غانا المبتسمة دوماً.. لا يفارقها اللبنانيون منذ مئة عام

 غانا جارة ساحل العاج استضافت اللبنانيين أخيراً وسهلت حركة انتقالهم الفجائي من أبيدجان الى أراضيها عبر التوغو. في الأزمة العاجية الأخيرة تحمّل هذا البلد الإفريقي الأخاذ بجمال طبيعته الاستوائية برحابة صدر طلبات لبنانية لا تحصى، فالسلطات المختصة لم تعرقل حركة النازحين بل سمحت للبعثة اللبنانية بالتواجد على أرض المطار وفتحت ممراً آمناً للآتين ومدّت لهم بساط السفر الى بيروت بابتسامة طيبة تميّز أهلها.
«اللبنانيون في أبيدجان لن ينسوا معاملة غانا واستقبالها لهم»، يقول مدير عام المغتربين هيثم جمعة الذي ترأس خلية الطوارئ التي شكلتها وزارة الخارجية والمغتربين إبان الأزمة العاجية والتي قصدت أكرا ولومي وأبيدجان لتنظيم عمليات نقل اللبنانيين النازحين مضيفاً: «غانا كانت تمد يد العون الى لبنان دائماً في أيام الشدة، وهي موجودة في الجنوب منذ العام 1978 عبر قوات «اليونيفيل»، وها هي اليوم تقف الى جانبنا. ما ساعدنا أيضاً، التضامن الرائع بين أبناء الجالية هناك الذين نظموا أنفسهم عبر لجان الاستقبال والنقل الى الفنادق وكان همهم الأوحد عودة اللبناني مكرماً مرفوع الرأس الى بلده».
تعود هجرة اللبنانيين الى غانا الى العام 1884 وأول مهاجر هو ملحم شبيب من المتن، وأغلبية اللبنانيين هنا من مدينة طرابلس والمتن والجنوب. يلاحظ دخول عنصر الشباب على الهجرة الى غانا إذ أن العديد من الكفاءات الشابة اللبنانية تقصد هذا البلد تأسيساً لعمل خاص أو للعمل في شركة ما.
يتركز الوجود اللبناني في العاصمة أكرا ومدن مثل إيربوت، كانتوميت، سبينتكس، إسليفون، تيزانو، كوماسي (منطقة الأخشاب) وتاكورادي. يبلغ عددهم زهاء 7 آلاف، ولديهم 3 مدارس: مدرسة مار شربل الدولية التي تديرها راهبات القديسة تيريزا وقد جال فيها الوزير علي الشامي والوفد المرافق زائراً الصفوف ومتحدثاً الى الطلاب وعددهم 130. تقول مديرة المدرسة الأخت ماري تيريز بو راشد إن «افتتاح المدرسة جاء بناء على إلحاح من أبناء الجالية ومنعاً لتفكك العائلات بين المهجر والوطن الأم». وروت بو راشد عن تخطيط لمشاريع مستقبلية منها حضانة للأطفال وبيت للكبار في السّن، ومدرسة مهنية وسواها. وفي أكرا ايضاً مدرسة الريّان التابعة للجمعية الإسلامية ومدرسة الـ«الآي سي أس».
لدى لبنانيي غانا حسّ انتماء قوي الى بلد الاغتراب، ربما لحال الرخاء التي يعيشونها، إذ أنه من الطبيعي أن يكون في كل بيت سائق وطباخ وخدم، وهي امتيازات موجودة حتى لدى الطبقة الوسطى وتعتبر من أمور الحياة الطبيعية وليست حكراً على الأثرياء، إلا أن الدولة اللبنانية مطالبة دوماً من قبل هؤلاء بالوقوف الى جانبهم. يقول المغترب اللبناني الحاج محمد عضيمات الذي يعيش في غانا منذ 52 عاماً، وهو من طرابلس ولديه 14 شركة ومؤسسة تشغّل 1200 موظف وعامل «تحتاج الجالية اللبنانية الى حماية الدولة، ويتطلع المغتربون الى نيل حق المشاركة في القرار السياسي اللبناني».منافسة آسيوية غانا بلد أخاذ بجمال طبيعته حيث الأشجار المتنوّعة تغطي الطرقات العامة وخصوصاً في العاصمة أكرا، وهي من الدول الإفريقية المتقدّمة على صعيد البنى التحتية والخدمات، ويلاحظ الزائر أن غانا «شيء آخر» مختلف عن العواصم الإفريقية، ومن اللافت للنظر أن لها جالية اغترابية كبرى في الولايات المتحدة ويعود أبناؤها ليشيدوا منازل فخمة.
تعتبر غانا البوابة التجارية لمنطقة غرب إفريقيا بأكملها، وهي في تنافس اقتصادي مع أبيدجان، نظراً الى اختلاف الثقافة بين فرنكوفونية وانكلوفونية، وأخيراً تدور مناقشات بين البلدين حول ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، حيث تمّ اكتشاف حقول نفط في البحر وهنالك أحواض مشتركة مع ساحل العاج. يتنافس البلدان أيضاً في الثروات حيث تشتهر غانا بالكاكاو والذهب والنحاس والأناناس والمانغا، وفي غانا ايضاً جامعات ومراكز أبحاث خاصة في حقلي «الإيدز» والملاريا.
حال الجالية اللبنانية في عصر «العولمة» كحال كل المجتمعات، فالتنافس التجاري على أشدّه مع جاليات أخرى آسيوية وسواها، ومجدداً بدأت الشركات الصينية تستثمر في قطاعات طالما كانت حكراً على اللبنانيين أبرزها: صناعة مواد التجميل، الاتصالات، تجارة السيارات، البلاستيك، والمعادن، والمواد الغذائية والصناعات الكيميائية.
يساهم اللبنانيون بنواحٍ مهمة من الاقتصاد الغاني ويعتبرون جزءاً من نسيج المجتمع، وهم أدركوا عبر تاريخهم كيفية نسج علاقات جيدة مع الشعب الغاني ومع السلطات الممثلة لهم، خصوصاً الحزبين القويين: «أن دي سي» المعارض و«أم بي بي» الحاكم حالياً. وتتميز غانا بتداول السلطة والرئيس الحالي جان إيفانز أتاميليز يحكم منذ 2008، وهي من أوائل البلدان الإفريقية التي خطت خطوات كبرى نحو الديموقراطية إذ تجري فيها انتخابات نيابية ورئاسية بشكل هادئ مما يؤثر إيجاباً على تقدم البلد وتطوره أما الرئيس المؤسس فهو كواميني نيكروما وهو من جلب الاستقلال للبلد المستعمر من الإنكليز عام 1957.
المنافسة التي تقوى يوماً بعد يوم تدخل ضمن تنافس عالمي «ينبغي أن يدخل اللبناني حلبته ويتطلع الى الأمام ضمن قواعد اللعبة التجارية، وقد بدأ فعلاً بالتحوّل الى قطاعي الصناعة والتربية، واللبناني في غانا أو سواها يحتاج الى رؤية جديدة تختص بالاغتراب الإفريقي عموماً آخذة في الاعتبار الحقائق الموضوعية للتطورات العالمية على الساحة الإفريقية»، كما يقول هيثم جمعة. مصاهرة غانية لبنانية يتميز الغانيون بأنهم شعب مسالم ولم تتعرض الجالية اللبنانية يوماً الى مضايقات إلا عابرة عند الانقلاب الذي حصل أواخر عام 1979 وتسلم الجيش الحكم على أثره لكن العلاقة ما لبثت أن عادت الى طبيعتها. وعام 1981 صار الاقتصاد موجهاً ما شكل فرصة أمام اللبنانيين للتوجه الى القطاع الصناعي . لغانا علاقات دبلوماسية قديمة مع لبنان واول قائد لليونيفيل عام 1978 هو الغاني إيمانويل أرسكين، وهي تشارك بعدد من الجنود في قوات الطوارئ يصل الى حدود الـ880 جندياً وسقط لها شهداء بلغ عددهم 31 جندياً إبّان الإعتدءات الإسرائيلية المتكررة على الجنوب. تصاهر الغانيون واللبنانيون بزيجات مختلطة، وثمة نماذج عدة ومنها مثلاً أن وزير الدفاع جوزف سميث متزوج من لبنانية من طرابلس من آل الحلاب.
يقول القائم بأعمال السفارة اللبنانية في أكرا وتوغو أحمد سويدان بأن «السفارة تحضر بالتعاون مع الجالية نصباً تذكارياً عربون وفاء وتقدير لمساهمة غانا في «اليونيفيل» وسيرفع الستار عن هذا النصب (مبدئياً) في عيد الاستقلال المقبل».
السفارة اللبنانية موجودة في حيّ اوسّو الراقي وهي مقدمة من الجالية اللبنانية وقد بدأ القائم بالأعمال أحمد سويدان ورشة تأسيس حقيقية بالتعاون مع موظفيها، بعد أن كانت مهملة لأعوام طويلة سواء بالمبنى الذي ترمم أخيراً بمعيّة رئيس المجلس الوطني للجامعة اللبنانية الثقافية في غانا سعيد فخري، وتمّ لغاية اليوم تنظيم الأرشيف وتنظيم ملفات اللبنانيين المسجلين وقد بلغ عددهم 4 آلاف ملف عائلي، فضلاً عن الإعداد لقاعة اجتماعات والشروع بمكننة الملفات".
 

السابق
العربية: مقتل جنديين وإصابة 5 في انفجار الذي استهدف الوحدة الإيطالية
التالي
دعوات صيداوية لإنتاج خطط تعيد الحركة إلى أسواق المدينة