مقاتلو الريف يتدفقون إلى حلب

الطريق إلى حلب انطلاقاً من الحدود التركية طريق طويل مترب به كيلومترات من الأرض المكشوفة لكن عشرات الشبان يقفزون إلى شاحنات بيضاء في الظلام وبحوزتهم بنادق آلية من طراز أيه.كيه-47 يتوقون للانضمام إلى المعركة هناك.
وقال قائد معارض في قرية قريبة ذكر أن اسمه أبو حشيش «حررنا المناطق الريفية من هذه المحافظة. انتظرنا وانتظرنا كي تهب حلب لكنها لم تفعل. لا يمكننا الاعتماد عليهم في عمل ذلك بأنفسهم لذلك تعين علينا أن نجلب الثورة إلى عقر دارهم».
يجلس الرجل الهزيل القصير ذو الشارب الأبيض وهو يقلب الهواتف المحمولة وأجهزة الاتصال في انتظار القافلة التالية التي ستتجه إلى حلب. وتصطف الشاحنات الصهريج لنقل الوقود والقنابل المحلية الصنع التي ستستخدم في راجمات الصواريخ خارج منزله جاهزة لنقلها.
وقال «نحو 80 بالمئة من المقاتلين في المدينة يأتون من الريف. حلب بلدة تجارية ويقول الناس انهم يريدون البقاء على الحياد. لكننا الآن جئنا وهم يقبلوننا في ما يبدو».
ورغم أن المقاومة المسلحة انطلقت من الأحياء الفقيرة حيث يشعر السكان بالولاء للعشائر أو لانتماءاتهم الريفية فإن تضحيات حلب تتضاءل إذا ما قورنت بإدلب القريبة أو بوسط حمص أو حتى بدمشق العاصمة.

وقال معارضون في الريف ينتابهم الغضب من التقدم البطيء في حلب إنهم تشجعوا على التقدم نحو المدينة بعد اغتيال أربعة من كبار مسؤولي الأمن في العاصمة دمشق بينهم وزير الدفاع.
وقال أحد مقاتلي المعارضة ممن انضموا إلى القافلة وذكر أن اسمه أبو بكر في إشارة إلى هذه الاغتيالات «أعطت دفعة لمعنوياتنا. كنا في غاية الحماس لأننا علمنا أن الوقت قد حان. حلب مركز تجاري وهي المصدر الحقيقي لسطوة النظام. إذا أمكننا ضرب النظام بضراوة والإصرار على مواقفنا فيمكننا إسقاط بشار». وعندما وصلوا إلى حلب قبل الفجر مر المقاتلون في أزقة حلب المتعرجة على مشارف المدينة وهم يكبرون. ثم بدأت مناوشات صباحاً.

واختلط ضجيج نيران الأسلحة الآلية بنيران دبابات الجيش وأمكن سماع نيران المدفعية على مبعدة فيما حلقت مقاتلة تابعة للقوت الجوية في أجواء المنطقة.
وصارت شوارع الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة مقبرة للحافلات المحترقة وبخاصة تلك التي وضعها المعارضون في الشوارع لعرقلة تقدم دبابات الجيش. وأمكن مشاهدة بقايا الدبابات المتفحمة – في أكوام – بجوار نخيل البلح التي تصطف على جانبي الطرق الرئيسية.

وقال هاكور البالغ من العمر 23 سنة ويرتدي زياً مموهاً «حتى الآن الأمور تسير على نحو جيد بالنسبة لنا. اعتدنا على القتال في مزارع الزيتون والحقول المفتوحة. كنا دائماً مكشوفين».
وقال وهو يتحدث من مدرسة أستولى عليها المعارضون وجعلوها قاعدة موقتة «من الأفضل كثيراً أن نقاتل هنا حيث يمكننا أن نختبئ في الأزقة والمباني. سنبقى إلى أن تتحرر حلب». ويشهر مقاتلو المعارضة منصات إطلاق المقذوفات على امتداد جدران المدرسة. وكل وحدة مقاتلين تابعة للمعارضة مرت من هنا تركت رسالة مكتوبة مثل «لواء الفاروق كان هنا» و»لواء المثنى سيطيح بشار».
ويعزف أحد مقاتلي المعارضة على آلة موسيقية وجدها في غرفة الموسيقى بالمدرسة. بينما يلعب رجال آخرون التنس في الزقاق الرئيسي. وعلى مقربة ينام مقاتلون بمحاذاة الجدران بجوار أسلحتهم وقنابلهم.

ويقول هاكور «احتجنا أشهراً عدة لتحرير الريف. لكن الأمور هنا تتحرك بسرعة. لقد شكلنا فريقاً امنياً مع خط ساخن إذا شاء السكان منا أن نساعدهم».
ويتناول المعارضون المشروبات الغازية وهم يغنون ويلقون النكات. لكن بهجتهم سابقة لأوانها. بعد دقائق يهز انفجار مدو المدرسة ويهرع المعارضون لحمل أسلحتهم ويتوجهون إلى الطابق الأرضي في تذكرة بتصميم الجيش على سحق الانتفاضة.
وقال مقاتل يدعى جمعة «كان علينا أن نبدأ المعركة لتشجيع حلب وكي يعتاد السكان على أن يصبحوا جزءاً من الانتفاضة. وقدمت كثير من الأسر أموالاً للمقاتلين سراً لكنهم لا يريدون أن يفعلوا اكثر من ذلك. بل مع الأسف توجد اسر مازالت تؤيد النظام».

وقال جمعة وهو يشير إلى انتفاضة حماة «أعتقد انه بالنسبة لحلب فإن ذكريات الثمانينات مازالت عميقة». والمنطقة التي يسيطر عليها المعارضون والتي زارتها مراسلة رويترز بدت مهجورة كلية فيما يبدو فقد هجرها سكانها. ويستخدم المقاتلون المنازل قواعد ليناموا فيها.
وعلى بعد 20 كيلومتراً خارج حلب أعلن مقاتلو المعارضة أن معظم الريف تم تحريره من قوات النظام. وفي القرى يتجه الرجال للتدخين وتبادل الحديث ليلاً بينما ترتدي النساء أغطية الرأس الملونة ويتركن الأطفال يركضون إلى الشوارع التي تناثرت فيها الأنقاض ليستقبلوا المسلحين المبتسمين. وهتفوا «الله يحمي الجيش السوري الحر».

ورغم الهدوء الحذر الذي تشهده بلداتهم الآن إن ثمة مشاعر استياء عبر عنها المقاتلون حيال سكان حلب.
وقال مقاتل عمره 22 سنة يدعى مصطفى «أخي قتل بالرصاص الشهر الماضي.» ويقول وهو يشير إلى وجوه عدة بين المقاتلين «هذا ابن عمه مات منذ ستة اشهر. الجنود سكبوا بنزيناً عليه وأشعلوا فيه النار». وقال وهو يشير إلى آخر «اسرهم فرت ولم يشاهدوها منذ عام».

وخارج المدينة يقول أبو حشيش قائد مقاتلي المعارضة انه يلزم تقديم تضحيات أخرى وإن الوقت حان لسكان المدن كي يشاركوا في الأعباء.
وقال «في حلب يفكرون فقط في التجارة والمال. ويفكرون بشأن حياتهم ومستقبل أطفالهم. انهم لا يقاتلون النظام لأنهم لا يهتمون إلا بالأمر الواقع».
وأضاف «في الريف نعلم أن علينا أن نتخلى عن الحاضر. سأضحي بحياتي وبحياة أولادي. دعوهم يدمروا منازلنا. هذه المعركة من اجل جيل جديد قادم وستتاح له فرصة الحياة بكرامة. بالنسبة لي يستحق هذا الأمر كل شيء».

 

 

السابق
لافروف «صحّاف سورية»
التالي
الحرب الكونيّة على سوريّة