الجمهورية: توقُّع “منازلة كبرى” بين الحكومة والمعارضة الثلثاء نصر الله اليوم: رفض القرار واستحضار “الشهود الزور”

محكمة، حقيقة، عدالة، عبارات لاقت بها المعارضة الجديدة القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة الدولية، وقابلتها الأكثرية باعتبار القرار مُسيسا "واستكمالا لعدوان تموز ضد لبنان ومقاومته". وما بين هذين الموقفين صدرت أصوات دولية تذكّر الحكومة بضرورة الوفاء بالتزاماتها، وسوريّة تعتبر أنّ القرار الاتهامي فاقد الصدقية، وداخلية تدعو إلى المحافظة على السلم الأهلي وتغليب الوحدة الوطنية.

هكذا بدا المشهد السياسي غداة صدور القرار الاتهامي، فيما شقت الإجراءات القانونية طريقها لتنفيذ مذكّرات التوقيف الصادرة في حق أربعة متهمين لبنانيين وفقا للأصول، وأعلن المدّعي العام الدولي القاضي دانيال بلمار أنّه يمكن تقديم قرارات اتهام إضافية، وأن إحالة المتّهمين إلى القضاء تتطلب تعاون السلطات اللبنانية، بينما طلب الإنتربول تعميم أسماء المتهمين.

وفيما بقيت الأرض هادئة، تستعدّ الساحة السياسية لمنازلة كبرى سيكون مسرحها ساحة النجمة وأبطالها قوى 8 و14 آذار في خلال جلسات مناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة للحكومة، والتي حددها رئيس مجلس النواب نبيه بري في العاشرة والنصف قبل ظهر أيام الثلثاء والأربعاء والخميس المقبلة.

ونقل زوّار بري لـ"الجمهورية" عنه ارتياحه إلى تجاوز البلاد موضوع القرار الاتهامي في أجواء هادئة وعدم حصول أي توتر على الأرض، معتبرا "أنّ الكلام السياسي في هذا المضمار طبيعي، وللجميع الحق في أن يقول ما يريد".

وأكد "أن الحكومة ستنطلق بعد نيلها الثقة، لأنّ أمامها عملا كثيرا"، لافتا إلى أن رؤيته عن السباق بين البيان الوزاري والقرار الاتهامي كانت صحيحة. وقال: "ليس الموضوع، موضوع حقيقة، وإنما هو موضوع سياسي بامتياز ووظيفته سياسية بامتياز، والقرار مسيّس منذ البداية وحتى النهاية".

وعن جلسة الثقة وما ستشهده من نقاش ومداخلات قال بري: "مَن يرد الكلام فليتكلم ولكن ضمن الأصول وآداب الجلسات والخطاب، وليعبّر كل فريق عن وجهة نظره، فالبرلمان هو الساحة الحقيقية والطبيعية للتعبير عن الرأي، بدل اللجوء إلى الشارع". وأكد أنّه أصرّ على أن تنقل وقائع جلسة الثقة مباشرة عبر كل وسائل الإعلام، مشيرا إلى أنه لم يأخذ بأفكار اقترحت عليه عكس ذلك.

محطتان بارزتان

وستسبق المنازلة النيابية بين الحكومة والمعارضة محطتان ترسمان صورة الكباش السياسي بين الطرفين: الأولى مساء اليوم، حيث يطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عبر شاشة قناة "المنار" محدّدا موقف الحزب من القرار الاتهامي. والثانية غدا الأحد، حيث تجتمع قوى 14 آذار في فندق البريستول، لتحديد موقفها من هذا القرار وما ستدلي به في جلسة الثقة بالحكومة.

كونيللي ـ ميقاتي

إلى ذلك، زارت السفيرة الأميركية مورا كونيللي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وفيما ذكرت مصادره أنّها أبلغت إليه أن وزارة الخارجية الأميركية أصدرت بيانا ترحب فيه بصدور القرار الاتهامي، علمت "الجمهورية" أنّ اللقاء بين الطرفين كان عاصفا وساده التشنّج، ولم يكن ميقاتي فيه مرتاحا، وقد علا صوته في وجه كونيللي التي علا صوتها أيضا وتوترت إلى درجة أنّها طلبت إبقاء اللقاء بعيدا من عدسات التصوير.

وقالت مصادر حكومية إنّ ميقاتي تفرّغ خلال الساعات الماضية للتحضير لجلسات الثقة بالحكومة، وذلك بعدما تبلّغ أمس من الأمانة العامة لمجلس النواب أنّ البيان الوزاري عُمِّم صباح أمس على النواب. وأكّدت أنّ الأهم في هذه الفترة هو التحضير لعبور المرحلة بأقل الخسائر الممكنة بعدما ترابطت ملفات عدة بعضها ببعض.

وعن الدعوة التي تلقاها ميقاتي لزيارة سوريا قالت المصادر "إن الزيارة لا بد منها، ولكن لا بحث في المواعيد قبل نيل الحكومة الثقة، وأن العمل جار لترتيب الملفات التي ستكون مدار بحث في دمشق وفي عواصم عربية ودولية أخرى".

نصر الله

وفي انتظار الموقف الذي سيعلنه نصر الله الثامنة والنصف مساء اليوم، علمت "الجمهورية" أنه سيتناول الموضوعات الساخنة سياسيا عموما والقرار الاتهامي خصوصا، وسيحدد موقف الحزب منه وسيرسم معه معالم المرحلة المقبلة. كذلك سيثير قضية الشهود الزور مجدّدا، كاشفا معطيات جديدة ومفصّلة عنها، ويتحدث عن الوضع الحكومي والهجوم الذي تتعرض له الحكومة منذ تكليف رئيسها إلى التأليف مرورا بالبيان الوزاري واستعدادا لجلسة الثقة.

وقالت مصادر مطلعة على موقف حزب الله لـ"الجمهورية" إنه سيتعامل مع القرار الاتهامي وكأنّه لم يكن، أي بلا مبالاة، انطلاقا من موقفه الرافض المحكمة الدولية التي يعتبر أنها تُستعمل أداة للضغط على المقاومة. لكنّه، في المقابل، سيؤكّد اهتمامه بخدمة المواطنين من خلال العمل الحكومي، ودعم الحكومة بكل الإمكانات المتاحة.

مؤتمر البريستول

وتتجه الأنظار غدا إلى "البريستول"، حيث تعقد قوى 14 آذار مؤتمرها الخامس تحت عنوان "المحكمة طريقنا إلى العدالة"، ويتمحور الهدف الأساس منه، وفق معلومات "الجمهورية"، حول الآتي:

أولا ـ إعلان موقف مشترك لكل مكونات 14 آذار تتويجا للمواقف التي كان أطلقها كل مكوّن منها.

ثانيا ـ تنظيم "مشهدية" سياسية تضم كل الكتل النيابية الـ14 آذارية والأحزاب السياسية والشخصيات المستقلة وقوى المجتمع المدني كأفضل تعبير عن حال الاستنفار السياسي والتعبئة السياسية داخل الحركة الاستقلالية، هذه التعبئة التي ستبدأ تصاعديا تأكيدا لأولوية عنوان المحكمة الدولية.

ثالثا ـ التشديد على أهمية العدالة في اعتبارها المعبر للاستقرار، والتي لا يجوز وضعها في مواجهته أو مقايضتها به، وبالتالي انطلاقا من هذه الرؤية إلى العدالة – كفكرة تأسيسيّة للبنان المتصالح مع نفسه – إنما تقع أهمية المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، إذ للمرة الأولى في تاريخ لبنان السياسي يستدعى مرتكبو جريمة سياسية كبرى للمثول أمام العدالة، لئلا تستمر سياسة الإفلات من العقاب في لبنان والمنطقة.

رابعا ـ تحذير الحكومة من أي محاولة للتهرّب والتملّص من مسؤولياتها، إن بعدم الوفاء بتعهدات لبنان والتزاماته حيال المجتمع الدولي، أو برفض التعاون مع المحكمة في إنفاذ قراراتها وإجراءاتها، إذ إنّه لم يعد في استطاعة "الحكومة الميقاتية" الاستمرار وكأنّ شيئا لم يكن، إذ إن إقرارها مسودة البيان الوزاري الذي يتضمّن نسفا للبند الخاص بالمحكمة ينتمي إلى مرحلة ما قبل صدور القرار، والتي اختلفت جذريا عما بعد صدوره، وخصوصا أنها حكومة "حزب الله"، وأنّ المتهمين الأربعة في القرار الاتهامي يحتلون مواقع قيادية وأمنية وجهادية في الحزب.

خامسا ـ إذا كانت 14 آذار مدعوة أكثر

من أي وقت مضى إلى تثبيت العدالة التي ناضلت من أجل قيامها على امتداد السنوات السابقة، فهي تجد نفسها مدعوة اليوم، في حال تقصير الحكومة بتحمّل مسؤولياتها التزاما للمحكمة الدولية وقراراتها، إلى إسقاط "الحكومة الميقاتية" التي يشكل وجودها نقيضا للعدالة والحقيقة.

سادسا ـ إن توقيت هذا المؤتمر الذي سيطلق مواقف حاسمة تمسكا بالمحكمة الدولية، التي تشكل المعبر الوحيد إلى العدالة، يأتي عشية تحديد بري موعد بدء جلسات مناقشة البيان الوزاري، وهذا ما يعني إعطاء الضوء الأخضر لأكبر وأوسع وأشرس مواجهة ستشنها المعارضة على امتداد جلسات المناقشة.

سابعا ـ الإعلان أن مع صدور القرار الاتهامي يكون لبنان قد دخل مرحلة سياسية جديدة مختلفة كليا عما سبقتها، هذه المرحلة التي بدأت في 14 شباط 2005 مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وانتهت مع صدور هذا القرار في 30 حزيران 2011، ما يعني الانتقال من مرحلة التكهنات والتخمينات والتوقعات والتسريبات إلى مرحلة الأفعال والخطوات التنفيذية والإجراءات العملية.

وإتّصل الرئيس سعد الحريري أمس هاتفيا بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وشكره على "الجهود التي بذلها والأمم المتحدة عموما، في دعم المحكمة الخاصة بلبنان وصولا إلى إصدار القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري"، وذلك حسب ما أفاد بيان لمكتبه الإعلامي مساء أمس.

دار الفتوى

على صعيد آخر، تتجه دار الفتوى إلى تأجيل الدعوة الى اجتماع للمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى لئلا "يأتي الكلام ذا سقف عال" ما يؤدي الى اتهام الدار بتأجيج الفتنة أو قيادة اللبنانيين والمسلمين تحديدا إلى فتنة مذهبية، وبغية تفويت الفرصة على من يبحث عنها "لخلط شعبان برمضان" حسب ما يقال.

وكانت مصادر تواكب المزاج السني في بيروت خصوصا ولبنان عموما، قد أشارت إلى أن "الصمت اللافت" الذي تميزت به القيادة السنية في الساعات التي واكبت صدور القرار الاتهامي ولجم المشاعر التي عبّر عنها تيار "المستقبل" ومعه دار الفتوى "لا يعبّر حقيقة عن حجم ما يختزن في القلوب من جروح قوية حارقة" جرّاء تأكيد القرار الاتهامي ما كانت أشارت إليه تقارير إعلامية وسياسية دولية وإقليمية وعربية من أنّ المتورّطين في الجريمة لبنانيون ومن مواقع قيادية في "حزب الله".

وقالت المصادر نفسها "إنّ التأكيدات الدولية اكتسبت معاني عميقة في الوجدان السنّي تأسست على "سلسلة إخفاقات" وقع ضحيتها السيد نصر الله وأثرت في صورته في العالم الإسلامي. فهو الذي أكّد قبل أسابيع وأشهر قليلة أن الخروق الإسرائيلية في جسم الحزب مستحيلة، وأنه محصّن تجاه أي خرق، فجاءت الاعترافات الأخيرة بتورط بعض كبار القادة وفي مواقع حساسة جدا لتصيب هذه الصورة النقية للمقاومة. وقبل أن يجف حبرالاعترافات هذه، جاءت الدفعة الأولى من القرار الاتهامي لتصيب ما تبقى من هيبة هذه الصورة وخصوصا أن في مذكّرات التوقيف ما هو كاف لإدانة من هم في مواقع قيادية وجهادية من إشارات وإثباتات دامغة لا تقبل أي جدل".

وانتهت المصادر إلى القول: "إن تأجيل الكلام لا يعني أنّ الصمت سيطول، لكن دار الفتوى وأهلها يراهنون على دور للقضاء بالدرجة الأولى في تنفيذ ما طلب إليهم من المحكمة الدولية لتكون الحكومة البديل الآخر متى رفض المعنيون التجاوب مع الإجراءات القضائية، ولكل حادث حديث وفي الوقت المناسب".

السابق
النهار: تظاهرات أقل ومشاركة أوسع في جمعة إرحل واشنطن تنفي علاقتها بـخريطة للاصلاحات
التالي
النهار: العالم باستثناء سوريا يطالب بالتعاون مع المحكمة التحري عن المتهمين وموقف كبير لـ14 آذار غداً