14 اذار مشروع مذهبي بقفازات مدنية

عندما خرج مسؤول التثقيف السياسي لتيار "المستقبل" مناديا فوق الجماهير "الله اكبر الله اكبر.. لقد خرج المارد السني من قمقمه"، ادركت ان ما يسمى 14 اذار كان يوما فريدا من ايام سنوات اللبنانيين الطوال، وانه انتهى عصر اليوم نفسه وان التشكيلات المختلفة التي تنضوي ضمن جبهة 14 اذار لا تخفي حقيقة ان هذا "المشروع" اصبح مشروعا مذهبيا بالتعريف والتوصيف والخلاصة والاهداف. ربما استطاع اعلام هذا المشروع تسويقه بوصفه "عبورا الى الدولة" المدنية، الديموقراطية، الجامعة، الحديثة. وهذا في الواقع ما كان يربطنا بالفكرة وينسبنا اليها كفكرة قبل كل شيء، لكنّ مجمل الاحداث التي ظهرت وبرزت منذ العام 2006 حتى اللحظة تدل وتكشف، أنه كان "نهضة مذهبية" حملت شعارات جذّابة لشرائح لبنانية متنوعة فكريا وثقافيا انما تجمعها احلام واحقاد، جعلت من البديهي ان يتناغم العلماني مع الطائفي (كما يحدث في سوريا) كتفا بكتف من اجل "الهدف الاسمى"، ولكنها في الممارسة والنتائج بالتحديد عبّرت عن تطلعات جزء من جماعة مذهبية التحق بها الاخرون كلّ لأسبابه ودوافعه السياسية والنفعية والالتحاقية ليشكلوا معا ما بات يعرف بتجمّع 14 اذار .

هكذا صار في وسعنا استيعاب ان صورة الملك السعودي "الثمانيني" تظلّل وترعى احد مهرجانات هذه المجموعة الذي كان مخصصا لإطلاق "انتفاضة ثانية" اول واسمى اهدافها "بناء الدولة المدنية الديموقراطية السيدة المستقلة العادلة الواحدة"… الخ. وقد ظهر المشهد بالغ السوريالية والغرابة والانفصام، بين صورة الدولة التي يحكمها راعي الحفل بصورته "وامواله" وازلامه واتباعه ومريديه، وبين الشعارات "المضللة" التي كان يراد منها يومذاك شد العصب وتحشيد الغرائز "المذهبية والطائفية بالطبع" لجولة سياسية داخلية تحت عنوان "اسقاط السلاح" بعد سلسلة هزائم مني بها هذا الفريق وذاك المشروع ولا يزال. ولعل مجمل ما بقي في ذاكرة اللبنانيين من كل هذا الحشد المذكور، حفلة التعري التي قدّمها "زعيم تيار المستقبل والذي يعتبره البعض ظلما زعيم السنة في لبنان" الشيخ سعد الدين الحريري، حيث تبادل اللبنانيون نكاتا وطرفات مسلية عن علاقة "الشلح" بإسقاط السلاح في مقاربات ذكية تنم عن فهم حقيقي لمسألة السلاح وابعادها المحلية والاقليمية ومعظم تعقيداتها في معزل عن الشحن والتحريض واللعب على الغرائز المذهبية. وبما ان الشيء بالشيء يذكر لا بدّ من ذكر الاعلامية مي شدياق كضحية مزدوجة للإرهاب المجرم الذي حاول اغتيالها والنيل منها جسديا، وبين الارهاب الفكري الذي يبدو انه نال من "الشهيدة الحية" التي تمثّل ابرز تجلياته من خلال فلتات لسانها وتصريحاتها وخطاباتها التي تنضح بالعنصرية والتمذهب والاستعلاء في التعاطي مع الشريك الاخر في الوطن، مع انه قوي وقادر وقدّم انجازات للبلد تفوق ساقا مقطوعة او يدا مبتورة.

الغش والنفاق والخداع في طرح شعارات "تقدمية" وإضمار اهداف "رجعية" ليس السقطة الوحيدة للفريق الذي غادرته بشكل مبكر، ناجيا بنفسي وافكاري وهويتي وانتمائي غير اسف، بل ثمّة سقطات تقارب الفضيحة عند كل مقاربة او مقارنة بين الشعار والبيان السياسي وبين السلوك الفعلي على الارض. وهنا نحن نتحدث عن الفساد المالي الثابت ضد هذا الفريق، وعن الفساد السلوكي والاجتماعي والسياسي، وعن عقلية ادارة الدولة على طريقة الامراء والشيوخ، وعن النظرة المتسامحة مع اسرائيل اذا لم نقل اكثر، نتحدث عن النظرية الاقتصادية الاجتماعية، وازدراء الفقراء واعتبارهم منتسبين الى "طائفة ايضا".. كل واحدة من هذه المفردات فيها ملف كبير مليء بالارتكابات غير ان النظام الطائفي يحمي الجريمة والسرقة والقتل والفساد ويشجع عليه ايضا. نتحدث عن الشعار الكذبة الذي استعاروه من "التيار العوني" ونضالاته منذ ما قبل مجيء رفيق الحريري الى السلطة ودخول سمير جعجع الى السجن. "حرية سيادة استقلال"، هذا الشعار الجذّاب والطموح نال من ازدواجية ونفاق هؤلاء ما ناله، وبدا انهم يستخدمونه ضد سوريا فقط في حين تنتهي مفاعيله عند الارتكابات الامريكية والاسرائيلية والفرنسية وغيرها، ويبلع "المناضلون" السنتهم عندما يتعلّق الامر بما يسمى المجتمع الدولي حتى لو انتهك السيادة الوطنية والقومية واجتاح المنطقة ولبنان بالقرارات الدولية المعدة سلفا لتشريع استعمار المنطقة تحت سقف القانون الدولي.!!

هنالك كيانات وجبهات سياسية ولدت وعاشت وماتت في ظروفها وزمانها ومكانها بعد تجربة طويلة بأخطائها وحسناتها وسيئاتها، وحدها فكرة 14 اذار ولدت وماتت في اليوم نفسه، ليرثها كيان سياسي منتحل صفة ودور، ويمثّل خطرا حقيقيا على البلد ويطلق على نفسه تجمّع 14 اذار..

السابق
الثورة على الطريق الصحيح
التالي
من يضبط الأرض في يوم الأرض؟