المواطن الإلكتروني والوزير الألمعي

في الوقت الذي يُحتفَل بـ"اليوم العالمي لمناهضة الرقابة على الإنترنت"، وبالتزامن مع منح "مراسلون بلا حدود" في باريس، لجان التنسيق المحلية السورية والناشطين "الشجعان" فيها، جائزة "المواطن الإلكتروني" لدورهم في جمع المعلومات عن الحراك الشعبي وانتهاكات حقوق الإنسان اليومية في سوريا، والتحقّق من صحّتها وتوثيقها وترجمتها ونشرها عبر شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها… يطل علينا وزير الإعلام اللبناني، بمشروع قانون، متسرّع ومجتزأ، يهدف، مبدئياً، إلى"تنظيم الإعلام الإلكتروني" وحمايته في المستقبل، لكن وفقاً لذهنية تنتمي فعلياً إلى الماضي. ربَطَ مشروع القانون، أحد أهمّ القطاعات الاقتصادية والتنموية والإبداعية والتكنولوجية في البلد، بـ "قانون المطبوعات" القديم، والنزاعات الناشئة بـ "محكمة المطبوعات" الأقدم، والتواصُل بـ "المدير المسؤول" الإفتراضي…

كما لم يتطرّق إلى مسائل أكثر إلحاحاً، أهمّها: السور (Firewall) في وجه حرّية الإنترنت، والاعتداءات على حريّة النشر وحق الوصول إلى المعلومات بفعل القمع والرقابة، وجنوح السلطات نحو حجب أو وقف خدمات الإنترنت والاتصال السريع، والمحافظة على البيانات الخاصة بالمستخدِمين بعيداً من التنصّت والاستغلال، وحماية حقوق الملكية الفكرية (وإن ذُكرت عرَضاً)، والحدّ من القرصنة، ومكافحة الإرهاب والجريمة عبر الإنترنت… وأخيراً، مواجهة القيود على شبكات التواصُل الاجتماعي، ومحرّكات البحث، ومزوّدي خدمات الإنترنت وأسماء النطاق (Domain Names)، ونُظُم معالجة مدفوعات التجارية الإلكترونية، وغيرها… علماً أن وزير الإعلام، لا يتمتّع بسلطة التحكُّم بأنظمة تشغيل المواقع الالكترونية وتسجيلها، المتوافّرة لدى هيئة "أيكان" في الولايات المتّحدة الأميركية (دوت.كوم وأخواتها)، والجامعة الأميركية في بيروت (دوت.كوم.أل بي). طبعاً، لم يَهدُف المشروع أصلاً، ولأسباب غير مبرّرة، إلى مقاربة الأطر التنظيمية والحوافز الضرورية للنمو الاقتصادي عبر الإنترنت، وسُبُل تطوير قطاع "تكنولوجيا المعلومات والاتصالات"، وتشجيع الإبتكار، وتعزيز صناعة المحتوى الرقمي، وتنشيط التجارة الإلكترونية، وإيجاد فرص عمل للشباب للحدّ من الهجرة.

حسناً فعل الرئيس نجيب ميقاتي في تجميد المشروع، والإيعاز بدراسته مجدّداً، عسى أن يُسهم ذلك في تطوير الرؤية، وتحديث الذهنية، ليُصبح معهما الإنترنت، حافزاً للنمو وركيزةً له، وليتمكّن وزير الإعلام أخيراً، ولو متأخراً، من بلورة خطة واضحة للإعلام الرسمي الهامد… والعمل على إصلاح قانون الإعلام وتطويره وتطبيقه، بكل مندرجاته، مع شموله مختلف فئات الإعلام ومنصّاته، ليكون بمثابة حافز لتحرير القطاع، وتحقيق نقلة نوعيّة تشريعية وتجارية وتكنولوجية ومهنية ومعرفية باتت ضرورية.
وإلاّ، فليُترَك "المواطن الإلكتروني" اللبناني وشأنه، ولينصرِف الوزير "الألمعي" إلى تلاوة مقرّرات مجلس الوزراء!

السابق
هل ندخل كتاب غينيس من التقنين؟
التالي
إشكالية كلام البطريرك في ذكرى انتخابه