أبعاد للمشهد في مجلس النواب وساحة الشهداء؟

يقول أحد رؤساء الكتل النيابية في مجلس خاص، إن ما من طرف من الأطراف الداخليين فاجأه تطور أول من أمس في ساحة النجمة، فتطيير النصاب في جلسة مجلس النواب الأخيرة أمر كان متوقعاً حصوله قبل أكثر من 24 ساعة من موعد انعقاد الجلسة. ولكن المهم من الآن فصاعداً بعد هذا المشهد السياسي، هو الأبعاد والانعكاسات والاستنتاجات السياسية المستقاة من ذلك التطور المتوقع سلفاً في المؤسسة التشريعية.

وعليه فإن أول استنتاج يخرج به المراقبون الذين يدرجون أنفسهم في خانة المحايدين بين طرفي النزاع، هو أن ثمة رغبة عارمة لدى أكثر من جهة في إبقاء البلاد على صفيح ساخن من السجال والجدال والتوتر، من دون أن يكون ذلك مقروناً برغبة في دفع الامور نحو الانفجار. وهؤلاء المراقبون يجدون ضمناً أكثر من رابط وقاسم مشترك بين المشهد الذي عاشته ساحة الشهداء في وسط العاصمة ظهيرة الأحد المنصرم، وبين المشهد الذي عرضته ساحة النجمة بعد ساعات، فكلا المشهدين يصبان في طاحونة هدف مشترك هو إبقاء الوضع في البلاد على حافة الهاوية مع الحرص الشديد على عدم الانزلاق إليها، وذلك كله في نطاق انتظار لحظة انجلاء غبار الوضع المتوتر في الساحة السورية والذي آل حكماً إلى مرحلة جديدة بعد نجاح النظام السوري في القضاء على ما كان يُعَدّ ليكون بنغازي ليبيا، أي التمرد في حي بابا عمرو في حمص القديمة.

أما الاستنتاج الثاني فهو أن اختبار ساحة النجمة الأخير وما رافقه من أحداث ولقاءات أثبت استنتاجاً كان الكثيرون يحاذرون تبنيه كثابتة أساسية في المعادلة السياسية، ومفاد هذا الاستنتاج أن العلاقة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس "تكتل التغيير والإصلاح" النائب العماد ميشال عون قد دخلت مرحلة متقدمة من الثبات والتطور الى درجة يمكن بناء الرهانات عليها، وذلك بعد غداء عين التينة الذي جمع الرجلين قبل فترة وكان فاتحة الدخول الى حل للأزمة الحكومية التي كانت قائمة وتأكل من رصيد عون ومن رصيد الأكثرية عموماً. فالجلي أن العلاقة بين الرجلين لم تتأثر بل إن بري بات حريصاً على ارسال رسائل إلى من يعنيهم الأمر بأنه يزداد تمسكاً بها واقتناعاً بأهميتها ولا سيما أن ثمة اطرافاً آخرين كانوا يراهنون على قرب عودتها إلى مربع التوتر الذي اتسمت به.
أما الاستنتاج الثالث، فهو موقف رئيس "جبهة النضال الوطني" النائب وليد جنبلاط، الذي بلغ حدود المس بوحدة الأكثرية النيابية كمعطى سياسي، متجاوزاً بطبيعة الحال البعد التقني.
وهو أمر لا شك أن ثمة من يدرجه في تطور الموقف الجنبلاطي من الوضع الداخلي والمسألة السورية، واعتناقه في الآونة الأخيرة خطاباً غير مسبوق أثار بإلحاح تساؤلات عن امكان استمرار المعادلة الجنبلاطية المعروفة والقائمة على البقاء ضمن الأكثرية الحالية ملتزماً حكومتها، مع احتفاظه بالحرية المطلقة في قول ما يريد قوله في الشأن السوري.
وإذا كان جنبلاط يدرك إلى أين يمكن أن يوصله هذا النهج التصعيدي، وما هي الأثمان المرئية والخفية التي يريدها، مع علمه أن الأمور ليست بالضرورة ضد مصلحة النظام الذي يصعّد في وجهه بشكل خرق المألوف، فإن السؤال المطروح: ماذا عن موقف "حزب الله" وحلفائه الآخرين من هذا المسار، واستطراداً : هل ما زال في مقدوره الالتزام بحدود تلك المعادلة الصعبة والحساسة أصلا، خصوصاً أن ثمة مؤشرات عن أن النظام السوري وقد بات على يقين من أنه تجاوز أزمته خصوصاً في حمص يوشك أن يبدأ تصعيداً لمستوى خطابه تجاه جزء من لبنان شعر أنه ساهم في إلحاق الأذى به في الأشهر القليلة الماضية، لا سيما بعد الرسائل القاسية التي بعث بها أخيراً إلى مسؤولين لبنانيين.

وإذا كان رفع الجلسة النيابية لمدة عشرة أيام هو في نظر المترقبين إفساح من بري في المجال لمحاولة إنتاج صيغة تسووية جديدة لموضوع الإنفاق الحكومي بشقيه القديم والمحدث، فإن للبعض استنتاجاً رابعاً فحواه أن اللحظة السياسية الحالية الداخلية والإقليمية لا تفتح الأبواب أمام الأطراف المعنيين على خيارات متعددة، فهم شاؤوا أم أبوا، أمام خيارات محدودة في المكان والزمان، فاللحظة السياسية المحيطة بلبنان ولا سيما تلك المتصلة بالحدث السوري وتداعياته، لا توحي بأن ثمة إمكاناً للمضي في الرهان على حصول تغييرات دراماتيكية تقلب المشهد وتفرض وقائع ومعطيات جديدة تكون لمصلحة هذا الطرف دون ذاك. وعليه، فإن ثمة من يرى أن الوضع القائم يشكل وإلى أجل غير مسمى، ملاذاً للجميع. ويشكل أيضاً خيمة تقيهم وتستّر عليهم.

ولا ريب أن في أوساط الدوائر العليمة في قوى 8 آذار من يتحدث عن تراجع الرهانات والآمال العريضة التي عقدها الطرف الخصم في قوى 14 آذار عن مآل التطورات في سوريا، الى حد دفعهم إلى قول ما قالوه في مهرجان 14 شباط في "البيال" حيث أنهم اطلقوا ما يشبه اليقين على أن عودتهم إلى الإمساك بزمام السلطة في لبنان مسألة حتمية وشيكة، فإذا بهم يعودون بعد شهر إلى اتباع لهجة أخرى وخطاب مختلف فيه عودة واضحة الى جوهر خطاب ما قبل اندلاع الأحداث في سوريا قبل نحو سنة.
وفي كل الأحوال فإن قوى 8 آذار لا تجد نفسها إطلاقاً في موقع المضطر إلى التبرير وتغيير الخطاب، أو إطلاق الرهانات والوعود المفتوحة على مصراعيها، على غرار ما لجأ إليه الطرف الآخر طوال الأشهر الماضية، فهي تعتبر نفسها أنها "الرابحة" من خلال أمرين اثنين: الأول أنها بقيت طوال الفترة الماضية ثابتة راسخة سواء في رهاناتها على التطورات الاقليمية أو الداخلية، فلا هي أبدت جزعاً ولا هي شاءت إطلاق الوعيد والتهديد.

الثاني إنها نجحت اخيراً في رأب الصدع الذي أصاب حكومتها في مطلع شباط الماضي وبالتحديد عندما ضرب رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بقبضته على طاولة المجلس في حركته المبالغ بها يومذاك، إن لجهة التوقيت أو لجهة الأهداف المضمرة.
وبطبيعة الحال، فإن عودة الروح إلى مجلس الوزراء واستئناف جلساته، تطور إيجابي وجد نصفه الآخر في لقاء بعبدا الأخير الذي جمع جنرالي بعبدا والرابية برعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي.
فهي لا تجد غضاضة في تفسير ضمني أعطي لهذا اللقاء فحواه أنه رد سريع على رسائل وصلت إلى من يعنيهم الأمر بأن ثمة محاولات عربية وغير عربية تبذل للإيحاء بأن ثمة سعياً حثيثاً بغية إعادة قوى 14 آذار الى الحكم بدءا هذه المرة من الرئاسة الأولى.

السابق
السنيورة: رجل كل الفصول الحريريّة
التالي
الطقس يعود إلى الصحو.. ودرجات الحرارة إلى الارتفاع