الأمين بدوره على الموقف الأميركي مما يجري على حدود لبنان. نقلت يمّين مضمون المخابرة الهاتفيّة لتشكّل أد مضامين وثيقة نشرها موقع ويكيليكس تحمل الرقم 06Beirut2386 ، ومصنّفة من قبل السفير الأميركي في بيروت جيفري فيلتمان، الذي لم يلتقه الأمين طوال وجوده في بيروت، كما يؤكّد لـ"مختار".

هذه الوثيقة، خلال الحرب، رصدت واستندت إلى اتصالات هاتفيّة مع مصادر وشخصيات لبنانيّة، عبر ديبلوماسيين تابعين للسفارة الأميركية، بعضهم لبنانيون وليسوا أميركيين حتى، يعدّون أصدقاء أو على صلة دائمة مع صحافيين وسياسيين مثل الصحافي علي الأمين والوزير السابق ميشال سماحة والنائب فريد الخازن، يتبادلون الآراء على الهاتف استمرار مثل أيّ تبادل آراء يومي يحصل بين صحافيين أو سياسيين، وقد أجرت السفارة مروحة من الإتصالات في الأيام الأولى للحرب لرصد آراء المستطلَعين عما إذا كانوا يعتقدون أن الحرب ستطول أو أنها عملية سريعة.. ولم تكن يومها قد وقعت مجازر أو قُصفت الضاحية الجنوبية أو قرى الجنوب.

الوثيقة، التي تضمنت معلومات وتحليلات من سماحة والخازن لم تنشرها وسائل الإعلام التي نشرت ويكيليكسيات الأمين، يقول فيها الصحافي إنّه "أخرج أسرته من الضاحية الجنوبية لبيروت بعدما طلبت اسرائيل من المدنيين إخلائها"، معتبراً أنّه " في حال شنّت هجوماً على الضاحية (قامت بذلك بالفعل لاحقاً)، ستقع أسرته في مأزق إذ أن العودة إلى قريتهم الجنوبيّة بات أمراً مستحيلاً"، وذلك على سبيل إعلام الأميركيين أنّ وصعا مأساويا لن ينجُ منه أحدا سيترتب على قصف الضاحية.

وفي تحليله لعملية خطف الجنديين الإسرائيليين التي نفذها "حزب الله"، يوضح الأمين أنّ "الحزب يتألّف من جناحين أمني/عسكري وسياسي، وأحد شخصيّاته الأساسيّة عماد مغنية"، موضحاً أنّه "في السنوات الأخيرة، وخصوصاً بعد الإنسحاب السوري من لبنان، إتّجه الكثيرون في حزب الله نحو السياسة ورأوا في ذلك منفعة كبيرة. وفي هذه الروحيّة أعاد المسؤولون في حزب الله إحياء قضية مشروع "أليسار" ويدور الحديث حول تحوّل هذه المنطقة إلى مشروع سياحي". حتى هنا يبدو الأمين مادحًا الحزب في توجهه نحو السياسة.

ويتابع الأمين تحليله لحيثيات ما جرى قائلاً: "فيما راهن البعض على توجّه الحزب السياسي، قرّر الجناح الأمني/ العسكري استعادة السيطرة. فكانت عملية خطف الجنديين الإسرائيليين طبعاً مع الأخذ بعين الإعتبار الحسابات الإيرانيّة الخاصّة والوضع في غزة". ويشير الى "البعض في الجناح العسكري في حزب الله يتشاركون مع الإسرائيليين مصلحة في تدمير لبنان وإعادته عشرين سنة إلى الوراء".

وبحسب الأمين، فإن عمليّة الإختطاف التي حصلت في 12 تموز 2006 كانت "محضّرة منذ وقت وقد استغل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بعض الأحداث السياسية التي سبقت الحرب مثل ورقة التفاهم التي وقّعها مع ميشال عون". ويضيف: "البعض في الجناح العسكري في حزب الله يتشاركون مع الإسرائيليين مصلحة في تدمير لبنان وإعادته عشرين سنة إلى الوراء"، قارئاً أنّ لهذا الوضع نتيجتين، يبدي قلقه منهما، وفق وثيقة ويكيليكس: "إذا ربح حزب الله فهذا يعني أن مشروع بناء الدولة قد فشل، أما إذا خسر فيتوقّع أن يكبر الصراع الطائفي في لبنان". وهذا ما حصل فعلا إذ انتقل الحزب بعد الحرب إلى الإعتصام الأطول في تاريخ لبنان وسط العاصمة بيروت… وانتهى الصراع إلى 7 أيّار واتفاق الدوحة.

وفي ما يخصّ الإحتمال الثاني، يقول الأمين إنّ" معظم الشيعة لا يرون حزب الله كحزب مقاوم، بل كمجموعة تعتبر الأقوى على الساحة، تدافع عن اهتمامات الطائفة الشيعيّة في وجه التهديدات التي تسبّبها الطوائف الأخرى". ويرى أنّه من الصعب أن تحقق الشخصيات الشيعية المستقلة الخارجة عن حزب الله وأمل أي تطوّر ملحوظ في الفترة الراهنة"، قاصدا نفسه بالدرجة الأولى وبقية المعترضين الشيعة.

أمّا الوثيقة الثانية المتعلّقة بالأمين، فنقلت عنه "كراهية حزب الله للمشاريع التي بدأت بتنفيذها القوات الدوليّة (اليونيفيل)". يقول في هذا السياق: "الحزب يستهدف الشباب غير المتعلمين والعاطلين عن العمل لتجنيدهم. في النبطية مثلاً، يحدّد الحزب لائحة ببعض الأهداف في القرى لتجنيدهم، فيقصدهم ويسلّمهم مبلغ 500 دولار أميركي ومسدساً ويمنحهم شعوراً بالأهميّة قبل أن يشحنهم إلى معسكرات تدريبيّة". ويضيف: "يلعب الحزب على وتر تخويف الشيعة في لبنان من تجربة شيعة العراق مع السنّة ويحذّرهم من أن يكونوا هم اللاحقين".

في موازاة ذلك، يتطرّق الامين لـ"شعور الشخصيات الشيعيّة أنها مهمّشة سياسياً، فقوى 14 آذار، المدعومة من الحكومة الأميركية، يُنظر إليها كمجموعة سياسيّة غير شاملة ولا تمدّ يدها للحوار"، موضحاً أنّه "يتخلّلها بعض الشخصيات الخارجة عن القاعدة مثل نسيب لحود، لكن قادة الصف الأوّل، بمن فيهم رئيس الحكومة سعد الحريري، لا يزالون يتجاهلوننا" (أي الشخصيات الشيعيّة المستقلّة).

ولدى سؤاله عن رأيه بقادة 14 آذار، تنقل سيسون عن الأمين قوله إنّ "سعد الحريري يبحث عن تابعين له وليس شركاء". وفي هذا ما لم يره ناشرو ويكيليكسياته. وتعتبر سيسون أنّه "ليست ببداية حسنة ألا يرغب علي الأمين، الشخصيّة الشيعيّة المستقلّة، أن ينتسب رسمياً إلى 14 آذار". أما عن الرئيس أمين الجميّل، فيوضح أنّ "علاقة وثيقة تربط بينهما"، لكنّه "يعتقد أنّ تأثير الرئيس الجميل في 14 آذار بات هامشيّاً"، تضيف الوثيقة.

ويشير الأمين كذلك الى أنّ "الشيعة لا يستطيعون أن يتقبّلوا تقلّبات وليد جنبلاط من شخصيّة مدافعة عن النظام السوري إلى أحد قادة 14 آذار"، معتبراً أن "سمير جعجع هو الشخصيّة الأذكى في 14 آذار، لكنّ فترة سجنه الطويلة عزلته عن أجواء الطائفة الشيعيّة".
وفي وثيقة أخرى نشرها موقع ويكيليكس، تحمل الرقم 08Beirut625، بتاريخ 8 أيار 2008، يُدلي الأمين بقراءته خلال لقاء جمعه بالسفيرة ميشيل سيسون لأسباب التوتر الحاصل آنذاك (احداث 7 أيار). ويقول: "التوتّرات السياسيّة ولّدت شعوراً بعدم الأمان لدى سكان الضاحية الجنوبية لبيروت والقرى الشيعيّة في الجنوب". ويؤكّد "ألا أحد يريد العودة إلى الحرب الأهليّة، لكنّ الأطراف كلّها تتسلّح"، قاصدا الطوائف الأخرى وأحزاب قوى 14 آذار.

ويلفت إلى أنّ "الشرارات ستتطاير إذا مُزج السلاح وأشخاص غاضبون في أوقات متوتّرة". ويذكّر بأنّ "الحكومة اللبنانيّة بذلت جهداً جبّاراً بعد نهاية الحرب الأهلية في جمع الأسلحة الثقيلة، لكنّ انتشار الأسلحة الخفيفة استمرّ من دون تدخل الحكومة منذ عام 1990".
ولدى سؤاله عن مصدر الأسلحة الخفيفة، يجيب الأمين: "من المعروف أن بإمكان الجميع شراء أسلحة من المخيّمات الفلسطينية"، ويوضح أنّ "كميّة الأسلحة الكبيرة يتم تهريبها في البحر وليس براً عن طريق سوريا"، داعياً السفيرة الأميركية إلى "توفير الأمن البحري".

وعمّا إذا كان دعم الولايات المتحدة الأميركية لمجلّته "شؤون جنوبيّة" يسبّب له أي مشاكل أو حساسيّة في المنطقة، تشير وثيقة ويكيليكس الى أنّ "حزب الله تكلم مع الأمين، لكنّه يصرّ على إبقاء التواصل مع الحكومة الأميركيّة مفتوحاً". ويؤكّد الامين أنّ "حزب الله يعارض كل المشاريع والبرامج التي تقوم بها المجموعات الشيعيّة المستقلّة". وتنقل عنه الوثيقة اعتباره في تصريحات عدّة أنّ "التمويل الأميركي في الجنوب قد يسبّب إشكالية". ويتابع: "الشعب يرى مشاريع حزب الله ويتساءل لماذا لا تستطيع الحكومة التي تنال الدعم المادي الدولي، أن تلبّي حاجاته؟".

وتنقل الوثيقة الثالثة، وتحمل الرقم 08BEIRUT919، وجهات نظر شخصيّات شيعيّة أخرى حول كيفيّة التصدّي لحزب الله، كلّ على حدة. ويوضح الامين، إنطلاقاً من تجربته الشخصيّة، أنّ "انتقاد حزب الله ممكنٌ طالما أن الإنتقاد لا يتعدّى الأمور السياسيّة ولكن هناك ثلاثة خطوط حمراء لا يمكن تخطّيها، أوّلاً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله؛ ثانياً، دور الحزب كمقاومة، وثالثاً سلاح حزب الله". ويفيد أنه "حين تخطى أحد هذه الخطوط في السابق، وصلته رسائل تهديد بالقتل ولم تتوقف إلا حين توقّف الأمين عن انتقاداته اللاذعة".

وفي ما يتعلّق بمسألة مزارع شبعا، يقول الأمين، الذي تصفه الوثيقة بأنّه "صحافي شيعي مستقل"، يقول إنّ "حزب الله لن يُسلّم سلاحه حتى لو انسحبت اسرائيل من مزارع شبعا، لأن السلاح شأن إقليمي، وقد يبحث في إمكانيّة التخلي عن سلاحه في حال باتت المفاوضات على نطاق أوسع، أي بين إسرائيل وسوريا وإيران".

الوثيقة، المصنّفة "سريّة"، وضعتها سيسون بتاريخ 20 حزيران 2008. وتنقل عن الأمين قوله، في موضوع استراتيجية القتال لدى حزب الله، إن الحزب "نقل الإقتتال من الجنوب حيث تعمل قوات اليونيفيل مع الجيش اللبناني، إلى البقاع لأن الحزب يسيطر على شمالي البقاع وجنوبه، أما البقاع الأوسط، حيث دار الإقتتال الأخير، فهو خارج نطاق سيطرة الحزب". ويرى أنّه "في البقاع الأوسط، على الحزب أن يتنافس مع السنّة والمسيحين، وقد يؤدي هذا التنافس إلى مواجهة".

وختاما يعرب الأمين عن اعتقاده بأنّ "حزب الله يبدو في أوج قوته عندما تندلع المواجهات في لبنان، لكن عندما يكون الوضع هادئاً يبدو أضعف"، مشيراً الى أنّ "الحزب لا يريد أي حرب أخرى مع اسرائيل، ولكن في حال أرادت إيران، تقع الحرب". ويقول إن "حزب الله يريد من الحكومة اللبنانيّة أن تكون فاعلة حتى تؤمّن خدمات معتدلة للشعب، لكنّه لا يريدها قويّة الى درجة أن تتحدّاه في مناطق سيطرته"، متوقعاً أن "الحلّ الأفضل يقضي بدمج حزب الله في الحكومة لأنه من المستحيل تحدّي هذا الحزب".
 

السابق
تكريم العميدين طليس وشريم في صور
التالي
لبنان يغرق بالسلاح.. والحرب الداخلية على الابواب !!