دعوات صيداوية لإنتاج خطط تعيد الحركة إلى أسواق المدينة

 لم يعد خافياً حجم موجة الخسائر التجارية وتأثيراتها على السمعة الاستثمارية في عاصمة الجنوب صيدا، خلال الفترة الأخيرة، وتحديداً خلال الشهر الفائت. ولم يكن ينقصها سوى حادث أمني تمثل بإطلاق النار من قبل أكثر من عشرة مسلحين داخل أحد المراكز التجارية، التي افتتحت حديثاً. وأدى الحادث إلى أضرار مادية في واجهات المؤسسات التجارية، وفي مقتنيات وتجهيزات المراكز وسيارات المواطنين. وأرخى الركود التجاري والاقتصادي والاستثماري، الناتج عن الفراغ الحكومي، ظلاله على المدينة متسبباً بشلل تام في الأوضاع السياسية، والاجتماعية، والمعيشية والاقتصادية، التي أثقلت كاهل المواطنين، حتى بات مشهد رجل أو طفل أو امرأة قرب مستوعب للقمامة بين الأحياء، يبحثون عن أي شيء يستفيدون منه أمراً مألوفاً في صيدا. وتتهدد الأزمة مئات العمال والموظفين في المحال والمؤسسات التجارية، إن لم تتحرك العجلة الاقتصادية فيها، ما يهددها بالإقفال وصرف الموظفين.
ويؤكد أحد المستثمرين الصيداويين على أن «مجموعة من رجال الأعمال كانوا ينوون الاستثمار في عقار يقع في بوليفار الدكتور نزيه البزري (الشرقي سابقاً)، بالقرب من أحد المراكز التجارية التي افتتحت مؤخرا، حيث وصل سعر المتر المربع الواحد إلى ما بين ألفين وألفين ومئتي دولار أميركي»، لافتاً إلى أن «حجم المبالغ المالية التي كانت ستستثمرها المجموعة في صيدا كان بملايين الدولارات». ويشير إلى أنه عقد لتلك الغاية أكثر من اجتماع، وتمت زيارة الموقع «وكنا بصدد التوقيع على عقد الاستثمار، إلى أن حصلت حادثة إطلاق النار في المركز التجاري الحديث، بالشكل البوليسي والهوليوودي التي تمت فيه، فتوقف الأمر عند ذلك الحد، وطلبت مجموعة رجال الأعمال وقف العملية، وتجميد كل شيء، وغادروا صيدا باحثين عن مكان آخر يستمثرون فيه أموالهم».
ويؤكد مصدر متابع، على أن «الاستثمار في صيدا قبل حادث إطلاق النار في المركز التجاري غيره بعد ذلك التاريخ. وإذا لم يعالج الأمر من جذوره بوضع حد للتفلت، فإنه ينذر بارتفاع حجم البطالة في المدينة، وما الزيارات المتكررة إلى المركز المستهدف من قبل السياسيين الصيداويين، وأحد رؤساء الحكومة السابقين، ونواب وفعاليات صيدا، من سياسية وبلدية واقتصادية، إلا من أجل إعادة بثّ الثقة في نفوس أصحاب المؤسسات التجارية والاستثمارية ولحضهم على الاستمرار». وتؤكد المصادر على أن تلك «الزيارت والجولات تعتبر فولكلورية وفردية، كونها ما زالت قاصرة عن وضع خطة علمية واضحة تشترك فيها السياسة، مع الأمن والاقتصاد، ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي في المدينة، ضمن برنامج يكون قادراً على إخراج المدينة ومراكزها التجارية من واقعها المرير، والاستفادة من التجربة الماضية رغم قساوتها، وعدم إخضاعها لأي امتحان أمني جديد، وتحت أي ذريعة توظيفية أو تشغيلية وغير ذلك». وتشدد المصادر على أن «المطلوب اليوم، الانطلاق في خطة عمل تعيد وضع صيدا من جديد على الخارطة السياحية من أوسع ابوابها. ذلك إذا أحسن استخدام واستغلال السياحة فيها، كونها تمتلك قدرات وإمكانيات سياحية هائلة ليست متوفرة في غيرها من المدن، إضافة إلى المواقع التراثية والقلاع والحصون، ناهيك عن المدينة القديمة التي تعتبر بمجملها كنزاً مشرقياً هاماً على البحر المتوسط، ومع ذلك فإن الحركة السياحية تعتبر ضعيفة جداً في صيدا». وتلفت المصادر إلى أنه «لا يوجد في صيدا، وهي العاصمة الثالثة في لبنان، معالم اقتصادية انتاجية مشهورة وذائعة الصيت وتشغًل مئات العمال والموظفين، فلا يوجد فيها لا مطار ولا مرفا تجاري حديث (المرفأ الحالي قديم جداً ومتواضع للغاية ولا يستقبل إلا البواخر الصغيرة). ومشروع المرفأ الحديث ما زال حلماً، وحبراً على ورق منذ عشرات السنين. كما أنه لا يوجد في المدينة مصفاة للنفط أو معمل صناعي إنتاجي، بل تعتمد على تجارة العقارات من الباب العريض، وعلى التبادل التجاري اليومي والمتنوع. وكانت حتى الأمس القريب «بلد الفقير» بين المدن اللبنانية، ويعود ذلك إلى المستوى المعيشي والقدرة الشرائية لأهلها وللمقيمين فيها، ما يجعلها ربما المدينة الأرخص في لبنان».
وتشير المصادر إلى أنه «من بين الانتكاسات الاقتصادية التي تعرضت لها صيدا في الفترة الأخيرة، هو ما يحكى عمّا أصاب «شركات ومؤسسات الحريري» التوظيفية والتشغيلية إن في السعودية، أو في لبنان. الأمر الذي أثر سلباً على مجمل الحركة الاقتصادية والتجارية والعقارية، وعلى السيولة المالية بشكل لافت وكبير في المدينة، خاصة أن أكثر من 30 في المئة من اليد العاملة (وربما أكثر من ذلك بكثير) من الصيداويين يعملون في الخارج. وهم إما يعملون لدى مؤسسات الحريري وغيرها، وغالبيتهم في السعودية وثم في بقية دول الخليج. وبعد ذلك في بقية دول العالم ويضخون أمولا لعيالهم ويحركون الاقتصاد والتجارة والعقارات»، لافتة إلى أن «ما أصاب تلك الشركات من تداعيات أثًر على مجمل الوضع الاقتصادي في المدينة، وساهم في تجميد العقارات عند الحد الذي وصلت إليه، إن بالنسبة لأسعار الشقق أو بالنسبة للأراضي».
في المقابل، يلفت البعض إلى أن «وجود مخيم عين الحلوة بالقرب من صيدا، قد يكون عائقاً للنمو السياحي، والاستثماري، والاقتصادي، والتجاري بشكل عام»، ويعود ذلك لكثرة الحوادث الأمنية التي تقع داخله وانعكاساتها على المدينة بشكل سلبي. إلا أنه يوجد من يؤكد من التجار والمعنيين بالحركة الاقتصادية في صيدا على أن «الفلسطيني في عاصمة الجنوب (أكثر من مئة ألف نسمة في عين الحلوة والمية ومية وصيدا ومنطقتها)، يشكل قدرة شرائية لا يستهان بها. وينفق ما يدخره في المدينة. وهو إن سافر للعمل فإنه يرسل أمواله وجنى عمره إلى عائلته في صيدا، التي يعتاش منها ما بين 35 و40 في المئة من الفلسطينيين، والذين يحبون صيدا ويستثمرون فيها».
ونبهت المصادر من «انزلاق تجاري واقتصادي في صيدا نحو أوضاع اكثر سوداوية»، محذرة من «تداعيات احتمال إقفال عدد من المؤسسات التجارية في ظل الانكماش والجمود الاقتصاديين، اللذين يعاني منهما الجميع على حد سواء، بسبب تقلص حركة البيع وتراجعها بنسبة قياسية في الموسم الفائت رغم التنزيلات الهائلة مع بداية كل موسم، والتي تصل إلى أكثر من خمسين في المئة مع بداية الموسم، ثم تتعداها لتصل إلى أكثر من 70 في المئة أثناءه». ودعت المصادر إلى «تكثيف جهود الغيارى من رجال المال والأعمال، والتجار، والاقتصاديين الصيدونيين، والتنسيق مع الجهات السياسية وهيئات المجتمع المدني في محاولة لوضع خطط وبرامج اقتصادية سياحية تعيد تحريك العجلة التجارية في المدينة».
 

السابق
غانا المبتسمة دوماً.. لا يفارقها اللبنانيون منذ مئة عام
التالي
كيف نتعلّم أن نحبّ القنبلة: في العلوم العسكريّة