ما الذي ينتظر ليبيا؟

مات القذافي ويمكن لإدارة الرئيس أوباما أن تنال قدرا من الثناء على تغيير النظام في ليبيا.
جاءت وفاة الديكتاتور بعد ثمانية أشهر من بدء العمليات العسكرية هناك، نفس المدة الزمنية التي قضيناها في تعقب صدام حسين بعد تحرير القوات الأميركية لبغداد في عام 2003، وعندما أخبرنا رئيس محطة المخابرات المركزية في الساعة الثانية يوم 13 ديسمبر (كانون الأول) عام 2003، أن قواتنا أسرت صدام حسين، علمت أننا قد حققنا خطوة مهمة.

أوجه الشبه مذهلة، فعلى مدى عقود كان كلا الحاكمين المستبدين يوصف بالإرهابي من قبل الإدارات الأميركية، الجمهورية منها والديمقراطية. وعلى مدى عقود، كان كل منهما يمارس القمع الوحشي ضد مواطنيه، وعادة ما يستخدم أساليب ساخرة لتفاقم الانقسامات القبلية والطائفية. تم العثور على القذافي في أنابيب الصرف الصحي، وتم القبض على صدام حسين في حفرة العنكبوت. هكذا دائما مصير الطغاة.
يمكن لاعتقال أو موت الديكتاتور المساعدة في إغلاق الستار على فترة طويلة من الطغيان، لكن تعزيز مثل هذا التغيير السياسي الهائل لم يكن سهلا في العراق، ولن يكون سهلا في ليبيا، فتشير تجربة العراق إلى أن النجاح يتوقف على معالجة ثلاث قضايا ملحة خلال هذه المرحلة الانتقالية:
يجب على الشعب أن يؤمن بأن التغيير السياسي حقيقي ودائم؛ ففي الوقت الذي كان فيه صدام حسين مطلق السراح، كان غالبية العراقيين، وربما كغالبية الليبيين، يخشون من أن يعود الديكتاتور إلى السلطة. كانوا يعلمون من التجربة المريرة أنه إذا ما حدث ذلك فسيكون هناك ثمن ثقيل يدفعه كل من تعاون مع الأجانب.
من الصعب بالنسبة لغالبية الأميركيين تقدير مستوى الخوف الناجم عن عقود من العيش في ظل نظام الإرهاب، وقد قالت عضو بارزة في الحكومة العراقية في اليوم التالي للعثور على صدام حسين إن اعتقاله قد سمح لها في النهاية بأن تقول الحقيقة لأطفالها، وبكت مشيرة إلى مقتل شقيقها وعمهما، ابن الـ18 ربيعا، بناء على أوامر صدام حسين قبل أكثر من 20 عاما لأنه كان قد كتب كتابات على الحائط في جامعته انتقد فيها حزب البعث التابع للرئيس.
على الرغم من قتل القوات الأميركية اثنين من أبناء صدام حسين قبل عدة أشهر، ظلت خائفة من أنه قد يعود إلى السلطة، تأكدت أن صدام كان قيد الاعتقال. فإذا ما علم الجواسيس أن أولادها قد تحدثوا ضده بينما كان مختبئا سيقتلون.

 
وقد أخبرنا الكثير من العراقيين أنه حتى بعد القبض على صدام حسين كانوا قلقين – أو في حالات قليلة تمنوا – أن يعود هو وحزب البعث. وبعد إعدامه فقط بسنوات قليلة أصبح العراقيون على يقين من أنه تم الانتهاء منه وعائلته. على النقيض من ذلك يعرف الليبيون الآن أن الطاغية لن يعود، على الرغم من أن أبناءه وبعض العناصر من قوات الأمن التابعة له لا يزالون مطلقي السراح كنقطة تجمع ممكنة لأنصار القذافي.
يجب أن يوفر شخص ما الأمن. بعد رحيل ديكتاتور، يكون ضمان الأمن للسكان هو الوظيفة الأهم لدى أي حكومة، وفي العراق كان لاعتقال صدام حسين نتيجتان إيجابيتان فوريتان؛ ففي غضون أسبوعين، تلقيت أنا وموظفو مكتبي – بشكل مباشر وكذلك من خلال قنوات الأمم المتحدة – إشارات من أن بعض أفراد المقاومة يلمحون إلى رغبتهم في وقف تمردهم. وعلى الرغم من أن الإشارات كانت متناقضة، ولم يتضح مرسلها، قررت الرد بشكل إيجابي، لكن للأسف لم يردني شيء آخر بعد العرض. لكن خلال الشهرين اللذين أعقبا القبض على صدام حسين، انخفض عدد الهجمات على قوات التحالف بشكل كبير، فشهد شهر فبراير (شباط) 2004 أقل عدد من الخسائر البشرية في صفوف قوات الولايات المتحدة في أي شهر من شهور الحرب حتى عام 2008.
لكن القبض على الديكتاتور لم يحل المشاكل الأمنية في العراق وسرعان ما تلاشى الأثر الإيجابي لاعتقاله من قبل انتفاضة سنية كبيرة في محافظة الأنبار وهجمات شيعية متزامنة على ثلاث عواصم محافظات في جنوب العراق. في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تفتقر إلى كل من استراتيجية مناسبة وقوات كافية للاستجابة بفعالية لهذه التحديات، وهو الوضع الذي تم تصحيحه في نهاية المطاف من خلال زيادة الرئيس الأميركي جورج بوش الشجاعة لأعداد القوات في عام 2007.

هناك في ليبيا ما يدعو للقلق بشأن الوضع الأمني، فهناك عدد كبير من الميليشيات الناشطة في مناطق مختلفة من البلاد، فكما فعل صدام حسين في العراق، كان القذافي حريصا على التلاعب بالانقسامات القبلية والجغرافية لإرباك المعارضة. تعكس الميليشيات الليبية في كثير من الحالات الولاءات القبلية، وهناك خيوط قوية من التطرف الإسلامي منسوجة في بعض المجموعات، فمن الذي يمتلك السلطة والقدرة على نزع سلاحهم؟ وما لم يتم إقرار نظام لنزع السلاح من المقاتلين، ستقع المتاعب لا محالة.

يجب وضع نظام سياسي جديد بسرعة. وهذا لا يتطلب نزع سلاح جميع المقاتلين وفقط، بل خطة لوضع إطار عمل سياسي يمكن من خلالها بناء شكل حكومي. وقد حصل العراقيون هذا المطلب سريعا، ففي الأول من مارس (آذار) 2004، أي أقل من عام بعد تحرير بغداد، وافق العراق على دستور عصري، كان أكثرها تقدما في منطقة الشرق الأوسط، حيث يوفر حقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك حقوق المرأة، وحرية المعتقد وحرية الصحافة والحريات الأخرى الكثيرة التي تعتبر أمرا بديهيا للأميركيين. أسست الوثيقة لسيادة القانون ليحل محل حكم الفرد المطلق، بما في ذلك نظام قضائي مستقل والحق في محاكمة علنية، وفي النهاية أقام الدستور بنية سياسية جديدة، مع برلمان من مجلسين ونظام فيدرالي.
هذا لا يعني القول إن كل هذا كان وفقا لخطة في العراق، فاستمرار المشكلات هناك، حتى بعد تراجع العنف بشكل كبير، يظهر مدى صعوبة التحولات السياسية في مرحلة ما بعد تغيير النظام. وحتى الآن، وبعد ثماني سنوات، ستواجه القوات العراقية صعوبة في الحفاظ على الأمن في بلادهم بعد مغادرة القوات الأميركية.

يمكن تلبية هذه الأنواع من التحديات في ليبيا إذا لم تنأَ الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية بنفسها بعيدا الآن لأن الطاغية قد مات. وكما في العراق ستساعد الولايات المتحدة في إحداث تغيير سياسي كبير في ليبيا، وبالتالي فإنها تتحمل مسؤولية معينة في مساعدة هذه العملية على النجاح. وسوف تكون المهمة الأولى توفير الأمن حتى يمكن تدريب قوة وطنية جديرة بالثقة ومجهزة. وهذا قد يتطلب قوى خارجية، ربما من حلف الناتو أو دول أوروبية مختارة. يجب على الحكومة الأميركية وغيرها من الحكومات توفير الموارد اللازمة لمساعدة الليبيين في بناء الأسس السياسية التي يمكن أن يرتكز عليها نظام لحكومة تمثيلية. وعلى الرغم من عقود الخبرة التي تملكها حكومتنا في مجال إعادة الإعمار بعد الصراع، ينبغي أيضا تشجيع المنظمات غير الحكومية على التقدم خطوة إلى الأمام لمساعدة الليبيين على استعادة بلدهم. 

السابق
عددنا تخطى السبعة مليارات والكارثة وشيكة إن لم نتحرك
التالي
حمدان: تحرير الصدر ورفيقيه يشكل مفتاح العلاقة المستقبلية بين لبنان وليبيا