حطب جفت الزيتون الصناعي ينافس المازوت في حاصبيا

دخل «الحطب» المصنّع من جفت الزيتون في منافسة قوية، مع المازوت وحطب الأحراج، بعدما بات في دائرة اهتمام فئة كبيرة من العائلات اللبنانية، التي تنشد التوفير في قوت الشتاء، إضافة إلى التجار، كما أصحاب المعاصر والمزارعين، بحيث باتت مخلفات الزيتون التي تعرف بالجفت سلعة تجارية أساسية في مجال التدفئة الشتوية، خلال موسم الصقيع، بعد تحويلها من فتات متناثر إلى قطع حطبية متساوية الأحجام والأوزان، عبر معالجتها في آلة خاصة سميت بـ«معمل الحطب الصناعي»، لتغدو بعدها جاهزة للاستهلاك المنزلي، من خلال استعمالها كوقود للمواقد و«الصُوَب» في فصل الشتاء.

وبات تصنيع الحطب من جفت الزيتون موضع اهتمام فئة كبيرة من العاملين في المجالين البيئي والتجاري، إضافة إلى أصحاب المعاصر والمزارعين، نظراً للنجاح اللافت الذي حظي به ذلك النوع المستحدث من الوقود، خاصة لجهة تدني أسعاره مقارنة بحطب الأحراج، والمازوت، والغاز، وأجهزة التدفئة الكهربائية، بالإضافة إلى أن استغلال الجفت، وتجنب رميه في العراء، له مفاعيل بيئية إيجابية على الحقول الزراعية، وكذلك على المياه الجوفية والينابيع.
وتمر عملية تصنيع ذلك «الحطب» الغني بزيت الزيتون بعدة مراحل، تبدأ بتجميع الجفت، ومن ثم عزله ليخضع بعدها للتخمير على مدى أربعة أشهر، وفي مطلع شهر حزيران تنطلق عملية التصنيع، ليتميز حطبه بسرعة اشتعاله مع قدرة حرارية قوية اللهب، ما جعله يلاقي رواجاً في الأسواق الشعبية، حيث يتزايد الطلب عليه من سنة إلى أخرى، خاصة مع مطلع فصل البرد، ما دفع بأصحاب المعاصر إلى وضع تلك الصناعة في صلب اهتمامهم، فعملوا على تزويد معاصرهم بالماكينات المخصصة لتصنع الحطب، فارتفع عددها في منطقة حاصبيا خلال ثلاث سنوات من ماكينة واحدة إلى 14، في حين يتوقع أن تعم تلك الآلة كل المعاصر مع بداية موسم عصر الزيتون مطلع العام المقبل، علماً أن عدة معاصر وضعت وبمساعدة خبراء وفنيين، خططاً وبرامج لتطوير تلك الصناعة، ليدخل ضمنها تصنيع نوع مميز من الفحم لزوم النارجيلة.  
ويشير أحد الخبراء في مجال تصنيع حطب الجفت، وليد الكردي، إلى أن «ماكينة التصنيع دخلت إلى لبنان عام 2006، وتراوحت كلفتها بين 15و20 ألف دولار اميركي، بقدرة تصل إلى إنتاج 1600حبة بالساعة، تزن الواحدة منها 1200غرام، بطول 24 سنتيمترا وقطر 4 إنش». ويلفت إلى أن «الإنتاج قد وصل سنة 2010 إلى حدود 5 ملايين حبة»، مشيرا إلى أنه عمل على تطوير تلك الآلة، بحيث «باتت تعمل على الطاقة الكهربائية وبشكل أوتوماتيكي، ما رفع من قدرة التصنيع، لتصل إلى نحو 2 طن خلال ساعة، فالآلة ستصبح ملازمة لكل معصرة تقريباً لأنها من سلم أولويات العمل، فكل مزارع بات يرغب في تحويل الجفت الناتج عن عصر زيتونه إلى حطب يستعمله كوقود في الشتاء، أو يبيعه لصاحب المعصرة الذي بدوره بات عنده الكثير من الزبائن، الذين ينتظرون موسم عصر الزيتون من أجل الاستفادة من تلك المادة الى جانب الزيت، حيث بدأ العديد من التجار بتصديرها إلى بعض الدول العربية، خاصة سوريا والأردن».

ويشير الكردي إلى أن «فكرة تصنيع الجفت وتحويله إلى حطب استقدمت بداية من تركيا، بعدها بدأ العديد من الفنيين اللبنانيين باستيراد قطع الغيار من سوريا وتركيا، ومن ثم تجميعها في لبنان، وخلال العام الماضي أدخلت بعض التعديلات على الماكينات بهدف تحسين وتسريع الأداء والنوعية، خاصة لجهة حجم القطعة وقوة ضغطها وشكلها، لتتلاءم مع حاجة المستهلك اللبناني والعربي، ونعمل بعد التصنيع على تغليفها بورق صلب، ومن ثم تجميعها في أكياس صغيرة سعة الواحد منها 25 قطعة، تباع اليوم بثمانية آلاف ليرة. وذلك يعني أن ثمن الطن الواحد يتراوح بين 220 و250 ألف ليرة، ويستمر اشتعال القطعة الواحدة نحو ساعة، مع قوة حرارة مضاعفة عن الحطب العادي، وبإمكان رب العائلة توفير نحو 40 في المئة من ميزانية التدفئة الشتوية عند استعماله». ويلفت إلى أن «كلفة التدفئة في موسم البرد لا تتعدى 250 دولاراً، في حين أن ذلك الرقم يتضاعف مع استعمال الحطب أو المازوت». وبالإضافة إلى المردود المادي يشير العديد من أصحاب المعاصر إلى فوائد أخرى متعددة لذلك النوع من الحطب، منها «الحفاظ على البيئة، فرمي مادة الجفت عشوائياً في الطبيعة يؤدي إلى روائح كريهة وضارة، كما تلحق أضراراً في الحقول والمياه الجوفية، فاستعمالها لنار الشتاء يساهم إلى حد ما في الحفاظ على الثروة الحرجية، من خلال تخفيف هجمة الحطابين على الأحراج التي لحقت بها خسائر فادحة خلال السنوات القليلة الماضية».

وتصف هيفاء حداد، وهي ربة عائلة، الحطب بـ«الممتاز»، فهو «يشتعل بسرعة ليعطي نارا قوية جدا، والدخان المنبعث منه خفيف بالمقارنة مع دخان الحطب أو المازوت، ولا يترك آثار شحبار في القساطل إلا بنسبة بسيطة، وبكمية أقل من تلك الناتجة عن الوقود الأخرى»، كذلك «وإن كانت تنبعث منه بعض الروائح، لكنها أقل ضرراً من نفخة صوبية المازوت، لكن المشكلة الوحيدة تتمثل بعدم قدرة الصوبيا الخفيفة المعادن، أي الرقيقة، على مقاومة قوة النيران، التي تحول الصوبيا في دقائق إلى حمراء. وذلك يعني أن الصوبيا يمكن أن تستهلك خلال عام». وتنصح باستعمال الصوبيا الفولاذية، حيث «ستكون لها قدرة لتحمل قوة حرارة ذلك الحطب»، مشيرة إلى «طريقة توضيبه بالحجم نفسه، وقوة في التصدي لبرد الشتاء وثلوجه في مناطقنا الجبلية». 

السابق
تأجيل جلسة البتّ بقضية حشيشو في صيدا
التالي
صدى “وول ستريت” في واشنطن