دولتان لشعبين أم لشعب واحد؟

تحدث كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس الأميركي باراك أوباما، الأسبوع قبل الماضي في الأمم المتحدة، وبصراحة كان من الصعوبة بمكان أن أحدد خطاب أي منهم كان الأسوأ، حيث بدا خطاب نتنياهو وكأنه موجه لحشد في اللجنة المركزية لحزب الليكود، في حين كان خطاب عباس يبدو وكأنه موجه لجامعة الدول العربية، أما خطاب أوباما فكان لا يعدو كونه نداء للناخبين اليهود في ولاية فلوريدا. لقد كان أوباما يعني ما يقوله جيدا، لكن السياسة الداخلية قد حتمت عليه أن يخطب هامسا في المكان نفسه الذي تحدث فيه يوما ما بكل صراحة وجرأة لكلا الجانبين.
لقد كان هذا المسلسل برمته مجرد تذكير بالضعف الذي تعاني منه عملية السلام اليوم، ومدى الشك الذي لا يزال يعاني منه الجانبان، حيث يشك كل منهما في نوايا الآخر في ما يتعلق بالوصول إلى حل يقضي بوجود دولتين، بمعنى أن الإسرائيليين يشكون في أن الفلسطينيين يريدون دولتين لكن كلتيهما للشعب الفلسطيني، كما يشك الفلسطينيون في أن الإسرائيليين يريدون دولتين لكن كلتيهما للشعب الإسرائيلي!
سوف أوضح ذلك بعد قليل، ولكن اسمحوا لي أولا أن أشير إلى أن صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية قد لخصت أداء كل من نتنياهو وعباس قائلة «إن خطاب الطرفين في الأمم المتحدة بما يحمل من شكاوى وطلبات يجعل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يبدو وكأنه قد سافر في آلة الزمن وعاد إلى نهاية القرن الماضي، وتم محو عقود من الحوار بين الطرفين – وهو ما يعد بمثابة سعادة كبيرة للمتطرفين في كلا الجانبين. لا يوجد سلام، حتى إن الاتصال المباشر بين الطرفين قد أصبح ينظر إليه على أنه هو الهدف، وحتى ذلك بدأ يتلاشى بعيدا».
في الواقع، هذا هو «الشرق الأوسط الجديد» – لكن ليس بالطريقة التي كنا نتمناها. فعندما تترك المجال خاويا من الدبلوماسية الآن، ومفتوحا على مصراعيه أمام شخصيات كثيرة عاجزة عن ضبط عواطفها الآن – مثل المستوطنين الإسرائيليين المتطرفين والذين يكتبون «محمد خنزير» على حوائط منازل المسلمين في الضفة الغربية، والفلسطينيين من الجماعات المتطرفة مثل حركة الجهاد الإسلامي التي تقوم بإطلاق النار على المدنيين الإسرائيليين أو توجيه قذائف الهاون من قطاع غزة على البلدات الإسرائيلية – فأنت بذلك تبحث عن المتاعب، لا سيما بعد انهيار العديد من حوائط الصد التي كانت موجودة في السابق.
ولم يعد هناك الرئيس المصري حسني مبارك الآن لكي يمتص نيران الغضب في حالة اندلاع اشتباكات بين الإسرائيليين والفلسطينيين اليوم. وعوضا عن ذلك، أصبح هناك الآن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي يقف على أهبة الاستعداد لإشعال الوضع – ضد إسرائيل بالطبع. ولن يكون من قبيل المبالغة أن نقول إنه في حالة اندلاع اشتباكات خطيرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، فإن ذلك سوف يقوض معاهدات السلام بين مصر وإسرائيل، وإسرائيل والأردن. وفي حالة انتشار العنف الفلسطيني في الضفة الغربية، فمن المحتمل أن يقول عباس إنه لم يعد هناك ما يسمى بالسلطة الفلسطينية، وإنه لن يكون بمثابة شرطي إسرائيل في الضفة الغربية، وسيكون هذا هو المسمار الأخير في نعش اتفاقات أوسلو. ولذا فإن جميع ركائز السلام الثلاث – التي لم تعد كما كانت من قبل لكنها حيوية للغاية لأمن إسرائيل منذ السبعينات من القرن الماضي – أصبحت في خطر الآن.
وبالنظر إلى هذه المخاطر، فإن أي حكومة إسرائيلية لديها بعد نظر يجب أن تقول لنفسها «في حالة حدوث هذه الانهيارات، فسوف نخسر أكثر من الفلسطينيين بكثير. عباس يقول إنه لن يدخل في أي محادثات سلام من دون تجميد بناء المستوطنات، ونحن نعرف أن هذا أمر زائف ووهمي. لقد قمنا بتجميد الاستيطان بشكل جزئي لمدة عشرة شهور، لكنه لم يفعل أي شيء. لكن هناك الكثير من الأشياء الموجودة على المحك هنا، ولذا دعونا نختبره مرة أخرى. دعونا نقدم له عرضا بتجميد الاستيطان بصورة كاملة لمدة ستة أشهر. وماذا تعني هذه الستة أشهر في تاريخ الشعب الذي يمتد إلى 5000 عام؟ لدينا بالفعل 300.000 مستوطن. في الحقيقة، إنها استراتيجية ناجحة في جميع الحالات ولن تهدد أمننا بأي حال من الأحوال. فإذا ما رفض الفلسطينيون ذلك، فسيكونون هم الجهة المعزولة وليس نحن، وإذا وافقوا، فربما نتوصل إلى اتفاق. من يدري؟».
في حقيقة الأمر، هذا هو ما يتعين على أي زعيم إسرائيلي أن يفعله الآن. وإذا لم تفعل الحكومة الإسرائيلية هذا، فهي بذلك تزيد من المخاوف الفلسطينية التي تقول إن إسرائيل تريد حقا دولتين، لكن كلتيهما لإسرائيل. إنها تريد إسرائيل قبل عام 1967 وإسرائيل بعد عام 1967، أو بمعنى آخر دولتين، الأولى هي إسرائيل والثانية هي الضفة الغربية والقدس الشرقية.
وعلى الرغم من ذلك، ما زال يتعين على القيادة الفلسطينية القيام بكثير من الخطوات لتشجيع هذا الاقتراح، لأن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجبر نتنياهو على التحرك هو الداخل الإسرائيلي. لقد تم القيام بذلك من قبل، فلماذا لا يحدث الآن؟ لأنه عندما ترى الأغلبية الإسرائيلية الصامتة جيشها وهو ينسحب من جانب واحد من قطاع غزة ويزيل المستوطنات التي كانت هناك ويقذف بالصواريخ في المقابل، وعندما يرون رؤساء الوزراء الإسرائيليين السابقين يقدمون مقترحات بالانسحاب على مدى طويل ولا يحصلون على أي شيء في المقابل، وعندما يسمعون أن الفلسطينيين يصرون على «حق العودة» لبعض من المواطنين الفلسطينيين – ليس فقط إلى الضفة الغربية، ولكن إلى إسرائيل نفسها – فإن ذلك يثير مخاوف الإسرائيليين من أن الفلسطينيين ما زالوا يحلمون بوجود دولتين، لكن كلتيهما لهم: أي الضفة الغربية وإسرائيل قبل حدود عام 1967. وإذا ما تحدث عباس بشكل مباشر عن تلك المخاوف، فإن نتنياهو سيتعرض لضغوط محلية كبيرة حتى يتحرك.
لقد عدنا مرة أخرى إلى بداية هذا الصراع. وحتى يطمئن كل طرف إلى أن الطرف الآخر يريد دولتين لشعبين، وليس لشعب واحد فقط، فلن يحدث أي شيء جيد، لكن ربما يقع الأسوأ.
  

السابق
أبو كسم دعا من طهران لتطبيق ال 194: على الفلسطينيين ان يتحدوا ليحققوا تحرير ارضهم
التالي
هل ستلاحق المحكمة صحافيين؟