حزن بيروت… من الحسين

إنتهت الأيام العشرة الأولى من الحزن الحسيني. لكنّ ما اختزنته بيروت، إلى جانب غيرها من المناطق اللبنانية، من حزن دنيوي خلال هذه المناسبة، لم ينتهِ… هذا ما يمكن أن يراه بعينيه المتجوّل في شوارع بيروت خلال الأيام العاشورائية الفائتة.
فكما لو أنّ هناك من أصدر قرارا مركزيا: ألبسوا بيروت سواد الحسين.
فقد اتُفق، ليس بالصدفة طبعا، أن يجعل "شبان الزوايا" – الذين ينرجلون على ناطيات الطرق في الأيام العادية – من هذه الزوايا، زوايا حسينية. أي أنّهم ألبسوها الأسود الحسيني، وملأوها بمكبّرات الصوت التي صمّت آذان السكان بأصواتها العالية إلى حدود غير مقبولة، من الصباح الباكر، حتى أوائل الفجر التالي.
هذا العام شهد سكان بيروت هذه الصور في كلّ زاوية "مشتركة" من العاصمة. والمقصود بـ"مشتركة" هو أنّها منطقة مختلطة السكان، بين سنّة وشيعة أو حتّى دروز. مثل الزاوية التي تواجه مطعم بربر في منطقة سبيرز، على بعد أمتار من مبنيي تلفزيون المستقبل، إلى اليسار في سبيرز، وإلى اليمين في القنطاري. ومنها زوايا كثيرة في مناطق مختلطة مثل برج أبي حيدر وغيرها.
أحد الأصدقاء، وهو شيعيّ يسكن في برج أبي حيدر، وهو من المداومين في الليلة المركزية يوميا في ضاحية بيروت الجنوبية، وممن كانوا في ملعب الراية باليوم العاشر، هذا الشاب الحسينيّ المناصر لحزب الله كان عاجزا عن النوم لعشرة أيام بسبب "الزاوية" التي قرب بيته. نزلت والدته المحجبة إلى الزاوية في أحد الأيام وطلبت تخفيض الصوت، فأجابها أحد الشبان بلؤم ظاهر: تحمّلونا 10 أيام. فأجابته: أنا شيعية من الجنوب لكننا لا نستطيع أن ننام. فأخفض الصوت لساعة على الأكثر وأعاد رفعه.في اليوم التالي نزل الشاب صديقنا، وتقدّم بسيارته رافعا صوت الراديو إلى أعلى ما يستطيع، وتركه يصدح بأناشيد حسينية كي يعرف الشبان أنّه شيعي، وطلب منهم أن يخفضوا الصوت ليلا كي يستطيع أن ينام ليستيقط إلى عمله في اليوم التالي، فأخفضوا الصوت لساة على الأكثر أيضا.
هذان "تجرّأا" على الإعتراض لأنّهما يحملان هوية شيعية تنجيهما من "الإشتباك" وإن اللفظي، لكنّ عشرات ومئات وربما آلافا آخرين لم يطلبوا خفض الأصوات ولا التوقف عن "احتلال" النواصي في زواريب بيروت.
لم تكن بيروت حزينة على الحسين في هذه الزوايا. كان هناك ميل ظاهر لدى هؤلاء الشبان ليقولوا للمنزعجين إنّهم يستطيعون أن يزعجوهم وأن يفعلوا ما يحلو لهم في المساحة "المشتركة"، رصيفًا وهواء وأصواتًا ومشاهد، وإنّهم الأقوى والأقدر على التحكم بما يجري في الشارع، الذي هو ملكية مشتركة يجب على الجميع الإنصياع لها.
كانت هذه الزوايا أشبه بـ"هجمات" بغطاء حسينيّ لكن بمضمون بعيد جدا عن الحسينية الحقّة. فالحسين، سيّد شباب أهل الجنة، كان مثالا للتواضع واحترام الآخر، وهو حين حكم عليه بالقتل ولم يغيّر موقفه بعدم مبايعة يزيد لأنّه لم يرَ فيه أهلية للمبايعة، قال: لم أخرج أشرا ولا بطرا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي.
هل ينكر شبّان هذه الزوايا أنّ في ما فعلوه كانوا "يخرجون" بنوع من "الأشر" إن لم نقل "أشرا"؟ وألا تشبه هذه الزوايا "7 أيّار" في مكان ما؟ وألا تقول لـ"الآخر": الأمر لي؟
أنا الشيعي الجنوبي، المتأثّر والمؤمن بقضية الحسين، والذي يرى فيه صورة الرجل الذي لم يقبل الظلم على نفسه ولا على أهل بيته، أرى في بعض ما جرى هذا العام ببيروت نوعا من الظلم لـ"أهل بيت" العاصمة اللبنانية. وأرى أنّ الحسين كان ليكون حزينا لو عرف أو رأى ما جرى، وأنّ الذين شعروا بـ"الزوايا" تعدّيا على خصوصياتهم ربما سيكرهون الحسين، في حين أنّ دور الحسينيين هو أنّ يحبّبوا غير الحسينيين بذلك الرجل وتلك المأثرة العظيمة في تاريخ الأمة الإسلامية.
 

السابق
فيروز تطرب القلوب في حفل موسيقي تختتمه بـ”إن ما سهرنا ببيروت بنسهربالشام”
التالي
15 الف مقاتل في حزب الله إلى صفوف الجيش اللبناني !!