وقت ضائع في انتظار الرئاسة الأميركية

لا يمكن تفسير عدم التوصّل إلى حلول لأيّ من الملفّات المحلّية والإقليمية والدولية المفتوحة، وما أكثرها، إلّا بشيء واحد وواضح، هو أنّ المرحلة هي مرحلة وقت ضائع ستستمرّ حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل.

وانطلاقاً من هذا المعطى يرى بعض السياسيّين أنّ الحوار الوطني اللبناني الذي انطلق في الآونة الأخيرة سيكون بمثابة تقطيع للوقت في انتظار ما ستؤول اليه الأزمة السورية والأوضاع في المنطقة عموماً، يمكن الإفادة منه لتهدئة الساحة الداخلية وتحييدها، ما أمكن، عمّا يجري في سوريا بالدرجة الاولى، وفي المنطقة بالدرجة الثانية.

أللهمّ إلّا إذا تمكّن المتحاورون من مقاربة القضايا الداخلية المختلف عليها إيجاباً، واقتنصوا "الفرصة" التي يتحدّث عنها رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي هذه الايّام، ويرى أنّها متاحة للّبنانيين لبناء الدولة التي يطمحون اليها بمعزل عن القوى والدول المنشغلة عن لبنان في هذه المرحلة.

ومع أنّ الأزمة السورية تكاد تحتلّ المرتبة الاولى في الاهتمامات على كلّ المستويات الداخلية والاقليمية والدولية، فإنّ المعطيات تدل على أنّها مرشّحة الى مزيد من التصاعد في ظلّ الحديث عن حسم يمكن النظام أن يلجأ إليه في قابل الايّام والأسابيع، فيما بعض السياسيين يستبعد توافر الحلّ السياسي المنشود قبل استحقاق انتخابات الرئاسة الأميركية.

وبعضهم يقول إنّ المفاوضات الجارية في الملف النووي الايراني والتي تتنقل بين العواصم الاقليمية والدولية، تشهد هي الأُخرى مرحلة تقطيع وقت لن تُحسم خلالها أيّ ملفات ثنائية وغيرها إلّا بعد الانتخابات الاميركية، فالقيادة الايرانية لا يبدو أنّها في وارد عقد أيّ اتّفاق مع الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي ليس واضحاً بعد ما إذا كان سيفوز بولاية رئاسية جديدة ضدّ منافسه الجمهوري ميت رومني، ولا أوباما نفسه واثق من أنّه يستطيع هو الآخر إبرام أيّ اتّفاق مع إيران فيما يشعر أنّه في موقع ضعيف، أو لا يقف على أرض انتخابية صلبة.

ولذلك ستبقى المفاوضات النووية بين ايران والدول الخمسة زائداً واحداً في حلٍّ وترحال خلال الاشهر القليلة المقبلة بين موسكو وبغداد واسطنبول، وربّما في غيرها، حتى يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود في الاستحقاق الرئاسي الاميركي.

حتى إنّ المفاوضات الروسية – الاميركية الجارية حول سوريا وغيرها من الملفّات الاقليمية والدولية، بما فيها الدرع الصاروخية وغيرها، تشهد بدورها ما يشبه تقطيع الوقت، فالجانب الروسي ليس متحمّساً للدخول في اتّفاق مع اوباما، فيما هو يملك كثيراً من الاوراق التي يعتقد أنّها تمكّنه من التوصل لاحقاً الى الاتفاق الذي يطمح اليه مع واشنطن.

وفي هذه الاثناء تتشدّد موسكو ومعها بكين وطهران في الموقف الداعم لنظام الرئيس بشّار الاسد، وذلك تمريراً للوقت وتحقيقاً لتقدّم ميداني على الأرض السورية، في انتظار أن يتبيّن لها مصير اوباما فوزاً بولاية جديدة أو فوز رئيس جديد، لكي يُبنى على الشيء مقتضاه.

ويعزو ديبلوماسيّون ارتفاع منسوب التنسيق الروسي ـ الايراني بدرجة عالية على كلّ الصعد في هذه المرحلة، ليس الى العلاقة المتينة والمصالح التي تربط بين الجانبين والتي كان الرئيس فلاديمير بوتين مهندسها في الاساس

فحسب، وإنّما الى الحقد الكبير الذي يكنّه الرئيس الروسي للولايات المتحدة الاميركية وحلفائها، إذ يتّهمهم بالوقوف خلف كثير من الأزمات والأحداث التي واجهت الاتحاد الروسي منذ موقعة الشيشان، إن لم يكن منذ ما قبلها، الى ما حصل في جورجيا مروراً بالدرع الصاروخية ووصولاً إلى التظاهرات والاحتجاجات الأخيرة في العاصمة الروسية التي سبقت انتخاب بوتين وأعقبته.

ويعتقد هؤلاء الدبلوماسيون أنّ الاهتمام بالأزمة السورية سترتفع وتيرته في هذه المرحلة على وقع التداعيات المنتظرة لنتائج انتخابات الرئاسة في مصر على الساحتين المصرية والعربية، إذ إنّ هذه التداعيات ستكون هي الأُخرى، الى جانب ما تشهده تونس وليبيا، من عدّة مرحلةِ تقطيع الوقت التي بات الجميع يعيشها في هذه الأيام.  

السابق
خلايا نائمة
التالي
إما الدولة وإما الدويلات!