فاطمة رضا شميساني: شاعرة الجنوب والوطن

نسجت من خيوط المعاناة مع الإحتلال حروف أبياتها، فكانت قصائدها شعلة متقدة تنير دروب الصمود والمقاومة. يحمر الشقيف من البلدات التي عانت الكثير من ظلم وجور الإحتلال، فكانت تحاصر أيام وأسابيع طوال، وتزداد المعاناة مع عزل هذه القطعة من جسد الوطن عمّا سواها. المربية والشاعرة فاطمة رضا شميساني لم تسمح لهذه القيود أن تستولي على أفكارها وتكبلها بقيود المحتل الغاصب، تركت أفكارها تحلق بين بلدتها البابلية وبلدتها الثانية يحمر، وبين حياة في بيروت ترعرت وأمضت نشأتها وصباها فيها. حول ديوانها الأخير، كان لـ"جنوبية" هذا اللقاء.

من عائلة كانت تشتري الكتب كالخبز تماما، قوتا يوميا، فاطمة رضا إبنة البابلية، يذكر ولدت في العام 1954، تغذت على حب الشعر وحفظ القرآن، وعاشت في أحضان أم كانت نغمات صوتها تشبك القوافي شعرا زجليا، وجدّ أشهر من أن يعرّف، الحاج زين العابدين حسون، من شعراء البابلية والجنوب، عرف بموهبته الفطرية، التي كشفت عن شعر مصقول بحب الوطن والغزل. الأخت الكبيرة في العائلة أيضا تميزت بموهبتها الشعرية، والآن لها ديوانان من الشعر الزجلي العاملي، هي ليلى رضا عاصي، صاحبة إحدى الصالونات الادبية في بلدتها. وهكذا موهبة تتوارث بينهم، القرآن مكّنهم من لغة عربية سليمة، والمطالعة والكتب أغنتهم بثقافة واسعة، والمستوى التعليمي فاوت هذه الموهبة بينهم، فكان تميزهم وإبداعهم درجات.

طفولة فاطمة تميزت بحب الإستماع الى كل ما يقرأ من قصائد، في جو عائلي شاعري، وكانت المحاولة الأولى المميزة في عمر الخامسة عشر، حين وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وكانت قصيدتها الأولى عن هذا الموضوع. أبدت الشاعرة القديرة باسمة باطولي إعجابا كبيرا بها، لتكون الدافع والمشجع الأول لكتابة القصائد. وبدأت فاطمة رضا تخص كل مناسبة مدرسية بقصيدة من كلماتها وإلقائها، حتى كانت جائزتها الشعرية الأولى في مهرجان شعري بالمدرسة، في الصف الثالث متوسط.

في الصفوف المدرسية الأولى كانت فاطمة رضا تسمع القصائد من معلمتها وكانت تعرف الخلل في البحور من السمع فقط، لم تكن تعرف بحور الشعر والتفعيلات بعد. في المرحلة الثانوية، إختارت دراسة البكالوريا الأدبية، ومن دار المعلمين تخرجت معلمة للغة الفرنسية في العام 1975، لتتزوج في العام 1979 وتنتقل للعيش في بلدة يحمر الشقيف.

يحمر الشقيف كانت نقلة نوعية في حياة فاطمة. البداية كانت عادية جدا: معلمة اللغة الفرنسية في البلدة، تتفرغ للإهتمام بالعائلة والأولاد، إبتعاد عن المواكبة للإصدارات الجديدة والجلسات الأدبية، في بلدة معزولة عن العالم، بسبب الإحتلال، لكن المعاناة كانت ملهما جديدا للكتابة وكانت كل حادثة تحكي عن نفسها في شعر فاطمة رضا. كتبت لقانا، لبيروت، للشهداء، لاطفال الجنوب، وللكثير من المناسبات المحلية، الافراح والأتراح:

واستفاق الطفل من أحلامه بدويّ هزّ أركان الفضاء

فإذا المأوى سعير مضرم وإذا بالأرض بحر من دماء

فتشظى الطفل فيما فوقها قبل أن يأتيه رد للنداء

لم يكن من حوله من يبكه فلقد خروا جميعا شهداء

إنما الكون بكى من أجلهم وجبين العصر أنداه الحياء

كتبت الشعر الفصيح الكلاسيكي، وأحبت الوزن و قصيدة التفعيلة، كما كتبت معظم أنواع الشعر الزجلي، كانت دوافع الكتابة غالبا ما تخرج من صميم القلب، إما لموقف مفرح، أو محزن، أو معاناة مع الاحتلال. نشرت العديد من القصائد في مجلة أحمد والحسناء، والعهد، وزهرة الجنوب، وفي ملحق النهار الثقافي، وفي زهرة الخليج… وقدمت شعرها إلقاء في للكثير من القنوات التلفزيونية، ونالت الأوسمة والجوائز، من وزارة الثقافة، البلديات (النبطية البابلية يحمر الشقيف)، المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، جمعية تقدم المرأة، منتدى العليّة، والكثير غيرها…

لم تكن تجربة الإبداع في الشعر لامرأة جنوبية تجربة سهلة، فالتحديات كثيرة، تبدأ من مجتمع محصور وضيق، يضيق الآفاق الثقافية للفرد، وتنطلق إلى عائلة تحتاج اهتماما ورعاية كبيرين، ثم إلى معاناة مع الاحتلال، كانت تحرمهم من التواصل مع العالم في وقت لا هاتف ولا فاكس ولا تطور تكنولوجي كما الآن، تحديات كثيرة، لخصتها فاطمة رضا شميساني، الشاعرة والمربية، في عنوان ديوانها الأول: "لمن أهديك يا شعري؟"، وكان الثاني "خفق الجناح".

السابق
المفتي حسن عبد الله:الامام الصدر مدرسة وطنية جامعة
التالي
التدخين يؤذي شرايين النساء أكثر من الرجال