تقلص مجال المناورة

سهّل زعيما الفلسطينيين محمود عباس (أبو مازن) وخالد مشعل شيئا ما على براك اوباما وبنيامين نتنياهو. فيستطيع الرئيس الامريكي ورئيس الحكومة ان يخصصا جزءا من خطبتي القاهرة وبار ايلان الثانية، المرتقبتين في الاسابيع القريبة للتنديد بـ "الربيع الفلسطيني". لكنهما من جهة اخرى سيخطئان اذا ظنا ان المصالحة بين حماس وفتح ستحررهما من التسونامي السياسي الذي يتوقعه وزير الدفاع اهود باراك في الجمعية العامة للامم المتحدة.
سيكون في اوروبا، التي ضاقت ذرعا بتسويف نتنياهو، من يفسرون المصالحة تفسيرا ايجابيا باعتبارها تنبع من ارادة حماس الانفصال عن محور طهران – دمشق. سينضم هؤلاء الى زعماء عرب فقدوا ثقتهم باوباما، الذي تخلى عن مبارك ويترك العراق ويستسلم لاملاءات القدس. كان اوباما يستطيع ارضاء هؤلاء لو خط حلا امريكيا لا لبس فيه يقترب من موقفهم في شأن الصراع الاسرائيلي الفلسطيني. اوباما في منافسة في ولاية ثانية لكنه يستطيع برغم ذلك ان يخاطر مخاطرات محسوبة لا تضر باحتمالات ان يُنتخب وأن يزيد عناصر على تلك التي أعلنها سلفاه كلينتون وبوش.
يستطيع اوباما على سبيل المثال ان يقول ان الولايات المتحدة تعترف بدولة فلسطينية تكون مساحتها كمساحة يهودا والسامرة قبل حرب الايام الستة. وبهذا يظل مخلصا للموقف الامريكي الذي لا يعترف بخطوط 1967 باعتبارها الحدود النهائية، لكن يُحدّثها. ويستطيع اوباما ان يضيف مع المخاطرة المحسوبة ان الولايات المتحدة بحسب نتائج التفاوض ستعترف بجزء من شرقي القدس بأنه عاصمة الدولة الفلسطينية. واذا أراد اوباما ان يخاطر مخاطرة أكبر فانه يستطيع ان يعلن بأن بلاده وشريكاته في الرباعية ستمنح الطرفين مهلة محدودة لاحراز تسوية دائمة، وانها ستعلن مع عدم وجود حل متفق عليه بمخطط لتسوية دائمة.
هذه المقالات لا تبالغ كما يريد قادة اوروبا، لكن اوباما يستطيع ان يرتب اموره مع نيكولا ساركوزي وانجيلا ميركل المنشغلين بمشاكل داخلية وبأزمة اليورو، ومع الملكين الغاضبين للعربية السعودية والاردن.
استنفد نتنياهو في خطبة بار ايلان الاولى أكثر مجال المناورة الذي منحه لنفسه. والهوامش التي بقيت لا تتصل بالحدود الدائمة أو المستوطنات أو تغييرات جوهرية في القدس. إن مجال المناورة المادي هو في المنطقة (ج)، وبقي مجال مناورة كلامية ذو أهمية سياسية كبيرة.
سيخاطر نتنياهو مخاطرة محسوبة اذا شمل في خطبة بار ايلان الثانية مقالة ان اسرائيل ستطلب ان تُحدد الحدود بين الدولتين حسب اعتبارات الأمن والسكانية، أي بحسب المستوطنات وخطوط 1967 في اماكن مثل طولكرم أو قلقيلية حيث لا يوجد خيار آخر.
إن اعتراف اسرائيل بأن القدس مهمة للاسلام وللعالم العربي والفلسطينيين لا يفترض ان يسقط الائتلاف. سيبقى نتنياهو سياسيا اذا قال ان اعتبارات انسانية ستوجه حكومة اسرائيل في تفاوض في مسألة اللاجئين الفلسطينيين.
إن هذه المقالات مع اقتراح خطوات محسوسة في المنطقة (ج)، ستساعد اوباما ونتنياهو على تجنيد كتلة اوروبية تشمل نحوا من خمسين دولة. إن كتلة كهذه ستضائل الفعل الاخلاقي – السياسي لقرار في الجمعية العامة للامم المتحدة وتسد الطريق الى مجلس الامن. إن المزاوجة بين أبو مازن ومشعل تمنح اسرائيل فرصة تحسين وضعها السياسي ولا سيما اذا لم تتناول وثيقة المصالحة شروط الرباعية (التخلي عن الارهاب وقبول اتفاقات الماضي والاعتراف باسرائيل). يجب على نتنياهو من اجل احراز التحسين ان يستنفد كامل مجال المناورة وألا يكتفي بالتنديد بالمصالحة الفلسطينية.

السابق
محاربة إنكار المحرقة
التالي
يا ويلنا، تبادلنا الأدوار