السنيورة: رجل كل الفصول الحريريّة

في تيار المستقبل شخصية محتملة دائماً لترؤّس الحكومة. باتت صورة فؤاد السنيورة أكبر من كونه قائداً، أصبح هو كل التيار. هو «تركة» الرئيس رفيق الحريري لأفراد العائلة والمستقبليين. يملك وجه التسووي ووجه المحارب، ويتقن إدارة اللعبة، مهما تبدّلت الفصول الحريرية
في فريق المستقبل الكل عرضة للنقد باستثناء رجل واحد: فؤاد السنيورة. هو «كبيرهم» وأكثرهم خبرة وإلماماً في التعامل مع الأمور. السنيورة رئيس كتلة المستقبل. المستشار الأول والأخير للرئيس سعد الحريري. المطّلع الأبرز على الأحوال التنظيمية في التيار. وجهٌ للتسوية وآخر للمواجهة. مستعدّ للجلوس مع «أصغر» المستقبليين وأكبرهم. يقود معركة نواب المستقبل و14 آذار في مجلس النواب، يديرهم نحو التعطيل وباتجاه رفع الأيدي. لا تُضبط له أي زلّة لسان في «ويكيليكس». وحين يزور كبار المسؤولين والمستشارين الأميركيين المنظّرين للصهيونية، يجرؤ على إصدار بيان لتأكيد الأمر ونشر مضمون اللقاء. يرأس اجتماعات المعارضة في وادي أبو جميل، وهناك أيضاً يستقبل 20 سفيراً أوروبياً دفعة واحدة، وفوقهم سفير أوستراليا، لمناقشتهم في «الربيع العربي» وأحوال سوريا ولبنان، وكأنه لا يزال متربعاً على كرسي السرايا.

الرئيس فؤاد السنيورة هو المعادلة الصعبة في فريق المستقبل و14 آذار. «قيمته» السياسية تجاوزت حدود علاقات أطراف السلطة والمعارضة به، حتى إنّ طلبات مساعدات السفارة السعودية للجمعيات والهيئات والأفراد في بيروت باتت لا تتحوّل من مكاتب السفارة إلى الرياض إلا بعد موافقة السنيورة عليها.
دولة الرئيس هو «تركة» الرئيس رفيق الحريري الأهم للعائلة والتيار والمشروع. إذا شاء سعد الحريري، بعد استشهاد الأب، الابتعاد عن السياسة ولم يرغب في دخول زواريبها محاولاً كسب الوقت لتعلّم المهنة، ففي إمكان السنيورة أن يكون رئيساً للحكومة بالوكالة (من عام 2005 حتى 2008). وإذا رأى سعد الحريري أنّ ثمة أموراً مالية واقتصادية وشخصية معقدّة تحول بينه وبين المعترك السياسي، وأنه لم يتعلّم الكثير طوال فترة توكيل السنيورة، فبإمكانه أن يجلس مع الأخير ويسلّمه مهمات إدارة تيار المستقبل وأهمّ ما فيه كتلته النيابية. وإذا كان فريق الرئيس الشاب عاجزاً عن صياغة الخطاب السياسي وترجمته على الأرض، يأخذ السنيورة الأمر على عاتقه، وبدل أن يصوغ وثيقة يكتب كرّاساً.
وعندما قال الرئيس الحريري، خلال مقابلته التلفزيونية مع محطة «المستقبل» عشية ذكرى 14 شباط الأخيرة، إنه والسنيورة «شخص واحد» كان صادقاً. فلا الحريري يمكنه التخلّي عن «الوكيل»، ولا الأخير له مكان وزمان خارج تيار المستقبل. وفي وجه الشبه بين الرجلين أن كلاً منهما ذرف دموعاً في العلن، لكن دموع السنيورة كانت أذكى. وبدل أن يحاول استعطاف الناس تجاه حالته كفرد ورئيس سابق، حاول تجيير دموعه نحو «شعب» كامل ومشروع سياسي كان مهدداً بالانهيار.
تقدّم السنيورة على غيره من المستقبليين، في فريقي الأب والابن، لا يكمن فقط في كونه عايش الانطلاقة السياسية لآل الحريري وتدرّج فيها من مدير مالي في مصرف إلى وزير دولة للشؤون المالية إلى وزير للمال ثم رئيس حكومة. ولا لكونه كان مؤتمناً على أدق الأسرار المالية والسياسية للرئيس رفيق الحريري، وبالطبع ليس بسبب هويته الصيداوية.
تفوّق السنيورة على جميع زملائه، على اختلاف أعمارهم ومهماتهم ومواقعهم وطوائفهم، لكونه، بحسب كثيرين في تيار المستقبل، «يعلم كيف يفصل السياسة عن التجارة». عندما وصل السنيورة إلى قيادة تيار المستقبل بعد استشهاد رفيق الحريري «تبدّل وجه التيار ولم تعد المواقف خاضعة للبيع والشراء». يقول بعض المستقبليين إنّ عهد السنيورة قلّ فيه الخضوع لمبدأ العرض والطلب السياسيّين. والذين يعلمون كيف يدير الرجل تيار المستقبل يقولون إنّ أول ما قام به «وضع حدّ لكون المستقبل شركة، فيها مجلس إدارة ورئيس ومديرون وموظفون، كما هي الحال في إدارة آل الحريري للتيار».

تحت هذا العنوان بدأت محاولات التغيير التنظيمي في التيار، وهي مستمرّة إلى اليوم تحت عباءة الأمين العام في التيار، أحمد الحريري، الذي لا يتردّد في حمل أفكاره ليعرضها في «السادات تاور».
قد تكون الظروف السياسية في الفترة السابقة ساعدت السنيورة في أسلوب عمله هذا، لكن وقائع الأمور تثبت أن هذا الأسلوب لم يتغيّر منذ عهد «باقٍ باقٍ باقٍ» في 2007 مروراً بمرحلة حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري، وصولاً إلى توكيله كل شؤون التيار بعد إقصاء الحريري من الحكم. حتى إنه بعيد أحداث 7 أيار وتسمية الحريري رئيساً للحكومة، سوّق عدد من المستقبليين لأفكار عن «خلافات الرجلين وعدم تناسب السنيورة مع ظروف التسوية»، ليعود سياق الأمور ويؤكد أن لا مجال لاستمرار الواحد من دون الآخر.

حتى اليوم، يليق هذا الدور بالسنيورة. فهو رصين يبعد عن مجالسه وفي طلّاته العلنية اللغة العصبية والهستيرية. يتحدث مع الجميع بكل هدوء وسلاسة، يشرح رؤيته لسير الأمور، ينجح في إقناعهم حيناً ويعجز حيناً آخر، إلا أنّ أهم ما في الأمر إصراره على «إبقاء قنوات التواصل مفتوحة».
موقع السنيورة في المعادلة المستقبلية تعزّز أكثر بفعل غياب «الشيخ سعد». فالرجل الصيداوي هو من يزور الشمال مخاطباً أهلها «يوم الاستقلال». وهو من سيتوجّه إلى صيدا لمتابعة التطوّرات السياسية فيها، خصوصاً مع كثرة الحديث عن الشيخ أحمد الأسير.
فؤاد السنيورة هو من سيجمع قيادة المستقبل اليوم، نواباً ووزراء سابقين ومستشارين وقياديين وتنظيميين، في بيت سعد الحريري في وادي أبو جميل، لإطلاعهم على المشروع السياسي المرحلي لتيار المستقبل. سيطرح قراءة التيار لـ«الربيع العربي»، بعدما صاغها مع سبع شخصيات أخرى وعرضها على الحريري. سيقول لهم إنّ التيار يدعم ويؤيد ويستبشر خيراً بـ«الديموقراطية الآتية إلى الشعوب العربية»، وبالنظم البرلمانية الديموقراطية التي بدأت تظهر في البلدان التي زارها الربيع العربي. سيكون السنيورة أول قيادي في قوى 14 آذار يشدد على ضرورة «التواصل مع الثورات العربية»، وهو تواصل ليس على «شاكلة» تواصل الأمانة العامة لهذه القوى مع المجلس الوطني السوري، بل سيدعو إلى حوار ونقاش وإقامة علاقة سياسية مع المعارضين العرب، والسوريين تحديداً.

سيضيف السنيورة إلى جدول أعمال تيار المستقبل دعوة إلى الاعتدال العربي، وتأكيد لطمأنة المسيحيين والقول لهم إنّ «الديموقراطية غير مخيفة ولن تؤثر على وجودكم وحريتكم وحرية معتقدكم».
وفي الملف اللبناني، سيؤكد السنيورة نقلاً عن الوثيقة أنّ شعار إسقاط السلاح «باقٍ باقٍ باقٍ»، وأنّ من مسلّمات التيار احترام لبنان للمجتمع الدولي والتزامه القرارات الدولية، وأنّه لا مهرب من العيش المشترك وتطبيق الطائف والعودة إلى الدولة. وجرياً على عادته، سيدعو قيادة المستقبل إلى «الصبر» والعضّ على الجرح، ويختم كلمته بـ«ندعو الله»، من دون أن يفتح باب النقاش أمام أي من الموجودين.

بين الشيخ والرئيس

ثمة فوارق كبيرة بين فؤاد السنيورة وسعد الحريري. الأول يستيقظ «قبل الضوء». مولع بمتابعة التفاصيل. لا يبذّر. عندما وصل الرئيس رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة عام 1992، كان السنيورة يريد منه أن يدعو الناس إلى شد الأحزمة، وأن يعدهم على طريقة ونستون تشرشل، بالدماء والدموع، لكن الحريري فضّل وعود الربيع المقبل. يُرهق السنيورة فريق عمله بمتابعة كل «شاردة وواردة»، لكنه لا يترك شيئاً لغيره: يقرأ كل التقارير. ونادراً ما يترك مركز عمله. ومعظم سفراته مرتبطة بعمل، سياسياً كان أو تجارياً. يكتب خطبه بنفسه. تسعفه في ذلك ثقافة واسعة، ولغة عربية سليمة. أما سعد الحريري، فلا يقرأ، ولا يكتب، ولا يجيد تلاوة ما يُكتب له إلا بمشقّة كبيرة. وهو قليل التركيز، و «ما إلو خلق» على حد وصف بعض عارفيه، و«على الطريقة السعودية، اعتاد الاستيقاظ في وقت متأخر». يعتمد على المستشارين في كل شيء، ولا تهمه سوى الملخّصات. يضجر من قضاء وقت طويل في لبنان، وفي مكان عمله «القرنة المفضلة» لديه هي «غرفة السيغار»، لكن المشترك بين فؤاد السنيورة وسعد الحريري هو النظر إلى القوانين: كلاهما يتصرف كما لو أن تخطيها أسلوب عمل عادي. وأفضل مثال على ذلك، موظفو الحريرية في الدولة: من عبد المنعم يوسف إلى خالد قباني، مروراً بسهيل بوجي، ووضع شعبة المعلومات. وقس على ذلك.

السابق
أنان الى سوريا الجمعة… والاسد يؤكد الاستمرار بالاصلاح ومكافحة الارهاب
التالي
أبعاد للمشهد في مجلس النواب وساحة الشهداء؟