حرب سوريا تلفح وجه لبنان بقوة بعد ميثاق داعش والنصرة

ما فرقته بعض الرؤى والخلافات على تحديد الأهداف، جمعته مصلحة مشتركة بمواجهة “عدو” في عقر داره. الدولة الاسلامية، وجبهة النصرة، ومجموعة من الكتائب الاسلامية المعارضة للنظام السوري، وقعت “ميثاقا” ينظّم حربا أعلنتها على حزب الله وأنصاره في لبنان.

الوثيقة التي انتشرت نسخة عنها على مواقع التواصل الاجتماعي، لم تتضمن تاريخا محددا جرى فيه التوقيع، الا ان بعض الوسائل الاعلامية سلطت الضوء عليها في اليومين الماضيين. ما يترك باب التساؤل مفتوحا حول الجهة التي قامت بالتسريب، والغاية منه، ولصالح من؟

بغض النظر عن ذلك، قد يكون أخطر ما في الموضوع، “إعلان الحرب” على لبنان بشكل صريح. فالأراضي اللبنانية أضحت بشكل رسمي هدفا لغزوات يقوم بها تحالف التنظيمات المذكور. غزوات حدد أهدافها بأسر عناصر من حزب الله، ومن مناصريهم كذلك، رجالا ونساءا. دون أن يُغفل الاشارة الى الغنائم التي يمكن أن يظفر بها، والتي قسمها الى “غنائم عسكرية، ومعدات ثقيلة، وغنائم عامة”.

عين إذا على ترسانة حزب الله من سلاح طالما لوّح به في وجه اسرائيل. (ترسانة يُقال بان معظمها موجود في قرى البقاع، خاصة بعد تطبيق القرار ١٧٠١، عام ٢٠٠٦.) وعين أخرى على فتح ممرات تكسر حصار جبهة القلمون. ذلك ان المرء ليس بحاجة الى خبرة عسكرية ليرى بوضوح أن “احتلال” بلدات على طول الحدود اللبنانية السورية، يصل القلمون بالقنيطرة، ويضيق الخناق بالكامل على الجيش النظامي وحلفائه في دمشق، ويقلب المعادلات على الأرض.

هل هذا ما تريده فعلا تلك الفصائل مجتمعة؟ أو بالأحرى، هل تقف “طموحاتها” عند هذا الحد؟ أم أن الوصول الى بيروت وضاحيتها الجنوبية هو عنوان المرحلة المقبلة، كما ذكر أحد مقاتلي “الدولة الاسلامية” في شريط فيديو نشر كذلك على “اليو تيوب”؟طبعا باستطاعة التنظيم أن يحدد الاهداف التي يريد، لكن هذا شيء، وما يمكن أن يجري على الأرض شيء آخر.

على الأرض، توجد في لبنان أعداد هائلة من النازحين السوريين، قد لا يهتم لمصيرهم مقاتلو “داعش”، على عكس شركائهم في التحالف من كتائب اسلامية أخرى وعلى رأسها “جبهة النصرة”. وهذا كان جليا لدى متابعة الطريقة التي تم بها تعامل الطرفين مع أحداث عرسال الأخيرة. إذ كان هناك ما يوحي بان النصرة تحاول تجنيب النازحين السوريين أي ردات فعل انتقامية يمكن ان يتعرضوا لها. ومن هنا يمكن المراهنة على أن التفكير جديا باجتياح واسع للمدن قد يكون مستبعدا، أو على الأقل، مؤجلا في هذه المرحلة.

ولكن ماذا عن البلدات التي أطلقت عليها الوثيقة اسم ” القرى الرافضة وبعض قرى النصارى وغيرهم في لبنان”؟ التوعد باستهداف هذه القرى بدا واضحا مع التركيز كما ذكرنا على “أسر أكبر عدد ممكن من الحزب أو الرافضة رجالا ونساءا، وقتل كل من يزيد عمره عن ١٥ عاما ويحاول المقاومة” في المقابل يعطي الاتفاق “الأمان” لكل شخص لا علاقة له بالحزب ويلتزم بيته، وينسحب ذلك على “النصارى والطوائف الأخرى”.

هذه اللغة المستخدمة في الوثيقة، يبدو ظاهرها محاولة للموازنة بين طريقة تعاطي” النصرة” الأقل تشددا (اعطاء الامان) ، و “الدولة الاسلامية” الأكثر تشددا ( القتل وأسر المدنيين). أما باطنها، فيعكس سياسة التخويف والبروبغندا أو الدعاية. تهويل للبيئة “الشيعية” الحاضنة لحزب الله، وقد خاض الحزب الحرب السورية تحت حجة حمايتها والدفاع عنها؛ والدعاية التي يأمل أن يحصل من ورائها على تعاطف من البيئة “السنية” اللبنانية في تلك المناطق.

رسائل اذا وجهت للمدنيين القاطنين في المناطق التي تنوي تلك الفصائل استهدافها. ليس واضحا ان كانت تراهن على “دق اسفين” بينهم وبين الحزب، في محاولة لدفعهم باتجاه الضغط عليه من الداخل للانسحاب من سوريا. لكن هناك رسالة أخرى قد تكون أكثر وضوحا تم توجيهها الى الجيش اللبناني. اذ اتفقت الفصائل على تجنب استهدافه، رامية بالتالي الكرة في ملعبه باختيار الحياد أم المواجهة.

شكل المواجهة المحتملة وحدودها سيعتمد بالتأكيد على المنحى الذي سيتخذه الجيش. وهنا أيضا أكثر من معضلة، على رأسها شغور كرسي رئاسة الجمهورية اللبنانية، وبالتالي تعطيل المجلس الأعلى للدفاع، الذي يجب أن يعود اليه اتخاذ قرار الحرب. بالطبع، القيادة تملك حق القرار، وللمخابرات دور أيضا، لكن “للعناصر” هذه الايام قدرة على قلب الموازين لا يستهان بها، إذا ما ضربت عرض الحائط مقولة “نفذ ثم اعترض”، وأصغت الى دعوات بالانشقاق تلعب على الوتر المذهبي.

عدا عن “الشعب والجيش”، ستكون الأنظار معلقة بالتأكيد على “حزب الله” اللاعب الاساسي المستهدف بالدرجة الأولى. كيف سيرد الحزب على اعلان الحرب هذا؟ وهل سيمسك بزمام المبادرة أم أنه أصبح في موقع الدفاع لا الهجوم؟ هل سيضطر الى اعطاء الاولوية للدفاع عن بيته الداخلي، بشكل يمكن ان ينعكس سلبا على حليفه السوري، أم أن قدراته تمكنه من خوض المعارك على أكثر من جبهة بفعالية، كما قال منظروه عقب أحداث بريتال الأخيرة؟

وماذا عن جبهة الجنوب؟ وسائل الاعلام المحسوبة على حزب الله، أشارت خلال المواجهات الاخيرة، الى دور اسرائيلي داعم لفصائل المعارضة السورية على جبهة القنيطرة. طبعا لم يتم التأكد من ذلك، لكن الأكيد أن عين اسرائيل لن تنام عما يجري على حدودها، فماذا سيكون موقفها في حال تطورت المواجهات؟ ماذا عن ايران؟ كيف ستساعد “وليدها الشرعي” في مواجهة هذا التحالف المستجد؟ هل ستزيد دعمها له في لبنان، أم تزيد عبء مشاركتها له في سوريا لتعطي نخبته مجالا للتفرغ في لبنان؟ وأخيرا، ماذا عن لبنان “الدولة” ومقولة النأي بالنفس التي يبدو انها لم تعد تكفي “ورقة تين” في ظل التطورات المتلاحقة؟

قد تكون الاجابة على هذه التساؤلات غير واضحة الآن، غير أن الواضح أن نقاش اللبنانيين وخلافهم حول من يملك قرار الحرب أو السلم، قد تخطاه زمن “الدولة الاسلامية والنصرة” آخذا منهم المبادرة.

السابق
تكريم تلامذة ثانوية حاصبيا الرسمية
التالي
البرلمان البريطاني يستعين بـ«القطط»!