برونزاج وتفتيح وأشياء أخرى

في موسم البحر، أكثر ما تُقبل عليه اللبنانيات هو كريمات وزيوت البحر من أجل «برونزاج» تفضّله الأكثريّة بلون الجزر، لكن انتبهي أيتها اللبنانية، فقد يكون ما تعدك به عبوة زيت البحر من «اسمرار جزَريّ» مدعّم بالفيتامين «إي» وهماً لا حقيقة! الأمر لا يقف عند حدود أوهام «البرونزاج»، بل إنه يمتدّ إلى مخاطر حقيقية تختبئ في مستحضرات التجميل عموماً، والكريمات التي تعدّ بحكم الدواء خصوصاً

للوهلة الأولى يبدو الدخول في موضوع مستحضرات التجميل والكريمات التي تعدّ بحكم الدواء، كالدخول في متاهة، لكن ما يلبث أن ينكشف أمامك أنّ كل هذه التعقيدات تؤدي إلى نتيجة واحدة، مفادها أنه لا شيء تقريباً ممّا يدخل البلاد أو يصنّع فيها، من هذه المستحضرات، يخضع للفحص أو للمراقبة.

تنصح الصيدلانية والعاملة في مجال الأبحاث وتطوير تركيبة مستحضرات التجميل نسرين وهبة «الزبون» بأن يبتعد بدايةً عن المنتجات التي تباع بأسعار زهيدة، إذ إنّ المواد الأوليّة التي تستعمل لصناعة هذه المستحضرات أو الكريمات، مرتفعة السعر إجمالاً، لذلك لا يجوز، برأي وهبة، شراء زيت للبحر أو كريم للوقاية من الشمس سعره يقلّ عن 6 أو 7 آلاف ليرة لبنانية. وتضيف «إنّ بيع بعض هذه المنتجات، المنتشرة في المسابح، بأسعار أقلّ من هذا المبلغ، يؤكّد لنا أنّ هناك غشّاً في التركيبة المحدّدة على العبوة، أو أنّ النسب المستعملة منها غير كافية لتكون فاعلة. الشركات التي تصنّع منتجات بأسعار متدنية، تشتري عادة موادّها الأوليّة بأسعار رخيصة من الصين. وهذه المواد هي في معظمها مغشوشة

أيّ إنك لا تشتريها صافية بل يجري غالباً مزجها بمكوّن آخر قد يكون المازوت في بعض الأحيان، كما أن غياب المراقبة عن السوق يشجّع البعض على الكتابة بالخطّ العريض على منتجهم «مع الفيتامين إي» مثلاً، لتسويقه، من دون أن يكون ذلك صحيحاً. هذا الادعاء وحده مقارنةً بسعر المنتج يجب أن يحثّ الجهات الرسميّة المعنيّة على فحص تركيبة هذه المنتجات»… هذا الفحص قد يؤدي مثلاً إلى اكتشاف أن هذه الزيوت أو الكريمات تحتوي على مادة الفازلين وصباغ بلون الجزر، أي إنّه لا علاقة لها بالاسمرار، بل ربما بسرطان قد تكتسبه، بحسب وهبة التي تشرح: «الفازلين وحده مادة مسرطنة، فكيف عندما يُحرَق بالشمس؟».

أمّا مكوّنات كريم الوقاية من الشمس، فتُمزج أحياناً بمادة البروبيلين غليكول المسرطنة هي الأخرى، بل إن وهبة تضيف إنّ رائحة الكريمات عموماً، يمكن أن تسبّب السرطان على المدى الطويل، لذلك يجب فتح نوافذ المنزل عند استعمال الكريم. ولهذا تتجه المختبرات مع شركات مستحضرات التجميل والكريمات الكبرى إلى الحلول الطبيعيّة لإزالة هذه المشاكل، حيث نجد مثلاً في الأسواق مستحضرات عليها عبارة no parabens، أي من دون مواد حافظة، إذ تلجأ الشركات إلى استعمال الفيتامين سي مثلاً، بدل المواد الحافظة الكيميائيّة، كما إلى اعتماد البهارات بدل الألوان الاصطناعية في مستحضرات التجميل. فالماكياج بألوان البابريكا والكركم على الموضة اليوم.

لكن أكثر ما يخيف في الأسواق اليوم، بالنسبة إلى وهبة، هو المنتجات الصينية… واللبنانية. بما أنّ هذه الأخيرة لا تخضع لأي مراقبة، حيث لا تتوانى الشركات اللبنانية عن استعمال المواد الأوليّة حتى بعد انتهاء صلاحيتها، كما أنّ العديد من المستحضرات التي تدخل البلاد يغيّر تاريخ صلاحيتها، وبعضها حتى لا وجود لأي من مكوّناته على العبوة!

وللنساء اللبنانيات ولعٌ آخر اسمه كريم تفتيح البشرة. ويصنّف هذا الكريم، مع كريم معالجة التجاعيد، «بحكم الدواء»، أي إنه يحتوي على مواد فاعلة أو صيدليّة. أخطر ما في هذه الكريمات هو مادة الهيدروكينون بحسب وهبة. يسمح باستعمال هذه المادة عالمياً بنسبة 2%، لكن من يركّب كريمات لتفتيح البشرة في لبنان، إن كان من شركات معروفة أو اختصاصيات تجميل، يستعمل هذه المادة بنسبة 5 إلى 6% للحصول على نتائج سريعة. أو يمزج سمّ الزرنيخ مع الفازلين في تركيبها، كما أنّ بعض الكريمات التي يمكن أن نشتريها معلّبة قد تحتوي على الزئبق. أولى النتائج السريعة ستكون بقعاً على البشرة، وعلى المدى الأطول السرطان. من هنا يرى اختصاصي الأمراض الجلديّة نبيل خليل الحلّ في اختيار مستحضرات التجميل والكريمات بحسب نوع البشرة، كما في اعتماد الماركة الموثوق بها. هذه الأخيرة بالنسبة إلى خليل ليست الأقوى إعلانياً، بل التي ترتبط بمختبر طبي أو مركز للأبحاث.

في المقابل لا يبدو أن جلبة الفساد كلّها هذه وصلت إلى مسامع أحد في وزارة الصحة، إذ إن المعنيين في الوزارة يجيبون باقتضاب، محددين عملهم بروتين معيّن يبعدهم عن المساءلة. فرئيسة دائرة الاستيراد والتصدير ميسلون قانصو حوماني تهتم بالكريمات التي تعدّ في حكم الدواء، وتقول إنّ «المنتجات الأجنبية يجب أن تحمل تحليلاً من بلد المنشأ، وإذا كان البلد «مرجعياً»، أي إحدى البلاد الأوروبية، إضافةً إلى الولايات المتحدة، كندا وأوستراليا، فلا يعاد تحليل المنتج، أما إذا كان البلد غير مرجعي، فإنّ التفتيش يمكن أن يطلب عيّنة لفحصها». من جهته ينفي نقيب الصيادلة زياد نصّور أن يكون أيّ من كريمات هذه الفئة على الأقلّ تحلّله الوزارة.

وفي ما يخصّ الكريمات الأخرى ومستحضرات التجميل، يقول رئيس مصلحة الهندسة الصحيّة في وزارة الصحة فريد كرم، إنّها تُفحص في «معهد البحوث الصناعية»، الذي يكشف إن كانت هذه المواصفات مطابقة لتلك اللبنانية التي أرستها «ليبنور»، مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية. وإذا مُنح المنتج «إفادة مطابقة» من المعهد، يوقّعها كرم، لكنّ مصدراً في «معهد البحوث الصناعية» يؤكد أنّه ليس من الضروري أن تُفحص المنتجات اللبنانية كي تنال رخصتها حتى! إثبات آخر على أنّ كلفة الجمال صعبة.

السابق
جهاد البناء تقدم مشربيات مياه كهربائية لمربي الأبقار
التالي
استثمارات سياحية نشيطة في الحاصباني