الحريري..الحاضر أكثر من أي وقت !

في الذكرى السابعة لغيابه، يبدو رفيق الحريري حاضرا أكثر من اي وقت. انه حاضر عبر الدور القيادي الذي يلعبه رجل دولة اسمه سعدالدين رفيق الحريري في مجال السعي الى المحافظة على مؤسسات الدولة اللبنانية من جهة وحماية صيغة العيش المشترك من جهة اخرى… وقول كلمة حق دعما لثورة الشعب السوري البطل.
في حياته وفي استشهاده، جسّد رفيق الحريري المقاومة التي يبديها الشعب اللبناني في وجه الذين ارادوا الغاء الوطن الصغير عبر منعه من الانتماء الى ثقافة الحياة. تأتي هذه المقاومة العفوية لثقافة الموت بعدما اكتشف اللبنانيون التسلسل الذي تندرج الجريمة في سياقه. وقد تبين انه سياق يصب في جعل لبنان جزءا لا يتجزّأ من المحور الايراني- السوري الذي لا هدف له سوى ضرب اي وجود عربي في المنطقة.

رفيق الحريري حاضر في البشر والحجر في آن. تكفي نظرة الى شاطئ بيروت ووسطها هذه الايام لمعرفة لماذا قتل رفيق الحريري. تبدو الحياة التي تدبّ مجددا في العاصمة اللبنانية كافية لمعرفة لماذا انتصر دمّ رفيق الحريري على القاتل المعروف جيّدا. هذا المحور الاقليمي القاتل كان يعتقد ان مجرد التخلص من رفيق الحريري سيؤمن له السيطرة الى ما لانهاية على لبنان…

يتعلق الامر كله بخطأ في الحسابات عائد الى ان القاتل ظنّ، ومعه الادوات المستخدمة في تنفيذ الجريمة والمخططون لها من بعيد، ان اغتيال رفيق الحريري سيكون نزهة من جهة وان الغاء الآخر لا يزال الحل الاسهل للمحافظة على وضع قائم اسمه النظام الامني السوري- اللبناني الذي ترعاه ايران من جهة اخرى. ما شجّع على هذه المغامرة المجنونة سوابق لبنانية من ايام بدء المحاولة السورية للذهاب بعيدا في وضع اليد على لبنان. في البدء، اغتيل كمال جنبلاط الصديق الصدوق لدولة عظمى اسمها الاتحاد السوفياتي حمل ارفع اوسمتها. حصل ذلك في العام 1977 بعيد دخول القوات السورية بغطاء عربي ودولي الى لبنان. لم يحصل شيء. اكثر من ذلك، ذهب وليد كمال جنبلاط الى دمشق للاعتذار من القاتل ووضع نفسه في تصرّفه!
 اغتيل آخرون في لبنان. اغتيل رئيسان للجمهورية هما بشير الجميّل ورينيه معوّض. اغتيل مفتي الجمهورية الشيخ حسن خالد. لم يحصل شيء ايضا. اغتيل العشرات من الشخصيات اللبنانية من مختلف الطوائف والمناطق. جرى ترويض لطرابلس وغيرها من المدن السنّية ولكلّ المناطق ذات الطابع المسيحي. اخضع المسيحيون كلّهم بفضل «بطولات» ميشال عون حليف صدام حسين في العام 1990 وبشار الاسد في السنة 2012.

وحده رفيق الحريري كان يعرف ان اغتياله سيحدث زلزالا. قبل اقلّ من ثماني واربعين ساعة على الجريمة، مساء السبت في الثاني عشر من شباط- فبراير 2005، دار في منزل الحريري في بيروت الحوار الآتي. بدأه رفيق الحريري بالسؤال: الى أي حد يمكن ان يذهبوا في الحملة عليّ؟ اجابه احدهم انه يمكن ان يذهبوا الى حد التخلص منك. جاء تعليقه: «من سيقتلني مجنون» ثمّ سأل: هل النظام السوري عاقل ام مجنون؟». جاءه الجواب ان هذا النظام الذي يمتلك تاريخا طويلا في مجال الاغتيالات، خصوصا في لبنان، كان يعتبر عاقلا نظرا الى انه كان يجري حسابات دقيقة قبل الاقدام على اي جريمة. لكنّه قرّر التمديد للرئيس اللبناني اميل لحوّد على الرغم من صدور القرار الرقم 1559 عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة. هذا يطرح تساؤلات في شأن ما اذا كان النظام يتمتع بحدّ ادنى من العقل والتعقّل.

ساد الجلسة صمت طويل قبل انتقال الحديث الى مكان آخر.
باستثناء رفيق الحريري، لم يكن لدى أي شخص آخر تصور للنتائج التي ستترتب على الجريمة. من كان يعتقد ان الجيش السوري سيخرج يوما من الاراضي اللبنانية بعد شهرين وعشرة ايام من اغتيال رفيق الحريري؟
اذا وضعنا جانبا كلّ المحاولات التي جرت لتغطية جريمة الرابع عشر من شباط- فبراير 2005، بدءا بالجرائم الاخرى التي استهدفت اشرف العرب من اللبنانيين وصولا الى تشكيل حكومة «حزب الله» برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي مرورا بافتعال حرب صيف العام 2006، يبقى انه لن يصحّ إلا الصحيح.
الصحيح ان النظام السوري يواجه ثورة شعبية حقيقية لا يمكن الاّ ان تطيحه عاجلا ام آجلا. لن يطيل الفيتو الروسي والصيني من عمر النظام كثيرا. الفيتو المزدوج ومعه المساعدات التي تقدمها ايران ستزيد فقط من عذابات الشعب السوري في انتظار يوم الفرج. وهذا اليوم، يوم استعادة السوريين لسورية، قريب. انّه اقرب مما يتصوره كثيرون.

في اساس الثورة السورية عجز النظام عن استيعاب ان الغاء الآخر، بما في ذلك الشعب السوري، لا يحلّ اي مشكلة بل يندرج في سياق عملية الهروب المستمرة الى امام. كان اغتيال رفيق الحريري في العام 2005 نقطة تحوّل. كشفت الجريمة ان النظام السوري غير قابل للاصلاح. الاهمّ من ذلك كله ان النظام السوري الذي اعتقد ان الجريمة ستمرّ مثلما مرّت الجرائم الاخرى اظهر قصورا سياسيا من النوع النادر. انه نظام مجنون بالفعل. لم يكتشف الا متأخرا ما سيترتب على الجريمة، التي لا يمكن اعتباره ضالعا وحده فيها. صار بعد الجريمة اسير النظام الايراني كلّيا بعدما كان هناك حدّ ادنى من التوازن في العلاقة بين الجانبين…
لم تكن جريمة اغتيال رفيق الحريري جريمة عادية في اي شكل. لا يمكن تشبيهها الاّ بجريمة اجتياح صدّام حسين للكويت في العام 1990.
جاءت الذكرى السابعة لاستشهاد الرجل لتؤكد ذلك ولتؤكد كم كان «ابو بهاء» بعيد النظر. بقي رفيق الحريري بعيد النظر حتى بعد غيابه عنّا… 

السابق
قبلة البرادعي على وجنة أنجلينا جولي تُثير عاصفة
التالي
يهدي كليته لحبيبته في عيد الحب