تفشّي الغلاء وحماية الإحتكار

«لا نستطيع أن نؤمّن حاجاتنا… لا نشتري سوى ما هو أساسيّ… الراتب قليل والأسعار مرتفعة»، عبارات نسمعها أينما وُجدنا في لبنان، حيث يُعشّش الغلاء وتنعدم الرقابة في ظلّ رفع الضريبة الـ TVA والفلتان الاقتصادي المستشري… ويبقى السؤال: أين الحكومة؟

"الأسعار نار ولا أحد يشبع في هذا البلد الذي باتت السرقة فيه مشرّعة بشرف". هذا ما يراه التاجر وليد نجّار الذي يعتبر أنّ "الفوضى عمّت الأسواق، والتجّار اليوم يستغلّون ضريبة الـ TVA لزيادة أرباحهم، فترى في أسفل كلّ فاتورة، مهما كانت أصناف المشتريات وبغضّ النظر عمّا إذا كان القانون يعفيها من هذه الضريبة أم لا، زيادة 10 في المئة TVA، يدفعها المستهلك تحصيل حاصل، والحياة هنا باتت لا ترحم… ولا حياة لمن تنادي".

ضعف القدرة الشرائيّة بات عدوى تطاول غالبيّة اللبنانيّين الذين لا يزالون ينتظرون الفرج القريب… ومع مرور عام بعد عام، لا يتلمّسون أيّ بوادر إيجابية، مطالبين وباستمرار حكومتهم بإيجاد الحلول الناجعة لأزماتهم بغية الالتفات إلى المسائل الحياتية الطارئة.

آراء المواطنين

إلتقت "الجمهورية" عدداً من المواطنين الذين عبّروا عن حجم المعاناة التي يعيشونها نتيجة الغلاء الخياليّ في الأسعار، فقالت رنا التي كانت تتبضّع في إحدى التعاونيّات الاستهلاكية، "نحن نعيش كلّ يوم بيومه ونشتري الضروريّ جدّاً"، وإذ لفتت قائلةً: "لديّ عائلة وأحتاج إلى ثلاثين ألف ليرة يوميّاً ولا يكفينا ذلك لتأمين ما يحتاجه أولادي"، عبّرت عن غضبها ويأسها "من الحالة المذرية التي وصلنا اليها".

من جهتها، قالت ميرنا، وهي موظّفة تساعد زوجها الموظّف أيضا في تأمين حاجيّات البيت، إنّ "الراتب الشهري لا يكفي لسدّ الحاجات الضرورية لعائلتي على رغم أنّني أعمل تماماً كزوجي"، لافتةً إلى أنّ "الدولة تزيد لنا أجورنا من ناحية وتأخذها بشكل أكبر من ناحية أخرى".

وشكت فاديا ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة على أنواعها، مشيرةً إلى أنّنا "لم نعد تستطيع شراء السلع الطازجة لأنّ سعرها مرتفع".

وأوضح علي وهو سائق عموعي: "إنّني قد أجني يوميّاً من 20 إلى 50 ألفاً، وقد لا أجني أيّ فلس لأيّام عدة"، مشيراً إلى "أنّني أشتري حاجات منزلي بالدَين من سوبرماركت قريبة، وأسدّد دَيني عندما يتأمّن معي المال". وإذ طالبَ الدولة بـ"خفض أسعار المواد الغذائية والزراعية والطعام على الأقل"، سأل: "هل ضريبة الـ TVA تشملها أيضا كما يدّعون؟"

نقابة مزارعي البقاع

ورأى رئيس نقابة المزارعين في البقاع، ابراهيم ترشيشي أنّ "الغلاء المعيشي يعود الى "احتكار وطمع التجّار"، مطالباً الدولة بـ"مراقبة الأسعار والحدّ من الاحتكار". وقال: "على الدولة أن تعمل لتصحيح الأسعار بين سعر السلعة الحقيقي والسعر الموجود في الأسواق، وأن تؤمّن فرص عمل للناس وتعمل على زيادة الاستثمارات". ودعا ترشيشي إلى "صرف الأموال العموميّة في مكانها المناسب"، مشدّداً على ضرورة أن "تطاول الضريبة الكماليّات وليس الضروريّات التي يحتاجها المواطن ولا يحصل عليها".

حماية المستهلك

من جهتها، أوضحت عضو جمعيّة حماية المستهلك ندى نعمة أنّ "هناك مؤشّراً للأسعار يظهر ارتفاعاً بوتيرة عالية، ما يؤدّي إلى غلاء قويّ بلا حسيب أو رقيب، وبحجّة أنّ اقتصادنا حرّ وهناك حرّية في العرض والطلب". وإذ استنكرت نعمة استغلال التجّار الناس من خلال استخدام ذريعة الـ TVA، طالبت بأن "يكون هناك ضبط للسلع الأساسيّة لأنّ المواطنين أصبحوا يعيشون بالدين نتيجة الغلاء الحاصل"، منتقدةً غياب الرقابة على الأسعار "وهذه الرقابة إن وُجدت فإنّها لا تؤدّي إلى شيء خصوصا أنّه ليس هناك قوانين تضبط الأرباح"، مطالبة "الدولة بالتدخّل من خلال وضع إجراءات معيّنة لأنّ هناك فلتاناً اقتصاديّاً". ودعت نعمة المجلس الوطني لحماية المستهلك إلى إيجاد حلّ علميّ وموضوعي لهذه المشكلة".

وزارة المال

مدير الواردات في وزارة المال لؤي الحاج شحادة أوضح لـ"الجمهورية، أنّ "ما يعفى مبدئيّاً من الضريبة على القيمة المضافة، ولأسباب اجتماعية واقتصادية، هو العمليّات المتعلّقة بقطاعات: الصحّة، التربية، التأمين والمصارف، ألعاب المراهنة، نشاطات الجمعيّات التي لا تتوخّى الربح، بيع عقارات مبنيّة وإيجار عقارات مبنيّة سكنيّة، النقل العام، المحاصيل الزراعية في حال تسليمها في حالتها الطبيعية، تسليم الذهب الى المصرف المركزي…"

وتابع: "تعفى أيضاً من الضريبة على القيمة المضافة عملية تسليم بعض السلع التي تعتبر من الأولويّات، مثل اللحوم الطازجة والأدوية والخبز والطحين والحبوب الطبيعية والسكّر والكتب إلخ…"، مشيراً إلى أنّه "لا يحقّ للخاضع للضريبة، والذي يقوم بتلك العمليّات، أن يحسم أو يطلب استرجاع الضريبة التي دفعها عند اكتساب الأموال أو الخدمات من أجل مزاولة نشاطه". وأضاف الحاج شحادة: "وتعفى أيضاً من الضريبة على القيمة المضافة عمليّات التصدير إلى خارج البلاد، وفقاً لمبدأ فرض الضريبة في بلد الوصول، مع الميزة في أنّه يتيح حقّ الحسم، أي بإمكان الخاضعين المطالبة بالضريبة التي أصابت الأموال أو الخدمات المكتسبة لحاجات نشاطهم". وردّاً على سؤال عن التجّار المخالفين، أوضح أنّ "الوزارة ترسل مفتّشين ومراقبين مختصّين بالـ TVA إلى الأسواق بشكل مستمرّ لضبط المخالفات، والسهر على تطبيق القانون".

وبالانتقال إلى وزارة الاقتصاد، حيث أكّد رئيس مصلحة حماية المستهلك فؤاد فليفل، لـ"الجمهورية"، أنّ "مسؤوليّة مراقبة الأسعار وضبطها ومحاسبة المخالفين تقع أيضا على المصلحة التي تسهر على حماية حقوق المستهلك". وإذ شدّد على أنّ "السعر المُعلن على السّلع يجب أن يشمل ضمنيّاً ضريبة الـ TVA، لفتَ إلى أنّ "معظم الشكاوى تأتي احتجاجاً على سياسة التضليل التي يعمد اليها التاجر لجذب الزبائن الذين يقصدونه لأنّ أسعاره أرخص من غيره، ليفاجَؤوا عند الدفع أنّ الأسعار لم تكن تشمل ضريبة القيمة المضافة، "وبياكلوا الضرب"، مؤكّداً أنّ "المصلحة تكلّف المراقبين للتحقّق من صحّة الشكوى وتكوين الملفّ، وتنظّم على أثره دائرة مكافحة الاحتكار والغلاء محضر ضبط يُحال الى المحكمة، حيث يقوم القضاء بالترتيبات اللازمة لتحديد غرامة المخالفة حسب النصوص القانونية، والتي تتراوح بين 5 إلى 10 ملايين ليرة".

وعن استغلال بعض التجّار جهل المستهلك للسّلع المعفاة من الضريبة، أشار فليفل إلى أنّ "هذه الفوضى تضاءلت مقارنة مع الفترة الأولى التي طُبّق فيها قانون الضريبة على القيمة المضافة"، داعياً المواطنين الى "الاتّصال بالرقم 1739 فور تعرّضهم لأيّ نوع من المخالفات".

وزير السياحة

وعلى رغم تشكيل وزارة الاقتصاد لجنة طوارئ لهذه الغاية، أكّد وزير السياحة فادي عبود لـ"الجمهورية"، أنّ "التجارب في مختلف الأنظمة الاقتصادية العالمية، الرأسمالية والاشتراكية أو حتى الشيوعية، أثبتت أنّ مراقبة الأسعار لا تجدي نفعاً". وإذ لفتَ إلى أنّ وزير الاقتصاد "يتّفق معي على عدم جدوى مراقبة الأسعار مئة في المئة"، أوضح أنّ نحّاس "يعتبر أنّه يجب على الوزارة إصدار بيانات على الأقلّ، نظراً للتأثير النفسيّ الذي يمكن أن تحدثه".

ورأى الوزير عبّود أنّ "زيادة القدرة التنافسية هي العنصر الوحيد الكفيل بخفض الأسعار المرتبطة بعامل العرض والطلب"، ودعا إلى ضرورة "مراقبة الاحتكارات وليس الأسعار، فهي التي تزيد الكلفة وتؤدّي الى الغلاء الذي يطال مختلف القطاعات"، لافتاً إلى وجود "مجموعة من رجال الأعمال تتحكّم بعمليّات الاستيراد بغطاء من الدولة، وبالتالي تتسبّب بارتفاع الأسعار".

وأشار إلى أنّ "الدولة اللبنانية تتدخّل مباشرة بحماية الوكيل الحصري وتشجّع الاحتكارات وتحفّزها وتمنع استيراد بعض الصناعات، كما أنّه يتمّ فرض رسوم جمركيّة مرتفعة على بعض السلع لأسباب غير منطقيّة"، متمنّياً لو يتمّ استبدال سؤال "أين هي وزارة الاقتصاد من مراقبة الأسعار؟" بـ "أين هي وزارة الاقتصاد من منع الاحتكارات؟"   

السابق
تفجيرات صور: رسائل سياسيّة بثوب ديني
التالي
وديع الصافي: لم أُعلن إفلاسي!