مؤسسات المعوقين تهدد بالإقفال

في ساحة رياض الصلح أمس أسلاك حديد، وعناصر أمنية، وبالونات بلون البنفسج، و«أصحاب كراسي» لا تظلّلهم قبة البرلمان، بل طربوش رياض الصلح وشمس حارقة قبعوا تحتها نهاراً بطوله للمطالبة ببند واحد: إقرار رفع التعرفة للمؤسسات التي تعنى بالمعوقين وفق ما اتفق عليه في العام 2011، أي 16 ألف ليرة للفرد بدل 5 آلاف.
زهيد هذا الرقم بالمقارنة مع أرقام الهدر والفساد التي كان يتقاذفها «أصحاب الكراسي» تحت قبة البرلمان. زهيد لكنهم تناسوه. ذاك لأن إعاقة المسارات السياسية والاقتصادية لكل طرف، أهم بكثير من إعاقات أصيب بها أطفال وشباب لبنانيون وجدوا في بعض المؤسسات طريقاً لخلاصهم، فإذ بها تهدّد بالإقفال.

في ساحة رياض الصلح أمس مئات العاملين في معالجة الإعاقات، وأصحاب مؤسسات التفوا حول مئات أخرى من أطفال وشباب. منهم من لا يرى ومنهم من لا يسمع، ومنهم من لا يمشي ومنهم من أصيب بأكثر من إعاقة فصعبت عليه الحركة، لكن لم تصعب عليه المطالبة بحقه في رعاية تليق بالإنسان، في عصر تخطت فيه الدول المتقدمة البحث في شؤون الرعاية إلى البحث في كيفية الاستفادة من خبرات وقدرات معوّقيها.
يمثل هؤلاء نحو 10 آلاف معوّق، يرتادون ستاً وخمسين مؤسسة تشكّل «مكتب التنسيق الدائم»، ويعمل لديها نحو 7 آلاف متخصص وعامل.

رفع المعتصمون باسمهم لافتات كتب عليها «ظلمتموني» تعبيراً عما يعانون منه وما سيعانون منه إذا لم تقرّ التعرفة الجديدة في أقرب وقت ممكن. فوسط التهديد بالإقفال، يسأل محمد ما يمكن أن يحلّ بابنته لمى التي تعلّمت المشي والنطق بفضل جهود إحدى المؤسسات. «هل تتراجع حالها أم تستقر من دون أن تتقدم؟»، و«هل سيحكم عليها التزام المنزل وعدم متابعة تعليمها؟»، والأهم «من سيتكفل في معالجتها ومتابعتها؟».

هو مصير مجهول يقدم عليه المعوقون ومعهم المتخصصون في النطق والحركة والمعالجين النفسيين، ومئات من المدرسين والعمال المهددين بالبطالة. لم يحظ هؤلاء كغيرهم من عمال لبنان على العلاوة التي أقرّها مجلس النواب منذ أشهر، لا بل إن إحدى المؤسسات «حسمت من رواتبنا التي تتراوح بين 500 ألف ليرة و500 دولار، لأن أزمتها وصلت إلى حدود التوفير حتى في الطعام المعدّ للأطفال»، وفق ما تشير إليه المعالجة الفيزيائية نور ورداني.
وتشرح وزملاء لها أن التوفير طال طعام الأولاد، فتردت النوعية وتقلّصت الوجبات. وتخلّت بعض المؤسسات عن النشاطات الترفيهية، وعمدت إلى استخدام أجهزة ومعدات رديئة في المعالجة، كما تؤكد المساعدة الطبية مايا بولس. بينما تفصح المدرسة زينة أمين أنه يتم التغاضي عن الوسائط التربوية الجديدة «لتبقى المؤسسات على أسس التعليم البدائية».

وطال التوفير الجسم المتخصص وباتت المؤسسات تتكل على معالجَين فيزيائيين اثنين بدل خمسة، فتقلّص وقت المعالجة الذي تتطلبه حالات الأطفال. مع الإشارة إلى أن ساعة المعالجة الفيزيائية الخاصة تكلّف 25 دولاراً، بينما يتقاضى المتخصصون في تلك المؤسسات 5 آلاف ليرة بدل ساعة المعالجة، ما يدفع بعض المتخصصين إلى ترك المؤسسات والتوجه إلى مؤسسات أخرى أو عيادات خاصة، وبالتالي تدخل مؤسسات المعوقين يد عاملة لا تتمتع بالكفاءة أو الخبرة المطلوبة.
بين الأطفال والمسعفين والمتخصصين وأصحاب المؤسسات وقف عدد من الأهالي يسألون عن مصير الأولاد إذا أقفلت المؤسسات. تؤكد الفنانة جاكلين خوري وهي أم لطفلة أن الولد المعوّق بحاجة إلى رعاية تساوي رعاية خمسة أطفال لا يعانون من إعاقة، وأن الأهل في لبنان لا خيار لديهم إلا الاتكال على تلك المؤسسات «كونه بلداً غير مؤهل لاستيعاب المعوقين لا في المدارس ولا في الشوارع ولا حتى في أماكن العمل».

وإذا كانت أم ثائر تحلم له بوظيفة ضمن الكوتا التي أقرها القانون 220/2000، فإن أحلامها قد تبددت، وما طموحها اليوم إلا بإقرار تعرفة العام 2011 ليكمل ثائر علاجه وتعليمه في إحدى المؤسسات.
لكن أصحاب المؤسسات يهددون بالإقفال، ولهم في ذمة الدولة بدل ثمانية أشهر. وهم إذا نفذوا سلسلة اعتصامات، يؤكدون أن اعتصام أمس هو الأخير قبل الإقفال وصرف الموظفين.
يلفت رئيس «مكتب التنسيق الدائم» رئيف شويري إلى أن المؤسسات تلقت وعوداً بصرف 30 ملياراً لها، وأشار إلى أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وصف المبلغ بـ«الهيّن»، لكن حتى الساعة لم يتم صرفه. وبلّغت المؤسسات أن الأموال الموعودة بها مرتبطة بمبلغ الـ8900 مليار التي هي مدار جدال وبحث ومتنازع عليها بين الأفرقاء، والمفروض أن تقرّ من خارج موازنة العام 2005.

لكن أرقام المؤسسات تعود إلى تاريخ أبعد من تاريخ تلك الموازنة، فهم حتى اليوم يتقاضون تعرفة تساوي 60 في المئة من التعرفة التي أقرّت في العام 2004، وفق شويري. علماً أنه وفق الأصول يجب أن يتقاضوا تعرفة جديدة، كانت ستقر في آذار الماضي.
وأصدر «مكتب التنسيق الدائم» للمؤسسات التي تعنى بالمعوقين باسم 56 مؤسسة بياناً طالب فيه المسؤولين بدفع البدلات على أساس الدراسة التي وضعتها وزارة الشؤون في العام 2011، «على الرغم من أنها لا تأخذ في عين الاعتبار الزيادة على الرواتب». وناشد المعنيين إصدار تعرفة جديدة لسعر التكلفة للعام 2012 ما هو منصوص عليه قانوناً، وإبطال قرار ديوان المحاسبة بحسم أيام العطل وصياغة عقد جديد يرفع الالتباس ويطور العلاقة مع الدولة. بالإضافة إلى معالجة التأخير الذي يصل أحياناً إلى 10 أشهر.

السابق
الانتخابات البلدية في الخلوات والدلافة: حراك سياسي ولا ترشيحات
التالي
شائعات عن وجود أسلحة متنقلة في صيدا