وجيه قانصو يكتب ل«جنوبية»: تداول جديد للسلطة برعاية سعودية إيرانية

وجيه قانصو
يخص الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته.

لا يمكن اعتبار زيارة سليمان فرنجية للسفير السعودي، مسألة عابرة أو جزء من نشاط سعودي دبلوماسي، لتمتين العلاقة بين السعودية ولبنان. فالزيارة تحمل دلالات قوية، وإشارات تعكس التحول السعودي في التعاطي مع المشهد أو الواقع اللبناني، بصفته جزء من التحول في الأداء السياسي والاستراتيجي للمملكة العربية السعودية، على مستوى المنطقة والعالم.

الزيارة تحمل دلالات قوية وإشارات تعكس التحول السعودي في التعاطي مع المشهد أو الواقع اللبناني

هنالك انزياح تدريجي، تمارسه السعودية على أكثر من صعيد. أوله التموضع في منطقة الحياد، في الصراعات الدولية والمنافسة الاقتصادية.  فلم تعد المملكة داخل محور أو قطب دولي، بحكم المتغيرات الكبرى في العالم، التي منها تغير الصراع من التنافس الأيديولوجي والتمدد الجيوسياسي، مثلما كان حال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتي، وانتقال التنافس بين الدول إلى التنافس الاقتصادي والإنجاز التنموي والإنتاج التكنولوجي الدقيق والذكي.  ما يعني أن شكل العلاقة بين الدول، لم يعد وفق خارطة تقسيم مناطق النفوذ، أو المشترك الأمني أو حتى الثقافي، وإنما وفق النمو الإقتصادي والتطوير التقني لمرافق الحياة. أي انتقلت العلاقات من منطق الصراع السياسي والعسكري، إلى منطق المصالح المعقدة والمتشابكة ذات الابعاد المتعددة. 

لم تعد المملكة داخل محور أو قطب دولي بحكم المتغيرات الكبرى في العالم

في خارطة زياراته وشكلها تحمل الكثير من الدلالات والمعاني.  هو أداء جاء متناغما إلى حد بعيد مع زيارة وزير الخارجية الإيراني، الذي بدت زيارته لحث حلفائه اللبنانيين، بالأخص حزب الله، على تخفيض سقف التصلب وتليين الخطاب السياسي، والدعوة إلى المصالحة والتسوية.

هو أداء جاء متناغما إلى حد بعيد مع زيارة وزير الخارجية الإيراني الذي بدت زيارته لحث حلفائه اللبنانيين بالأخص حزب الله على تخفيض سقف التصلب 

هذا يعني أن الملف اللبناني، بات مدرجاً ضمن التوافق السعودي-الإيراني، لوضع معادلة توزيع جديدة للنفوذ والقوة، تسهم في كسر حالة الانهيار المستمر للاقتصاد، ويكسر الجمود الحاصل في العملية السياسية، ويخلق مساراً جديداً في تداول السلطة.  هذا لا يعني تغيير خارطة وموازين القوى في لبنان، أي هي لا تأتي لتغيير معطيات الواقع، في وضعيته المختلة والمربكة، وليس لاستعادة مشروع الدولة أو الشرعية السيادية، وإنما هو اتفاق إجرائي، وحتى براغماتي، للخروج من حالة الانسداد القائمة التي تكاد تنهي البلد، لينتقل بالتالي النفوذ الإيراني السعودي في لبنان، من وضعية الصراع والاختراق المتبادل للمواقع، إلى وضعية التنسيق والتفاهم المسبقين، حول عقد التوزيع والتسميات.

انتقلت العلاقة بين السعودية وإيران، من حال الصراع على النفوذ إلى حال تقاسم النفوذ، وهي وضعية مربحة للطرفين، بعد أن وصل الصراع بينهما إلى ذروة إشباعه، ولم يعد بالإمكان التقدم فيه خطوة إضافية إلى الأمام. هو توافق ينهي حضور النظام السوري في لبنان إلى الأبد، بل تصبح سوريا نفسها ضمن دائرة التوافق، ومعادلة التقاسم والتوزيع، بين الطرف الإيراني والسوري في المنطقة بأسرها.

يعني أن الملف اللبناني بات مدرجاً ضمن التوافق السعودي-الإيراني لوضع معادلة توزيع جديدة للنفوذ والقوة

نعود إلى زيارة فرنجية للسفير السعودي، مع قطع النظر عمن بادر بالدعوة إلى الزيارة أو طلب الزيارة، فإن هذا جزء من معادلة جديدة، بدأت تظهر نفسها تدريجياً، قوامها المقايضة والتقاسم والتنسيق المسبقين بين السعودية وإيران، حول مسار الحياة السياسية، بخاصة بعدما تبين هشاشة الحضور الأوروبي، ولامبالاة اللاعب الامريكي بخصوص لبنان. 

اللبنانيون باتوا أبعد من أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم وأن الدولة باتت أعجز عن أن تستعيد سيادتها الذاتية.

الصمت حول غرض زيارة فرنجية للسفير السعودي، يترك المشهد مفتوحاً على التأويلات المتعددة. لكن إذا وضعنا الزيارة في سياق سياسي أوسع، فإن حظوظ فرنجية بالوصول إلى الرئاسة باتت أكثر احتمالاً، أما المقايضة المقابلة لذلك، فما نزال بحاجة إلى معطيات أخرى لنعرفها. قد تكون مقايضة لصالح السعودية خارج لبنان، مثل اليمن، أو مقايضة داخل لبنان. وفي كلتا الحالتين، فإن اللبنانيين باتوا أبعد من أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم، وأن الدولة باتت أعجز عن أن تستعيد سيادتها الذاتية.

السابق
قرار لمحافظ بيروت بشأن حملة المسح الوطنية لتعداد وتسجيل النازحين
التالي
تحليل معمق: التهديد الشيعي الجديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية