المعارضة في سوريا عديمة الوسيلة

مدينة إثر مدينة، بلدة إثر بلدة، يخوض جيش الاسد حربه المنهاجية ضد المتظاهرين. أول أمس وأمس ليلا كان هذا مرة اخرى دور مدينة حماة، التي قُتل فيها 45 مواطنا يوم الاربعاء و7 آخرين في ليلة الخميس في هجوم للدبابات والرشاشات التي أطلقت النار مباشرة نحو المواطنين. وأمس قتل ايضا مواطنان في مدينة حمص بعد ان فتحت وحدات الجيش النار من المدافع الرشاشة نحو المتظاهرين. تقارير نشرها مدونون من سوريا تصف هجمات الزعران على المستشفيات في دمشق وتدفن الجثث في الحدائق العامة، وتظهر مقاطع فيديو كيف يلقي مواطنون بالجثث الى نهر العاصي الذي يمر قرب حماة.

دير الزور محاصرة هي ايضا بقوات الجيش وبعض قادة القبائل من المحافظة نشروا انذارا للجيش السوري بموجبه اذا لم تنسحب الوحدات العسكرية في غضون 24 ساعة ويطلق سراح شباب المدينة "فستحمي قبائل المحافظة سكانها بكل الوسائل التي تحت تصرفها". ليس واضحا ما هي هذه الوسائل، واذا كان خلف هذا الانذار سوط حقيقي ايضا، ولكنه يشير الى شكل القتال التفصيلي للجيش والى مصاعب المعارضة في الرد بالعنف على العنف. وهكذا مثلا ينفذ الجيش تمشيطات من بيت الى بيت في مدينة درعا حيث بدأت المظاهرات، والمدينة نفسها محاصرة والمواطنون يبلغون عن أن الجيش يفرض على المواطنين التجند في صفوف الزعران، "الشبيحة" والعمل ضد جيرانهم.

قرار الشجب من مجلس الامن لم يؤثر على النظام، وهكذا ايضا العقوبات التي فرضتها دول اوروبا على سوريا. فطالما كانت سوريا آمنة من هجوم عسكري خارجي مثل ليبيا، وطالما ليس الفرار من الجيش ذا مغزى والمعارضة لا تنجح في الاتحاد، يمكن للاسد أن يواصل طريقة قتاله التفصيلية، وهذه يمكنها أن تستمر لاشهر طويلة.

عملية عسكرية ضد سوريا غير متوقعة على ما يبدو، وذلك ايضا بسبب التخوف من رد الفعل الايراني المضاد في الخليج أو في العراق، والذي من شأنه أن يعيد تركيز اهتمام العالم على الخليج، أو رد فعل قتالي من حزب الله باتجاه اسرائيل. اضافة الى ذلك، فان الصين وروسيا رغم أنهما أعربتا أمس عن "قلق عميق" مما يجري في سوريا، ستستخدمان الفيتو على كل قرار دولي يسعى الى مهاجمة سوريا. في الجبهة الداخلية يمكن للاسد أن يواصل حاليا الاعتماد على مدينتي دمشق وحلب بحيث لا تضعضعا "ميزان المظاهرات" ولا تنضمان الى الاحتجاج.

دمشق مثلا، هي مدينة ضواحي وأحياء جديدة، بينما المدينة القديمة، التي احتشدت فيها في الماضي اغلبية السكان، تحولت مع السنين الى حي سياحي مع فنادق ومقاهي. في بعض هذه الضواحي وإن كانت هناك بعض المظاهرات، إلا انه بسبب مكانها الجغرافي كان يمكن قمعها بسهولة نسبية. وهكذا، عندما تندلع مظاهرات في دير الزور أو في درعا، من الصعب ايجاد متظاهرين في حمص أو في حلب يخرجون في مظاهرات تضامن. من هنا ايضا صعوبة المعارضة في توحيد الصفوف واقامة قيادة مشتركة يمكنها أن تجسر الفوارق الدينية، العرقية والاجتماعية. مجموعة المثقفين المعارضين، الذين تمتعوا حتى اندلاع المظاهرة بالمكانة بسبب مواقفهم المناهضة للنظام، تعاني الآن من انتقاد جماهيري لمجرد استعدادها اجراء حوار مع النظام. معارضون يسكنون في خارج البلاد يجندون الاموال من اجل المتظاهرين، ولكن قسما كبيرا من التبرعات تصل الى مجموعات في المدن التي ينتمي اليها رجال المعارضة وليس الى قيادة شاملة واحدة.

الاسد، الذي وإن كان نشر أمس قانون الاحزاب الجديد، فانه لا يرى حاجة الى اجراء حوار مع المعارضة. ويبدو انه بدون مساعدة من الخارج من شأن المعارضة ان تعاني من مصير حركة العصيان التي ثارت ضد صدام حسين بعد حرب الخليج الاولى. هذه الحركة التي قامت بتشجيع امريكي، ولكن دون مساعدة حقيقية، قُمعت بوحشية على يد الجيش العراقي.

السابق
أرحمه برغم ما فعل بي
التالي
من احتجاج الى قوة سياسية