أوروبا وتجارة الأسلحة

لم تكترث دول الاتحاد الأوروبي، التي ما انفكت تصدّر الأسلحة للأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية، بما إذا كانت هذه الأسلحة ستستخدم لسحق المعارضة وقمع المطالب. وفيما أتاح الربيع العربي أمام الأنظمة الاوروبية، الخجلة من دعمها لتلك الأنظمة، فرصة ذهبية لبداية جديدة، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط ولكن كذلك مع الأنظمة الديكتاتورية في آسيا الوسطى، أظهر التقريران، اللذان أصدرهما كل من الاتحاد الأوروبي و«معهد ستوكهولهم الدولي لبحوث السلام»، أن الشركات الأوروبية، وكذلك الحكومات، تبحث أكثر من أي وقت مضى عن أسواق جديدة لأسلحتها خارج أوروبا.

وانطلاقاً من واقع أنه ليست كل الأسواق مستقرة أو خالية من الصراعات أو في بلدان ديموقراطية، يُطرح السؤال حول الطريقة التي ستضبط فيها أوروبا التزامها بالدفاع عن حقوق الإنسان مع بيعها الأسلحة لتلك الدول.
«بقيت الحكومات الاوروبية تبيع الأسلحة للأشرار لسنوات طويلة»، يقول مدير «معهد ستوكهولم» بات جيل، مضيفاً أن «الأمثلة على ذلك كثيرة رغم لغة الخطابات الرنانة التي نسمعها حول مراقبة صفقات بيع الأسلحة».
هذا الأمر في الواقع ليس مستغرباً، فقد أدى تقليص النفقات الذي لجأت إليه حكومات الاتحاد الاوروبي إلى انخفاض ميزانيات الدفاع، وبالتالي كان هناك حاجة للبحث عن أسواق جديدة لحماية الحكومات وفرص العمل ومصالح مورّدي الأسلحة. ويرى خبراء الدفاع أن منطقة الشرق الأوسط، كما آسيا الوسطى، تظلان السوق الأكثر ربحاً لشركات الأسلحة الأوروبية، وهو ما يؤكده تقرير «معهد ستوكهولم» السنوي الذي أصدره الأسبوع الماضي.
ويُظهر التقرير مدى ازدهار تجارة الأسلحة على الرغم من الأزمة المالية العالمية والانكماش الاقتصادي الذي يضرب معظم أنحاء أوروبا. وقد ارتفعت مبيعات الأسلحة والخدمات العسكرية إلى 411.1 مليار دولار في العام 2010، أي بنسبة 1 في المئة زيادة عن العام 2009 وبنسبة 60 في المئة عن العام 2002.

وما زالت الولايات المتحدة وأوروبا تهيمنان على شركات إنتاج الأسلحة والخدمات العسكرية. وتشغل 44 شركة اميركية 60 في المئة من مجمل مبيعات الأسلحة التي ذكرها تقرير «ستوكهولم»، فيما تشكل 30 شركة أوروبية 29 في المئة من مجمل المبيعات، بما يعادل 119 مليار دولار. مع العلم أن غالبية الشركات هي إما فرنسية أو ألمانية أو بريطانية.
أما الأكثر إثارة للاهتمام في التقرير فهو أن تجارة الأسلحة الأوروبية مع العديد من البلدان تخالف كلياً التزامها بمبادئ الاتحاد الاوروبي لحقوق الإنسان، حيث تستمر الدول الأعضاء ببيع الأسلحة للأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية وفقاً لآخر الإحصائيات التي نشرها الاتحاد.

وهذا الأمر يخالف كذلك مدونة قواعد السلوك التي وضعها الاتحاد الأوروبي بشأن صادرات الأسلحة، والتي أقرها في العام 1998 وتمّ تجديدها في العام 2008 في محاولة لتنسيق سياسات تصدير الأسلحة. غير أن المشكلة الحقيقية تكمن في المدونة نفسها التي يشوبها العديد من أوجه القصور الخطيرة وأبرزها ان: الحكومات الوطنية، وليس الاتحاد هي من تمنح تراخيص بيع الأسلحة.
ويظهر التقرير أنه في العام 2010، على سبيل المثال، وصلت مبيعات دول الاتحاد الاوروبي مجتمعة من السلاح 8.3 مليارات يورو أو ما يقرب 11 مليار دولار للشرق الأوسط وشمال أفريقيا. و«مع بدء الربيع العربي في العام 2011، استُخدم العديد من هذه الأسلحة لقمع المطالبين بالديموقراطية»، يقول المتحدث باسم الحملة ضدّ تجارة الأسلحة، ومركزها بريطانيا، كاي ستيرمان.

وفي النهاية، إن كان الاتحاد الاوروبي ينشد استعادة مصداقيته في الشرق الأوسط وبين منظمات المجتمع المدني في الدول غير الديموقراطية، يتحتم عليه أكثر من أي وقت مضى أن يلتزم بأمن قوي وسياسة صارمة تضبط تجارة الأسلحة وتعكس التزامه بالقيم التي تأسس عليها. برغم ذلك، حتى الآن، يبدو أن لا أحد من الحكومات الوطنية للدول الأعضاء، ولا حتى الاتحاد نفسه، يضغطون بقوة كافية لتصدير هذه القيم عوضاً عن السلاح.

السابق
شهر على إضرابها وحياتها في خطر هنـاء شـلبي: أنـا صابـرة وصامـدة
التالي
سنة على الثورة..سنة على الوجود