الويل للمخلوعين

التاريخ القصير للثورات في العالم العربي يبدأ بتجسيد العلاقة المصيرية بين وحشية المخلوعين وبؤس نهايتهم. فمن عرف كيف يهرب في الوقت المناسب أو امتنع عن ممارسة القوة الشديدة لقمع المظاهرات وجد نفسه، مثل ابن علي من تونس، على قيد الحياة. طاغية حقيقي مثل القذافي، الذي تعهد بحرق ليبيا على سكانها، وحاول أيضا أن ينفذ وعده، حصل على فتك مصور. على هذا الطيف يوجد حسني مبارك في مكان طيب في الوسط؛ مؤبد ولكن ليس الاعدام، ونجلاه جمال وعلاء خرجا الى الحرية.
بالنسبة للوحشية المحدودة والحذرة التي ابداها في قمع المظاهرات، فان هذا عقاب متوازن.
الثورات هي أمر مشوق، من هذه الناحية؛ كلها تختلف في تجاربها ولكنها مشابهة في سلوكها.

من فترة الارهاب للثورة الفرنسية وحتى قرارات المحكمة في القاهرة أمس، المحكمة هي الاداة لتطهير المجتمع من بقايا النظام القديم، في قصور القضاء الثوري، العدالة هي غريب تام. في الثورات، القاعدة بسيطة: الويل للمخلوعين.
بالخطأ تسجل بداية عصر الثورة الحالية في تونس. ثورات العالم العربي بدأت في مكان آخر تماما، قبل سنوات من ذلك. صورة الشنق المهين لصدام حسين، من قبل حكومة التبعية للولايات المتحدة، هي التي بدأت تغير الصورة السياسية والوعي في الشرق الاوسط. فقد كان هذا اعداما اقر في واشنطن، بالضبط مثلما كان البيت الابيض هو الذي نزع رعايته عن مبارك الضعيف، حرك دعم الناتو للثوار ضد القذافي (مما أدى الى انتصارهم) وهو الذي يحبط الان الثورة في البحرين، لان هذه لا تخدم اهدافه.

لا، الامريكيون لا يوجهون عصر الثورة؛ اوباما على ما يبدو كان يفضل ان يوفر على نفسه كل هذه الاحداث لقاء نفط اقل سعرا بعشر دولارات للبرميل. ولكن الامريكيين عملوا خيرا كان أم شرا كمحفزين وموجهين لهذه السياقات. هم، وبالاساس ادارة بوش، ارادوا عالما جديدا، ديمقراطيا ومنتخبا. عالما يقدم فيه الحكام الحساب على الحكم المطلق. الولايات المتحدة تحصل في الشرق الاوسط على ما أرادت، على ما طبخه جورج بوش، لشدة الاسف يتبين أن هذا يتضمن السلفيين والاخوان المسلمين، وبقوة.

التاريخ سيحاكم حسني مبارك، ومشكوك فيه أن يتشدد معه مثلما فعلت الثورة، من خلال بعثتها الحالية المحكمة المصرية. نعم، مبارك تجاهل دعوات غربية متكررة لتنفيذ اصلاحات وتعزيز المجتمع المدني، قبل لحظة من الثورة. بالتأكيد، أجهزة الاستخبارات لديه تصرفت بوحشية فظيعة على مدى عشرات السنين وحالت قمع الثورة وهي في مهدها. ولكن في الواقع المدني، بين البحر المتوسط وكابول في افغانستان، كان قليل من الدول منفتحا نسبيا مثل مصر مبارك.
مصر كانت ولا تزال دولة فقيرة، هائلة، تتكاثر بوتيرة عظيمة؛ مبارك نجح في أن يوجهها الى مكانة قوة عظمى اقليمية ثابتة. بالتوازي، بنى نظاما لم يعرف أو لم يرغب في أن يتصرف بوحشية سورية، دمشقية، تجاه سكانه حين ثاروا. هذا، ربما، سبب سقوطه ـ ولكنه أيضا المدح الأعلى لحكمه.  

السابق
هذه فوائد المؤخرة الكبيرة ؟!
التالي
الاخوان المسلمون راضون مرة اخرى