إما الدولة وإما الدويلات!

لا نكشف سرّاً، أو نذيع مفاجأة حين نكاشف مَنْ يُفترض أنهم مسؤولون بواقع الحال، والوقائع المستجدّة والأحداث الطارئة التي تطوّق لبنان في هذه الفترة الحرجة، وقد تشكّل مجتمعة مدخلاً إلى ورطة كبرى.
هذا، فضلاً عن المسلسل الجديد الذي بدأت حلقاته تطلُّ تباعاً من المخيّمات الفلسطينيّة، مترافقة مع ظهور لافت لمسلّحين هنا، وعراضات مسلّحة هناك، واصطدامات هنا، وضحايا وجرحى هناك، ومما حارت البريّة في أمره وتفسير انفجار مسلسله على حين غرّة.
فكلما داويت جرحاً سالت جروح. وكلما عالجت أزمة نبتت مروجٌ من الأزمات. وكلّما مرّ قطوع أطلّت أفواج من القطوعات.
أزمات من كل نوع، ومن كل حدب وصوب. أزمة كهرباء وماء وهواء. أزمة اقتصاديّة تشمل ذوي الدخل المفتوح على الملايين كما أصحاب الدخل المحدود جداً.
إلى أزمة بطالة، وجمود شبه شامل يلفّ الأسواق والمتاجر والمؤسسات الكبرى كما الصغرى.
أزمة سياسيّة تكاد تكون أزمة مصيريّة بالنسبة إلى وحدة الدولة ووجودها، ووحدة الحكومة شبه المشلولة وشبه الغائبة، أو الدائمة الغياب، مع أزمة نظام وصيغة ونصوص ميثاقيّة دستوريّة، فأزمة وطن استنفدت الحروب والانقسامات والخلافات كل مقوّماته وما كانت له من مناعات ودعائم…
إلى حدّ أن الناس لا ينفكّون يتساءلون ما إذا كانت الدولة قد تنازلت عن دورها، وعن مسؤوليّاتها هي والمؤسّسات التي أوكل إليها الدستور مسؤوليّات حماية النظام والقوانين والأعراف والتقاليد، ثم حماية الناس والمصالح العامة والخاصة… وما ليس في حاجة إلى سرد وتعداد.
لم يعد في الإمكان السكوت عن هذا التشرذم الذي سربل الدولة وأقعد مسؤوليها وقيّد مؤسّساتها، وجعلها مجتمعة تتراجع عن دورها وواجباتها، لتتحرّك الدويلات المنتشرة على امتداد هذه الجغرافيا المتعدّدة الثقافة والانتماء والاصطفاف، وتتصرّف بحرية مطلقة، ومثيرة للدهشة والاستغراب.
والناس يتساءلون بدورهم عن سرّ انكفاء الدولة إلى هذه الحدود والدرجات، وازاء تحرّك مكشوف وفاضح للدويلات ومسلّحيها و"قادتها" و"مرجعيّاتها"، كأنما لا دولة لبنانيّة هناك ولا حكومة ولا مجلس نواب ولا سلطات ولا قوانين ولا مَنْ يسألون. فإما الدولة وإما الدويلات… وكان الله في عون لبنان واللبنانيّين.
حتى بعض الوزراء يتصرّفون كأنهم "ملوك" على عروش وزاراتهم. ووزارة الطاقة، أو قلّة الطاقة وقلّة المسؤوليّة وقلّة الوطنيّة، خير شاهد على واقع الحال الذي لا يسرّ حتى الأعدقاء.
هذا ينأى بنفسه، وذاك ينأى بكرسيه، وذيّاك يردّد نصيحة جحا، وبلد مطوّق بالدويلات والمسلّحين و… المخاطر.
كان الشيخ الرفيق سعيد تقي الدين يقول: لا تُبنى الأمم بالمساومة بل بالقانون. 
 

السابق
وقت ضائع في انتظار الرئاسة الأميركية
التالي
أميركا تمنع حلّ أزمة الكهرباء