الجمهورية: انقلاب على ميقاتي يجدد الحلف الثلاثي بعد لقاء عون ـ نصر الله

عشيّة بدء الاختبار الفعلي لنيّات دمشق مع وصول طلائع المراقبين العرب اليوم، ظلّ الوضع السوري متفجّرا. وفي ضوء ارتفاع عدد القتلى والحديث عن «مجازر جماعية»، حذّرت الولايات المتحدة الأميركية النظام من اتخاذ إجراءات دولية جديدة بحقّه في حال واصل «انتهاك» المبادرة العربية التي وقّعها، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني إنّ «الأعمال التي تثير السخط والأسف» والتي ترتكب بحقّ المتظاهرين ضد النظام السوري تثبت أنّ الرئيس بشار الأسد «لا يستحق حكم سوريا».

وقال رئيس مجلس الأمن السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين إنّ المجلس سيبحث اليوم الخميس صيغة معدلة لمشروع القرار الروسي المتعلق بسوريا. وأضاف أنه دعا الى جولة جديدة من المداولات بعدما أنتجت الجولة الأولى الإثنين الماضي عدداً من التعديلات التي اقترحها أعضاء المجلس.

وأوضح تشوركين أنّ روسيا تحاول بناء أرض مشتركة قائمة على روحية البيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في آب الماضي بهدف إعادة إطلاق صوت موحّد من مجلس الأمن حول الوضع في سوريا.

وأشار الى أنّ المجلس سيناقش التعديلات في ضوء التطوّرات الإيجابية المتعلقة بتوقيع سوريا اتفاق نشر المراقبين العرب، واستمرار التقارير المخيفة عن استمرار العنف في سوريا.

ومن جهتها أعلنت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة أنها تتابع التقارير عن «الذبح الجماعي» في جبل الزاوية وإدلب وحمص بعد يومين من إعلان سوريا التزامها المبادرة العربية. وقالت إنّ على مجلس الأمن أن يتحدث دفاعاً عن السلام والأمن وحقوق الإنسان، وإنّ القتل والتعذيب في سوريا يجب أن ينتهيا.

وكانت الدول الأوروبية في مجلس الأمن انتقدت البطء الروسي في متابعة مشروع القرار والتأخر في الدعوة الى عقد مشاورات في شأنه.

بدورها طلبت فرنسا من روسيا تسريع وتيرة المفاوضات حول مشروع القرار الذي اقترحته في شأن سوريا، وشدّدت على وجوب القيام "بكل ما يمكن من أجل وقف دائرة القتل التي يدخل بشار الأسد شعبه فيها كل يوم أكثر من ذي قبل".

وشدّدت تركيا على أنّ توقيع البروتوكول "يعني أن نكون جاهزين للتعاون والعمل مع الجامعة العربية"، معتبرة "أنّ مهمّة الجامعة هي وقف إراقة الدماء وهذه هي المهمّة الأساسية الأولى والملحّة، ولكن حتى بعد التوقيع لا تزال أعمال القتل مستمرّة"، وأعلنت أنّها ستكون في تصرف الجامعة العربية في ما تطلبه. آملة في "أن تتوقف هذه المجازر ليس في اسرع وقت ممكن، بل فورا".

وفي حين طالب "المجلس الوطني السوري" المعارض مجلس الأمن الدولي بعقد جلسة طارئة لوقف "المجازر المروّعة التي يرتكبها النظام السوري في مناطق عديدة من البلاد وإعلانها مناطق منكوبة"، عبّر الأمين العام للجامعة الدكتور نبيل العربي عن قلقه الشديد من تواتر الأنباء حول تصاعد أعمال العنف في سوريا، وناشد الحكومة السورية تحمّل مسؤولياتها إزاء توفير الحماية للمدنيين السوريين، تنفيذا لتعهّداتها بموجب خطة العمل العربية التي وقّعتها. وأكد ضرورة التحرك السريع من أجل توفير الأجواء الملائمة لمباشرة بعثة مراقبي الجامعة مهمّاتها في سوريا.

في هذا الوقت، أعلنت إسرائيل أنها تراقب باهتمام التطوّرات على امتداد الحدود الشمالية، خصوصا ما يحدث في الجانب السوري من الحدود.

وعن احتمال تصدّي سلاح الجو لنقل الأسلحة من لبنان الى سوريا اكتفى قائد سلاح الجو الميجور جنرال عيدو نحوشتان بالقول: "إنّ جيش الدفاع يراقب التطوّرات في هذه المرحلة".

على الصعيد الداخلي شهدت جلسة مجلس الوزراء في قصر بعبدا امس انقلابا حقيقيا على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وتكرّس "الحلف الثلاثي" الجديد بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ورئيس "التيار الوطني الحر" العماد ميشال عون، والذي تم إحياؤه ليل أمس الأول في الضاحية الجنوبية (خلال لقاء عون ـ نصر الله)، لينقضّ على سلسلة الاتفاقات التي عقدها ميقاتي مع الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام بمعزل عن وزير العمل شربل نحاس قبل انعقاد مجلس الوزراء الذي أعاد بالتصويت الحياة لمقترحات نحاس.

وتخوّفت مصادر مطلعة من أن يؤدي ما حصل الى وضع البلاد أمام أزمة جديدة وإضافية مثلثة الأضلع، وهي ناجمة عن الانقلاب على ميقاتي والتلاقي المصلحي الذي حصل بعد الجلسة وما حملته من مفاجآت بين الهيئات الاقتصادية والعمّال والذي ترجم مواقف رافضة لما حصل.

ميقاتي: انقلاب

واعتبر ميقاتي أنّ ما حصل داخل الجلسة هو انقلاب عليه وعلى الجهد الذي بذله على أكثر من صعيد ليقدم الى اللبنانيين عيدية آخر السنة، وهو سيراجع ما حصل في هدوء وتروّ وسيستجمع أفكاره ليبني على الشيء مقتضاه ولتبيان موقف الحلفاء مما جرى.

وقالت مصادر ميقاتي لـ"الجمهورية": "نحترم التصويت الذي حصل داخل الجلسة، ولكن هذا القرار السياسي ستترتب عليه تداعيات اقتصادية خطيرة وليتحمّل كل طرف مسؤوليته".

وتوقعت مصادر وزارية أن يطعن مجلس شورى الدولة بهذا القرار بسبب تضمين رأيه الأخير أنه "إذا اتفقت الهيئات الاقتصادية مع الاتحاد العمّالي فليس على الحكومة أن تتدخل بينهما". وعليه، استنادا إلى هذه النقطة توقعت المصادر أن يردّ مجلس الشورى هذا القرار.

وتوقفت المصادر نفسها عند الحركة المكوكية التي امتدت لساعات قبيل مجلس الوزراء والتي دخل على خطها بقوة في الثالثة والنصف بعد الظهر رئيس مجلس النواب لتقريب وجهات النظر بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام وحتى ربع الساعة الأخير من خلال الوزير علي حسن خليل، الذي كان يعمل جنبا إلى جنب مع رئيس الحكومة. وتساءلت المصادر: "لماذا تمّ تضييع كل هذا الوقت إذا كان الموضوع سيُطرح على التصويت منذ البداية؟. وأكدت أنّ بعض الوزراء تفاجأوا بموقف وزراء حركة "أمل" وسألوا عمّا إذا كانت هذه رسالة دعم لعون.

 وقال رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير لـنا "إنّ ما حصل شكّل خطوة حكومية لم تكن متوقعة، ولم نكن نعلم أنّ الحكومة بالسياسة ستبيع لبنان والاقتصاد وهذا القرار الذي اتخذته سيتسبب بطرد عشرات الألوف من العمّال وبإفلاس مصانع بالجملة وليتحمّل نحاس والوزراء الذين صوّتوا الى جانبه هذه المسؤولية".

وكشف شقير أنّ الهيئات الاقتصادية ستجتمع اليوم للطعن بهذا القرار لدى مجلس شورى الدولة، كذلك ستجتمع مع الاتحاد العمالي العام لتنسيق الخطوات المقبلة، خصوصا أنّ الطرفين كانا قد اتفقا قبل الجلسة للمرة الأولى في تاريخ العلاقة بينهما على هذه الصورة.

وتساءل: "كيف يمكن للحكومة أن تقرّ مشروعاً لا يقبل به الطرفان المعنيان، ولا افهم هذا التشبث من خلال طرحه". وختم: "في أي حال انه مشروع سياسي مبروك عليهم والله يرحم اقتصاد البلد".

ولوحظ أنّ ما طرح في جلسة مجلس الوزراء جاء مناقضا لما تم التوصل إليه قبلها وفي قاعات القصر الجمهوري، والتي أثمرت توافقا تاريخيا بين الاتحاد والهيئات برعاية ميقاتي. لكن ما حصل هو أنّ هذا الاتفاق بقي خارج الجلسة، وظلّ ما شهدته من عناق وتبادل للتهاني خارج "أسوار" المجلس حيث وقع الانقلاب الثلاثي مدعوما بتصويت رئيس الجمهورية عندما ضم وزير الداخلية مروان شربل صوته الى أصوات وزراء حركة "أمل" وحزب الله و"التيار الوطني الحر" وسط امتناع الوزير الجنبلاطي وائل أبو فاعور، فأقرّ المجلس اقتراحات نحاس بالأكثرية.

وكانت ورشة المفاوضات انتقلت وللمرة الأولى وفي خطوة غير مسبوقة من السراي الحكومي ومقار الهيئات الاقتصادية والعمالية الى القصر الجمهوري، فحضر قبل الجلسة ممثلو الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمّالي العام الى قاعات القصر التي تحوّلت مسرحا للمفاوضات برعاية ميقاتي الذي تنقل بين قاعات المفاوضات وقاعة المجلس الرئيسية الى أن توصّل الطرفان الى "الاتفاق التاريخي" حسب ما سمّاه رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن بالوصول الى تحديد الحد الأدنى للأجور بـ675 ألف ليرة.

وبعدما زفّ ميقاتي خبر الاتفاق لدى دخوله الى قاعة مجلس الوزراء وما سمّاه "الاتفاق المعنوي" حول تحديد الحد الأدنى للأجور بـ675 ألف ليرة، عاد ليخرج وفي اقل من ساعة ليعلن، وعلامات الانزعاج وعدم الارتياح بادية على محياه، أنّ مجلس الوزراء أخذ باقتراح نحاس بتحديد الحد الأدنى للأجور بـ 868 ألف ليرة.

وفي ترجمة لما شهدته الجلسة خرج وزراء التيار الوطني الحر منشرحين، وكان لافتا ما تحدث عنه الوزير جبران باسيل في "دردشة" مع الصحافيين، إذ قال "إنّ معادلة جديدة في الحكومة قد قامت اليوم، ويجب على الناس معرفة طريقة التعاطي معها". وأضاف ممازحا وبكثير من التحدي: "أنا لم أسهر أربع ليال على الفاضي".

وتعليقا على ما شهدته الجلسة توقفت الهيئات الاقتصادية عند موقف وزيري حركة "أمل" ولا سيما الوزير خليل الذي كان الى جانب ميقاتي حاضرا في كل خطوة تم التفاهم عليها بين الاتحاد العمالي والهيئات الاقتصادية وكان على تواصل مع بري. وبقي التساؤل كيف انقلب الجو بعد اقل من ساعة في جلسة مجلس الوزراء وانقلبت المواقف الى نقيضها؟!.

وجاء التطور في قضية الأجور بعد ساعات من لقاء نصرالله وعون في حضور باسيل والمعاون السياسي لنصرالله الحاج حسين الخليل ومسؤول وحدة التنسيق والارتباط الحاج وفيق صفا، خصص للبحث في العلاقات بين الجانبين بعدما اهتزت أخيرا إثر تصويت وزراء الحزب الى جانب ميقاتي في مواجهة اقتراحات نحاس في شأن الأجور ما جعل وزراء التيار بلا حلفاء في تلك الجلسة.

وقالت مصادر واسعة الإطلاع لـنا إنّ البحث لامس كل الملفات المطروحة وعلى المستويات كافة، بما فيها العناوين السياسية والتعيينات الإدارية والوضع العام في البلاد وقانون الانتخاب والنتائج التي انتهى إليها اللقاء الماروني الموسّع والآليات التي أقرّها بهدف التشاور مع كل المكوّنات اللبنانية للوصول الى قانون انتخابي جديد.

كذلك تناول البحث الأزمة السورية، واعتبر الجانبان "أنّ سوريا تجاوزت جزءاً من المطبّ الأمني، وان نظام الأسد قوي ما فيه الكفاية في مواجهة ما يُدّبر للسوريين ومحور الممانعة في المرحلة المقبلة. وقد وضع السيد نصرالله عون في الأجواء التي يتابعها بدقة متناهية في سوريا وهو مطمئن الى ما آلت إليه وسائل المواجهة التي بحوزة القيادة السورية".

وقالت مصادر "التيار الوطني الحر" إنّ اللقاء دخل في كثير من العناوين من دون التفاصيل التي تركت للممارسة اليومية بالتنسيق والتعاون بين وزراء ونواب التيار والحزب عند كل استحقاق حكومي أو نيابي.

وذكر البيان الصادر عن العلاقات الإعلامية في الحزب انه تم خلال اللقاء عرض "الأوضاع والتطورات الإقليمية والمحلية، وجرى تقييم لمجمل الأداء الحكومي خلال الأشهر الماضية. وتم تأكيد أهمية التنسيق الكامل واعتماد آليات فعّالة لذلك خلال المرحلة المقبلة، وكذلك جرى تأكيد متانة التفاهم والتحالف القائم بين الجانبين ما يساعد على تحصين لبنان أمام كل التحدّيات القائمة والمقبلة". 

السابق
النهار: التحالف يردّ الضربة لميقاتي ويعوّم شربل نحاس 15 وزيراً ضد 11 والحد الأدنى 868 ألف ليرة
التالي
البناء: الحكومة تُقر مشروع نحّاس.. و«العمّالي» نحو إلغاء الإضراب