ترسيم الحدود اللبنانية السورية وصولاً الى فلسطين المحتلة.. «شيطنة» الابراج البريطانية نموذجًا

في اطار المساعي الدولية، للوصول الى نزع فتيل التوتر الحاصل، بين لبنان وإسرائيل بعد الثامن من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، يسعى المجتمع الدولي، الى ايجاد فرص لتسوية الصراع، ومنع تمدده بين لبنان وإسرائيل، بعد أن أعلن “حزب الله” بأن مشاركته على الجبهة الجنوبية للبنان، من اجل مساندة غزة ومنع الجيش الإسرائيلي من الاستفراد بها، وإعاقته وإرباكه.

يسعى المجتمع الدولي الى ايجاد فرص لتسوية الصراع ومنع تمدده بين لبنان وإسرائيل

الحدود اللبنانية الاسرائيلية
الحدود اللبنانية الاسرائيلية

المبادرات الدولية لنزع فتيل التوتر

ظهرت للاعلام مبادرات دولية مختلفة، والتي كانت اخرها زيارة المبعوث الامريكي لشؤون الطاقة آموس هوكستين، الذي اتى الى لبنان بتاريخ 1 آذار/مارس الحالي حاملًا شبه مبادرة، تسعى لتهدئة الجبهة المشتعلة، على يتم تطبيقها على مراحل.

وقبله، كانت مبادرة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه بتاريخ 6 شباط /فبراير الماضي، حيث طرح مبادرته القائمة، على تعزيز قدرات الجيش اللبناني بالعدد، وتزويده بالعتاد وتطوير قدراته البشرية واللوجستية، حيث تم توسيع عديد الجيش الى اثني عشر او خمسة عشر الف جندي برعاية وتجهيز فرنسي، مع زيادة عديد القوات الفرنسية الى سبعمئة عنصرًا، يقومون بالحماية والرعاية لتطبيق القرار 1701.وكانت فرنسا قد أجلت المؤتمر الدولي بتاريخ 27 شباط / فبراير الماضي، الموجه لدعم الجيش اللبناني وتعزيز قدراته، لتحمّل مسؤولياته في المرحلة المقبلة، لا سيما تطبيق القرار 1701، بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية.

تقوم الخطة على ترسيم الحدود البرية اللبنانية الاسرائيلية برعاية الامم المتحدة ويتم الانسحاب من مزارع شبعا وتسلمها للقوة الالمانية

وهناك اقتراح عرضته المخابرات الالمانية، من خلال توجهها الى دولة الكيان، ودعت وزيرة الخارجية الالمانية أنالينا بيربوك، بتاريخ 10 كانون الثاني /يناير الماضي من لبنان، لتسويق الخطة وتنفيذها، والتي تقوم على ترسيم الحدود البرية اللبنانية الاسرائيلية برعاية الامم المتحدة، ويتم الانسحاب من مزارع شبعا وتسلمها للقوة الالمانية، ريثما يتم الاتفاق على قانونية وشرعية المزارع، بين سورية ولبنان.

قصف اسرائيلي الجنوب
القصف الإسرائيلي على الجنوب

الابراج البريطانية لتنفيذ القرارات الدولية

كذلك كان رئيس الحكومة البريطانية السابق، ديفيد كاميرون، قدم اقتراحات حول كيفية إرساء التهدئة في جنوب لبنان، في سياق زيارة له إلى لبنان مطلع شباط/فبراير الماضي، من بينها تعميم نموذج أبراج المراقبة على الحدود الجنوبية، لضمان تنفيذ واحترام القرار 1701، ومراقبة أي مظاهر مسلحة على الجانبين في عمق معين، على أن تكون تحت إشراف القوات الدولية (اليونيفيل) المنتشرة في جنوب لبنان، بحسب الاعلام اللبناني.

الأبراج البريطانية

ولكن وسائل إعلام مقربة من “حزب الله” هاجمت المقترح البريطاني، معتبرة أنه “خدمة لأمن إسرائيل على حساب لبنان”، ومحاولات “ترهيب وترغيب” ل”حزب الله” من أجل وقف عملياته العسكرية. وهو ما أوحى بارتباط الاحتجاج السوري المستجد على الأبراج، بالمقترح البريطاني المقدم.

وسائل إعلام مقربة من “حزب الله” هاجمت المقترح البريطاني معتبرة أنه “خدمة لأمن إسرائيل على حساب لبنان

فالاعتراض السوري على الأبراج البريطانية، المبنية في السلسة الشرقية عبر المذكرة الرسمية المرسلة للخارجية اللبنانية، والتي تحاول خلق ازمة لبنانية داخلية في لبنان، بناءً لطلب “حزب الله” المعترض على اقامة الابراج وبايعاز ايراني، الذي لا يريد ضبط حدود “الهلال الشيعي” الممتد من طهران حتى بيروت، لاحداث ارباك واضح في المجتمع الدولي، في كيفية التعامل مع تطبيق القرارات الدولية

الشكوى السورية على الابراج البريطانية

أرسلت الدولة السورية بتاريخ 25شباط /فبراير الماضي، اعتراضاً رسمياً للدولة اللبنانية على دور الأبراج البريطانية، المنتشرة على حدودها الغربية مع لبنان. وبحسب الشكوى التي قدّمتها وزارة الخارجية السورية إلى نظيرتها اللبنانية، فإن هذه الأبراج هي مواقع استخبارية عسكرية، تستطيع كشف ما يحدث على الأراضي السورية، حتى عمق كبير يصل إلى مدينة القامشلي في داخل الأراضي السورية. صحيح أن هذه الأبراج، وفرّت رؤيا للجيش اللبناني حتى مسافة 65 كم على طول الحدود، لكنها في الوقت نفسه، جعلت الأرض السورية مكشوفة للعدو الصهيوني، والذي ينفذ بين كل فينة وأخرى، اعتداءات يتم فيها استهداف مراكز محددة وشخصيات أغلبها من المستشارين الإيرانيين، وأفراد من المقاومة، ومواقع حساسة داخل العمق السوري.

أرسلت الدولة السورية اعتراضاً رسمياً للدولة اللبنانية على دور الأبراج البريطانية المنتشرة على حدودها الغربية مع لبنان

إلا أن الرواية المنقولة عن الجانب السوري لأسباب الاحتجاج، تتحدث عن إدراج معدات جديدة ضمن تجهيزات أبراج المراقبة، “تتضمن أجهزة تشويش وتنصت، تغطي مساحات واسعة من العمق السوري تصل إلى نحو 80 كلم”، وفق ما ينقل المحلل العسكري عمر معربوني.

فكان السؤال الأبرز الذي طرح في لبنان في الأسابيع الماضية، خاصة وأن إنشاء تلك الأبراج وانطلاق العمل بها، يعود إلى أكثر من عشر سنوات مضت، لم تشهد أي اعتراض، وهو ما فتح الباب أمام الكثير من التحليلات للخطوة السورية وأبعادها، والهدف المرجو من إثارة الملف في العلن، وعلى مستوى دبلوماسي رسمي، في هذا التوقيت بالذات.

تتضمن أجهزة تشويش وتنصت تغطي مساحات واسعة من العمق السوري تصل إلى نحو 80 كلم

ابراج المراقبة

الهدف من تكرار تجربة الابراج البريطانية في الجنوب

لكن فحوى الاحتجاج الذي تناقلته وسائل إعلام لبنانية، فإن المتهم الرئيسي في هذا الملف، إلى جانب لبنان، هو الحكومة البريطانية، التي تعتبر عرّاب مشروع الأبراج الحدودية، وراعية تجهيزها والتدريب على استخدامها، حيث جاء إنشاؤها بالتزامن مع الهجمات الإرهابية، التي تعرض لها لبنان عبر حدوده مع سوريا منذ عام 2013، لمساعدة الجيش اللبناني في عملية ضبط الحدود ومواجهة عمليات التسلل والتهريب.

وفيما طالبت المذكرة الحكومة اللبنانية بالتوضيح، واتخاذ الإجراءات اللازمة “لحماية الأمن المشترك”، لم يعلن الجانب اللبناني بعد عن أي رد رسمي في هذا السياق، باستثناء تعليق صحفي مقتضب لوزير الخارجية اللبناني، عبد الله بو حبيب، أكد فيه أن لبنان “لا يقبل بأن تشكل هذه الأبراج أي أمر عدائي تجاه سوريا”، مذكراً أن الهدف منها يقتصر على مراقبة الحدود ومنع التسلل والتهريب.

طالبت المذكرة الحكومة اللبنانية بالتوضيح واتخاذ الإجراءات اللازمة “لحماية الأمن المشترك” لم يعلن الجانب اللبناني بعد عن أي رد رسمي في هذا السياق

ويتساءل البعض بشأن قرار الدولة السورية، إثارة هذه القضية في الوقت الحالي، والذي جاء بعد 12 عاماً على بناء هذه الأبراج، في العام 2012، بعد ان فتحت الحدود وتدفق الارهابين الى لبنان، وسيطرة الميليشيات الإيرانية على الحدود، التي باتت منفذًا للمهربين وتجار المخدرات. وذلك لأن الإدارة السورية تعلم بما لا يقبل الشك، أن هناك من يتطلع على عملها، وبالتالي فقد طلبت الدولة السورية من خلال المذكرة التي أرسلتها، الإطلاع على المعلومات التي يحصل عليها لبنان عن الداخل السوري، مما سيعطي السوريين الحق بالتعامل بما يتناسب مع الخرق الذي تتعرض له، ويفتح المجال أمامها، من أجل تحصين أمنها الإستراتيجي والمعلوماتي الداخلي، وكشف المعلومات التي تحصل عليها الأبراج، وتحديد كيفية استفادة العدو الصهيوني منها.

برج بريطاني للتجسس في السلسلة الشرقية

لقد أنشأ البريطانيون 38 برج مراقبة محصن من طراز SANGARS، وذلك في نقاط الجيش اللبناني المنتشرة على الحدود السورية في السلسلة الشرقية، ويوفر كل مرصد منها رؤية بنصف قطر 360 درجة لمسافة 10 كيلومترات.

فأن هذه المنطقة الفاصلة بين لبنان وسوريا – حيث تم نصب المراصد البريطانية – يُستفاد منها لمراقبة سهل البقاع، وطريق بيروت الشام الذي كان يُعتبر عند السوريين، خطًا أحمرًا في كافة معاركها وحروبها مع إسرائيل، لقربها من الشام” مما يمنع عبور السلاح الايراني الى لبنان.

تم نصب المراصد البريطانية – يُستفاد منها لمراقبة سهل البقاع وطريق بيروت الشام الذي كان يُعتبر عند السوريين خطًا أحمرًا

فالتفسير الشائع للاحتجاج السوري على الأبراج البريطانية، بأنه متصل بالتحفّظ من قبل حلفاء النظام السوري اللبنانيين، على الاقتراح البريطاني القاضي بناء أبراج مماثلة على الحدود الجنوبية بين لبنان وإسرائيل، في إطار وقف إطلاق النار بين “حزب الله” والجيش الإسرائيلي، بمسعى أميركي- فرنسي- أوروبي.

بالوقت الذي تعتبر فيه أنّ دمشق على علم منذ بداية بناء هذه الأبراج منذ العام 2012، وبدعم بريطاني علني، بهدف مساعدة الجيش اللبناني على مراقبة الحدود، لا سيما عبور مجموعات إرهابية من سوريا إلى لبنان في تلك المرحلة، وخصوصاً في مرحلة سيطرة تنظيم “داعش”، على مناطق واسعة من بلاد الشام، فإنّها تأخّرت أكثر من عقد من الزمن، في الاعتراض على إقامتها، مما يعني ان ايران هي وراء المذكرة المتاخرة لافشال المساعي الغربية . فحجّة استفادة بريطانيا منها لتزويد إسرائيل بالمعلومات منها، إذا صحّت، مرّ عليها الزمن. وهذا كافٍ للاستنتاج بأن الهدف شيء آخر.

موقف الجيش اللبناني من الابراج البريطانية

بحسب الجيش اللبناني، بأنه لا وجود لضباط بريطانيين في هذه الأبراج. قوى الجيش وحدها هي التي تتواجد فيها وتتنقّل في دوريات روتينية بينها. إيحاء الرسالة بأن وجود البريطانيين يؤدي إلى تزويد إسرائيل بالمعلومات، عن التحرّكات على الأراضي السورية لا يستقيم في هذه الحال.

وأن المناظير والكاميرات التي جرى تركيبها في الأبراج، يستخدمها الجيش لمراقبة مسالك تهريب البضائع والبشر بين البلدين. وتكشف على الرغم من تطوّرها، بضعة كيلومترات من الأراضي السورية وليس “إلى مسافات عميقة” في العمق السوري، كما أوحت رسالة الاحتجاج. ويتمّ تشغيل الكاميرات إما من قبل العسكريين الموجودين فيها، ويتمّ التحكم بها عن بعد من قبل الجيش وحده.

بحسب الجيش اللبناني بأنه لا وجود لضباط بريطانيين في هذه الأبراج

وعلى مدى السنوات الماضية، كانت تصدر مواقف وحملات بين الفينة والأخرى، من الأوساط الإعلامية القريبة من “حزب الله”، ضد إقامة هذه الأبراج، تارة لأنها تتيح مراقبة نقاط الحدود اللبنانية السورية “لمحاصرة المقاومة”، وأخرى بحجة أنها لتدويل المطالبة بمعالجة مشكلة الحدود بين البلدين، من أجل ترسيمها، في إطار مساعٍ توسيع تطبيق الـ1701، نحو الحدود اللبنانية السورية.

أهمية الابراج في مكافحة التهريب والجريمة

ووفق معلومات أوردها موقع الجيش اللبناني، فإن أبراج المراقبة المقدمة من بريطانيا، والتي تمّ تشييدها على الحدود اللبنانية السورية منذ العام 2012، مجهّزة بوسائل اتصال وكاميرات مراقبة، وقد مكّنت الجيش اللبناني وتحديدا أفواج الحدود البرية، من تغطية ما يقارب خمس وستين بالمئة من الحدود، بعدما كان قد درّب عليها أكثر من ستة آلاف، من عناصر الوحدات الخاصة في الجيش.

مكّنت الجيش اللبناني وتحديدا أفواج الحدود البرية من تغطية ما يقارب خمس وستين بالمئة من الحدود

ويندرج تشييد الأبراج في سياق الدعم البريطاني للجيش اللبناني، عبر تقديم تجهيزات ومعدات عسكرية، جرى تسليمها إلى ألوية الحدود البرية، من ضمنها آليات ودروع للأفراد وأجهزة لاسلكية وسواتر دفاعية، وكاميرات مراقبة بعيدة المدى، وذلك بهدف منع ورصد وضرب كل العمليات غير الشرعية عبر الحدود.

فإن هذه الأبراج لعبت دوراً رئيسياً في مساعدة الجيش اللبناني، على مراقبة القوى الظلامية التي اجتاحت بلدة عرسال البقاعية وتتبعها، كما ساهمت في تحقيق النصر الكبير، الذي أنجزه الجيش اللبناني في معركة “فجر الجرود” في العام 2017.

بالاضافة الى ان هذه الابراج، منعت عمليات التهريب المدعومة من الجانب اللبناني والجانب السوري، بعد فتح الحدود واستباحتها من قبل المليشيات المنتشرة في الاراضي السورية، والعصابات التي حولت الاراضي السورية الى أماكن خاصة بها، و تجارته الخاصة وصناعة الكبتاغون، وإبعاد السكان الأساسيين عن منازلهم وقراهم.

المصدر الأمني يؤكد أن “حزب الله” تمكن من إجبار الحكومة اللبنانية على رفض هذا الاقتراح على اعتبار أن الغاية من بناء هذه الأبراج قد تكون لمراقبة الداخل اللبناني

لكن عقب عملية “طوفان الأقصى”، تقدمت بريطانيا بعرض لإقامة أبراج على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، شبيهة بالأبراج على الحدود مع سوريا، غير أن المصدر الأمني يؤكد أن “حزب الله” تمكن من إجبار الحكومة اللبنانية على رفض هذا الاقتراح، على اعتبار أن الغاية من بناء هذه الأبراج قد تكون لمراقبة الداخل اللبناني، وبالتالي كشف تحركات الحزب على الحدود الجنوبية، وإيصال المعلومات عنها إلى العدو الاسرائيلي. ولكن المساعي الدولية والعربية تسعى جاهدة من اجل حماية لبنان، وعدم تركه ورقة عبور للمصالح الايرانية للتهديد.

السابق
إمام جمعة طهران يواجه فضيحة فساد «مليارية»
التالي
برفقة الشاعر شوقي بزيع..سهرة ثقافية «مشوقة» في «جنوبية»