الآفلون..

انه نوع من عنف يائس. وداعيّ وانتحاريّ وأخير. أصحابه ومنفّذوه وصنّاعه وجلاوزته يفترضونه نقطة نهاية لا بدايات جديدة بعدها، ولا استمرار، ولا عودة الى الخلف.. وإلا لكانوا حسبوا كل ذلك، وأبقوا على شيء من عدّة الرجوع.
والعنف الضاري بأي حال، لا يناسب إلا البشر أو أشباههم! الحيوانات عندها قياس حسّاس، فطري غرائزي ولا يخطئ إلا لماماً، وقصة الحياة والموت عندها غير مألوفة: عندما تشعر بالخطر لا تُقدم ولا تقاتل. وعندما تشعر بالتهديد الوجودي تهرب الى أوكارها ومحاجرها وملاجئها.. لا تفتك بضحيتها إلا إذا كانت على "دراية" بقدرتها التامة على الفوز والبقاء والسيطرة.
العنف المؤدلج بدوره حمّال أوجه. فيه حسابات معقدة ومراتب تنفيذية متعددة وتتوافق مع الأهداف والغايات.. وحتى الانتحار في سياقه، محسوب في خانة خدمة البقاء والديمومة والانتصار.

.. أما العنف الأسدي فهو من طينة هجينة، تجمع بين أداء الضواري وحسابات البشر الراحلين الى مكان آخر، الوداعيين المفترِضين أن أرضاً لم تعد لهم فيحرقونها بما فيها ويشدّون الرحال الى غيرها. غير سائلين ولا آبهين بما يلي لحظة الفتك والقتل. وغير حاسبين لردّ فعل عقابي يأتي من أي مكان مضيء، وفيه أشعة شمس تسطع فوق مصطلحات الحساب والعقاب وأولي الألباب.
عنفهم ارتحالي. يقتلون ويمشون. للتشفّي وإرواء الأحقاد وتنفيس عُقد الانتقام والدونية المتأتية من رفض ضحاياهم لهم.. يعرفون في دواخلهم بقدر ما يعرفون سكاكينهم وخناجرهم وفوّهات بنادقهم ومدافعهم وطائراتهم، انهم يؤدون "وصلة" أخيرة وبعدها ستقفل الدنيا في وجوههم أكثر فأكثر، ولن يبقى سهل واحد يحملهم فوق ترابه مع ضحاياهم المدفونين في ذلك التراب.

قتلة رحّالة. موسميون لكن لمرة أخيرة. ولذلك يمعنون ويوغلون في السفك والهتك ولا يسألون عن الغد والتبعات. الإسرائيليون، الأوائل منهم خصوصاً، قتلوا وأجرموا في سياق تأسيسي وليس ارتحالياً. ولذلك أبقوا الكثير من الطرق مفتوحة للعودة مع الضحايا الى نقطة ما! وراحوا بعيداً في استغلال شعار الضحايا حتى وهم يمارسون أدوار الجلاّدين! لكن عنف الأسديين استئصاليّ ولا يؤسس لشيء سوى العدم وأهواله. وأصحابه أول العارفين بذلك، وبأنهم آفلون، فيما ضحاياهم باقون، ومنتهون فيما ضحاياهم مستمرون، وان سوريا من أولها الى آخرها، مثل داريا: تبكي موتاها لكنها لا تترك لجلاّديها شبراً واحداً من أرضها!.
  

السابق
تجمّعات غوش عتسيون وإفرات تحاصر عاصمة فلسطين المحتلة
التالي
استياء الرئيس نبيه بري من ملف النفط