التدّخل الخارجي في سوريا

«عهدنا أن نتصدى للامبرياليّة والصهيونيّة والرجعيّة وأن نسحق أداتهم المجرمة عصابة الإخوان المسلمين العميلة». على امتداد سنوات، ردّد السوريون، طلاباً وغير طلاب، هذا الشعار/العهد. لم يتوقف ترديد العهد حين شاركت قوات سوريّة إلى جانب قوات امبرياليّة ـ أميركيّة في الهجوم على بلد عربي، كما لم يتوقف ترديد الشعار حين كان القنّاص يتفنن في منع فلسطينيي مخيم تل الزعتر من شراء الخبز. «العهد» مستمر والممانعة في انحناءاتها وتجلياتها مستمرة أيضاً!
العهد، وربما كل عهد يُردّد تحت «سقف» نظام شمولي، كفيل بتحديد الأصوات التي تغرّد خارج السرب؛ طريقته في القول: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة… لكن أيّ معركة؟! المعركة ضد «داخل وطني» يستبطن احتمال امتلاك الإرادة والقوّة لسحب السلطة من محتكريها.
منذ تسعة أشهر يزداد الوضع في سوريّا تأزّماً بفعل شيء واحد: آلة العنف المنفلت التي من خلالها يواجه النظام السوري تطلّع السوريين المنتفضين إلى القليل من حقوقهم الأساسيّة: حريّة وكرامة!
أربعة آلاف ضحيّة سوريّة كانت أكثر من صرخة مدويّة ترددت أصداؤها في آذان نخب سياسة عربيّة ودفعتهم لوضع يدهم في الأمر: تمّ تعريب الأزمة. أعلن النظام في سوريا موافقته على تطبيق بنود المبادرة العربية. لم ينفّذ النظام أيّاً من بنود المبادرة العربيّة. انفتحت الأزمة على التدويل بفعل تعنّت النظام ومراوغته وإراقته المزيد من الدماء السوريّة.
فما الذي يقوله شباب سوريّ معارض بشأن التدّخل الخارجي: موقفاً من المبدأ، ومن التدّخل العسكري المحتمل، وعن المسؤوليّة في استدعائه، وعن «الشعب الذي يريد»؟!

التدّخل الخارجي: أشكال وألوان!

يميّز وسيم د. (صحافي) بين ما يدعوهما مفهومي «التدّخل» و«الضغط»، ويفضّل عدم الخلط بينهما، وهو إذ ينحاز إلى الثاني من دون الأوّل، يعلّل ذلك بالقول: «أرفض التدّخل أياً كانت جهته، لكونه غالباً ما يتوّج بتدّخل عسكري يودي بالمزيد من الضحايا وبمقدرات البلاد الضرورية للنهوض مجدداً بعد سقوط النظام؛ أما الضغط الدولي فأرحّب به، بل وأتمنى استمراره حتى تحقيق تصدّعات حقيقية في بنية النظام، لكونها تساعد في تسهيل مهمة المنتفضين لتحصيل مطالبهم المشروعة بإسقاط النظام المتسلط وبناء نظام جديد على أنقاض القديم».
من جهته، يعتقد همام ص. (طبيب)، الذي كان قد اعتقل لشهر في أقبية المخابرات السوريّة على خلفية اشتراكه في تظاهرة، أنّه بغض النظر عن شكل التدّخل فإن «سقوط النظام من دون تدخل خارجي يُعتبر مسألة مستحيلة في سوريا التي تُعتبر دولة محوريّة في المنطقة».
تقفز ديمة ن. (مهندسة) عن هذه الاستحالة التي يراها همام، وتؤكّد: «أرفض التدّخل الخارجي، لأنه لا يمكن أن يتوافق مع غاياتنا التي دفعتنا لنهتف للحرية في شوارع دمشق». وتضيف: «هتفنا لأننا أردنا نظاما حرا مقاوما يرد على دخول طيارة إسرائيلية تصل حتى حدود دير الزور، لا أن «يحتفظ بحق الرد»، هتفنا لأننا نريد جيشا قويا لقتال إسرائيل لا جيشا منهوبا من الفاسدين».
 التدّخل: «شغف» النظام… ولعبته!

يتفق الشبّان الثلاثة على كون النظام هو المسؤول الأوّل عن التدّخل الخارجي الذي حصل حتى الآن، أمّا ما خصّ التدّخل العسكري المحتمل فيرون أن هناك مسؤوليّة ما على المعارضة السوريّة التي يمثّلها المجلس الوطني السوري في استدعائه. يقول وسيم: «بالطبـع كان النظام، وما يزال، وراء كل المصائب التي تعيشها سوريا منذ شهور، وحتى ما قبل بدء الأزمة.. أي إنّ النظام هو المسؤول الأوّل عن هذا الاستدراج، لا شك في ذلك». من جهتها، ترى ديمة أن أسلوب تعامل النظام «الدكتاتوري» مع الانتفاضة الشعبيّة هو ما سمح للمعارضة ممثّلة بالمجلس الوطني «المدعوم مادياً من الغرب ومن الدول النفطية ومن الإعلام»، كما تقول، بالمناداة مبكراً «بحماية المدنيين ومن خلال التشبيح على أيّة قوة معارضة ترفض التدّخل».
ويضيف وسيم «إلى جانب النظام أرى أن هناك وجودا لبعض القوى السياسية / الإعلامية التي استطاعت التلاعب، وببراعة عالية، بسياقات تطور الانتفاضة السورية، فسّهلت مهمة النظام في التخويف والترهيب من التدخل الخارجي، ثم بالعمل على استدعائه، ليكون ذلك مبرراً لمزاولة المزيد من البطش والقتل والإرهاب بحق الشعب الأعزل، إيماناً من النظام بأن احتمالات هذا التدخل ضعيفة طبعاً».
يختصر همام كلّ ما سبق بالقول: «النظام هو المسؤول عن وصول الثوّار لهذه الدرجة من الغضب والمطالبة بالتدخل الخارجي رغم كل سلبياته بعد ما مارسه من قتل وتشنيع بالمدنيين، لكن ذلك لا ينفي دور المعارضة في تسهيل حدوثه»!.

تدّخل عسكري؟!

ليس تحقيقه سهلاً، ولا تحوز المطالبة به على إجماع السوريين المنتفضين، لكنّه احتمال قائم وربما يرجّحه أكثر فأكثر العنف المستمر والمتصاعد الذي يمارسه النظام السوري ضد المحتجين.
لا يعتقد وسيم أنّ التدّخل العسكري بـ«جيبتنا الصغيرة». يقول: «أرى أن الاحتمالات ما زالت ضعيفة، وأعزو ذلك إلى عدم رغبة الغرب بالغرق في مستنقع جديد من مستنقعات الشرق الأوسط، وكذلك الأمر حين أنظر من زاوية الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالنظام الرأسمالي العالمي، إذ أرى أن إمكانية التحرك العسكري ضد سوريا.. قد تشكل عبئاً اقتصادياً لن تستطيع إدارات الدول المأزومة السيطرة عليه، لكونه سيستدعي المزيد من الاضطرابات الاجتماعية في تلك الدول تحديداً».
تختلف ديمة مع هذا الرأي، فهي تعتقد «أن التدّخل الخارجي العسكري محتمل جدا»، وتحدّد سببين لإمكانيّة وقوعه. تقول: «حريتنا الحقيقيّة لا تتناسب مع مصالح الغرب، فقد أحدث الربيع العربي خللاً في الموازين بين ما يسمى محوري الاعتدال والممانعة، لذا لا بد من إعادة ترتيب أوراق المنطقة، هذا أوّلا. ثانياً أرى، على العكس من وسيم، أن السبب الذي يمكن أن يمنع التدّخل العسكري هو سبب أيضا لحصول هذا التدّخل فالأزمة الاقتصادية الأميركية، وأزمة اليورو والصراع بين الدول الكبرى على مناطق النفوذ قد تدفعهم للتدّخل الخارجي ومحاولة امتطاء أي حراك شعبي».
لا يبدي وسيم خلافه مع هذا الرأي، معتبراً «أنّه لا بد من الأخذ بالحسبان الآراء التي تقول إن استعصاء الأزمة في الغرب ستدفعه للخروج إلى الحرب كحل تقليدي للأزمات الاقتصادية الدورية التي يعانيها النظام الرأسمالي».

الخارج والشعب… «الذي يريد»!

«الشعب يريد»، إعلان عن ولادة معطى عربي جديد، هو الفاعل الرئيس في الربيع العربي. لكن كيف يمكن أن تتغير رؤية الشعب المولود حديثاً إلى الدول الكبرى وسياساتها؟!
تختصر ديمة إجابتها بالقول: «بالنسبة لي لا أعتقد بوجود ما يسمى «دولا صديقة» بل توجد مصالح لكل الدول. لذا علينا العمل بما ما يتناسب مع سيادتنا الوطنية وحريتنا». من جهته، يفصّل وسيم العلاقة بين الشعب و«الخارج» الدوّلي، وضمناً مع مسألة التدّخل، بالقول «الشعب الذي يريد، يبحث الآن عمن يساعده في تحقيق مراده، ولكن هذا برأيي لن يغير موقف الشعب من المقاومة كقيمة وطنية أوّلاً، ولن يكون التغير الحاصل حالياً في موقفه تجاه الدول الكبرى وسياساتها التي يدرك أنها تعــاديه وتعادي مصالحه، سوى تغير مؤقت وطارئ، ولا شك أن رؤية الشعب الحالية للدول الكبرى نابعة من ضيقه الشديد بقلة حيلته أمام نظام فاسد عميق الجذور، يتبادل معه رغبة إسقاط الآخر، فإسقاط نظام يسعى إلى إسقاط شعبه ويتميز بالقوة يحتاج إلى تعديل الرؤى حيال بعض القضايا والدول، وأجزم أن هذا لن يطول، فالشعب السوري بمجرد تحقيقه لتطلعاته المشروعة سيعيد إنتاج القوة اللازمة لتحرير أراضيه المغتصبة».
يتفق همام مع هذا الرأي، فهو يؤمن بأن الشعب الذي يريد «لم ولن ينسى هويته، وبأن صفة الشعب المقــاوم ستتــبلور أكثر بعد حصوله على حريته، لأن الممانعة كانت مزعومة سابقـا أما في المستقبل فستكون حقيقية وستربك سياسات الدول الكبرى وتحسب ألف حساب لإرادة شعب سوريا»!.

لجان التنسيق: هذه رؤيتنا

أصدرت لجان التنسيق المحليّة في الثاني من الجاري ما أسمته "رؤية اللجان حول الحماية الدوليّة". هنا جانب من تلك الرؤية:
إننا نرى بأن وسائل الحماية الدولية، التي يجب إقرارها بقرار صادر عن مجلس الأمن الذي يتصرف بموجب الفصل السابع للأمم المتحدة، يجب أن تبقى محصورة فيما يلي:
1. ضمان الظروف الملائمة للتجمع السلمي بما يتوافق مع اتفاقيات حقوق الإنسان التي انضمت إليها سوريا. ويشمل ذلك:
1. الطلب من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة اتخاذ ما يلزم من تدابير لمنع توريد جميع أنواع الأسلحة وما يتصل بها من عتاد إلى النظام السوري.
2. إلزام النظام السوري برفع كافة القيود فوراً عن وسائط الإعلام المختلفة.
3. إلزام النظام السوري بضمان دخول الآمن لجميع وكالات الأمم المتحدة الإنسانية إلى المدن والقرى السورية كافة، وذلك للإشراف على الوقف الفوري للقتل والعنف، والإفراج عن المعتقلين وكشف مصير المفقودين، وسحب جميع المظاهر المسلحة لقوى الجيش والأمن ورفع الحواجز من المدن والقرى والطرق، وكذلك إجراء المراقبة المتواصلة للتجمعات السلمية كافة ولاسيما تلك المناهضة للنظام السوري، والإبلاغ عن أية انتهاكات بشأنها.
2. ضمان الظروف الملائمة لإجراء تحقيق نزيه وموضوعي في الأفعال التي يعتقد بأنها تشكل جرائم ضد الإنسانية، على الأراضي السورية منذ تاريخ 15 آذار 2011، وإحالة مرتكبيها إلى المحاكمة العادلة. 

السابق
غانم: بيان ميقاتي يعبر بشكل دقيق عن الحوار بيننا لجهة عدم التطرق الى المحكمة
التالي
الشيطان: حقيقة قائمة في الأديان فقط