الوسيط الأميركي في بيروت يقدم مغريات لـ«حزب الله»

آموس هوكشتاين

لم يخرج الذين التقوا المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين بانطباع بأن طبخة التسوية الخاصة بوقف العمليات الحربية بين إسرائيل و”حزب الله” باتت جاهزة، لكن الأكيد أن هناك محاولة أميركية جدية لإيجاد الحل الدبلوماسي، لضمان انسحاب اتفاق الهدنة في غزة، والجاري العمل للتوصل إليه، على الجبهة الشمالية لإسرائيل.

وتؤكد مصادر سياسية، شاركت في لقاءات هوكشتاين أن موفد الرئيس الأميركي أراد جس نبض الحزب قبل التوجه مجدداً إلى تل أبيب، وهو كرر في كل لقاءاته أن الأولوية هي لوقف الحرب بأي صورة من الصور حتى لو كان الممر تنفيذاً جزئياً للقرار 1701، والاستعداد لتقديم حوافز لـ”حزب الله”، ومن ضمنها تحسين الوضع الاقتصادي للمناطق الجنوبية عبر إعادة تحريك ملف التنقيب عن الغاز والفيول جنوباً، والمساعدة مجدداً في استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، معززاً هذا الاقتراح بإدراج وزير الطاقة حبيب فياض، للمرة الأولى، ضمن جدول لقاءاته في بيروت.

وإذا كانت زيارة المسؤول الأميركي قد اختلفت هذه المرة بالصورة لناحية تضمنها لقاءات مع المعارضة، فإن ما رشح منها لا يوحي بأي تطور قد يؤدي إلى اتفاق قريب، خصوصاً أن الوسيط الأميركي لم يأت بأي ضمانات من إسرائيل، بل أراد تطمين الحزب، وأخذ ضمانات منه لإقناع إسرائيل. واللافت في الزيارة أن الوسيط الأميركي لم يوح إلى أن إدارته قادرة على منع إسرائيل من توسيع الحرب باتجاه الجنوب ما لم يبدأ “حزب الله” بإجراءات جدية، أولها وقف الهجمات من الجانب اللبناني، وهو مثل الفرنسي قبله حمل، هذه المرة، رسالة واضحة أن حكومة بنيامين نتنياهو جدية في تهديداتها، وأن وضع هذه التهديدات في خانة التهويل فقط هو رهان خاطئ، ودعا الجانب اللبناني إلى عدم الاستخفاف بها.

وقد عبر عن ذلك بوضوح بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري، لنقل الرسالة إلى الحزب، عندما قال “إن التصعيد ليس في مصلحة أي طرف، وليس هناك شيء اسمه حرب محدودة. والتصعيد لن يساعد لبنان في إعادة البناء والتقدم في هذا الوقت المهم في تاريخه، ووقف إطلاق النار بطريقة موقتة ليس كافياً، والحرب المحدودة ليست واقعية، ولا يمكن احتواؤها، وأي هدنة في غزة لن تمتد بالضرورة تلقائياً إلى لبنان”.

وأكدت مصادر مقربة من عين التينة (مقر مجلس النواب)، أن الحزب لم يقدم رداً نهائياً وأعاد ربط الساحة الجنوبية بتطورات الأمور في غزة، لكنه، في المقابل، أبدى استعداداً للبحث بالأفكار أو الحوافز الأميركية، لكن ليس قبل الهدنة في غزة، محملاً الوسيط الأميركي رسالة مفادها بأن استمرار الحرب هناك يعني استمرار المواجهة في جنوب لبنان.

جديد الزيارة الثالثة في الشكل

وعلى رغم تأكيد مصادر عدة شاركت في لقاءات المبعوث الأميركي أن الزيارة الثالثة كانت تحذيرية أكثر من كونها حاسمة، فإنها اختلفت في الصورة عن سابقاتها إذ لم تقتصر على الفريق السياسي المؤيد لـ”حزب الله”، بل تنوعت لتشمل بصورة منفصلة الحزب “التقدمي الاشتراكي”، من جهة، من خلال زيارة قام بها هوكشتاين إلى منزل النائب السابق وليد جنبلاط بحضور رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب تيمور جنبلاط والنائبين مروان حمادة ووائل أبو فاعور، ولقاء آخر مع وفد نيابي من قوى المعارضة التي اقتصر تمثيلها على الفريق المسيحي من حزبي “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وحركة “تجدد”.

وكشفت مصادر نيابية في المعارضة عن أن اللقاءات حصلت بعد اعتراضات عدة بلغت الإدارة الأميركية عبر سفارتها لدى بيروت عن استثناء فريق كبير من اللبنانيين في زيارات الموفد الأميركي واستماعه إلى وجهة نظر واحدة لا تختصر وحدها الموقف اللبناني من التطورات السياسية والأمنية في لبنان.

وإذا كان جديد الزيارة تمثل في الصورة عبر لقاء هوكشتاين قوى من المعارضة، مع تسجيل غياب المكون السني ونواب “التغيير”، بطلب أميركي تجنباً للدخول في الانقسامات بين المجموعات المتعددة لهم، فإن البارز في المضمون أن الاجتماع عكس تبايناً بين الموفد الأميركي وقوى المعارضة في ما يتعلق بالنظرة إلى الحل الدائم للبنان الذي ينطلق من القرار الدولي 1701.

كواليس لقاء هوكشتاين مع المعارضة

ولخصت مصادر نيابية زيارة الموفد الأميركي بأنها تهدف إلى تسجيل إنجاز للرئيس الأميركي جو بايدن قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية بأن الحرب لن تتوسع في الشرق الأوسط بناء للجهود الدبلوماسية التي بذلتها إدارته.

وكشفت مصادر نيابية في المعارضة عن أن أولوية الوسيط الأميركي هي في إيجاد تسوية تؤمن وقفاً للحرب على حدود إسرائيل من دون أي بحث في مرحلة ما بعد هذا الحل، وتفيد المصادر بأن هوكشتاين يريد وقف إطلاق النار على أن يصار إلى فكفكة المشكلات الأخرى تدريجاً، وأن تنفيذ القرار الدولي 1701 يمكن أن يترك للمرحلة الثانية بحسب رأيه خصوصاً ما يتعلق منه بسلاح “حزب الله” الذي ليس الأولوية بالنسبة للوسيط الأميركي طالما توصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار، ولا يمانع بأن يبقى السلاح مكانه حالياً أو بعيداً بضعة كيلومترات عن الحدود، ولكن بضمانات مؤكدة من الحزب تنص على عدم استخدامه.

وكشف النائب ميشال معوض (نائب معارض) لـ “اندبندنت عربية”، عن جزء مما دار في لقاء المعارضة مع هوكشتاين، وقال إن بعض النواب سألوا الوسيط الأميركي عن الضمانات المتعلقة بعدم تكرار سيناريو الحرب مجدداً إذا لم يتم التوصل إلى الحل الدائم، كما حصل بعد عام 2006 حين أخفق المجتمع الدولي في فرض تنفيذ الـ 1701 فكانت النتيجة تعزيز الحزب ترسانته العسكرية واستمرار الخروقات الإسرائيلية، وتحويل الساحة اللبنانية إلى ورقة في يد إيران. فكانت الإجابة بأن أبدى هوكشتاين تفهماً لهواجس قوى المعارضة لكنه لم يتردد في التشديد على أن الأولوية هي حالياً وقف إطلاق النار ووقف الاعمال الحربية بين إسرائيل و”حزب الله”.

في المقابل، أصرّ نواب المعارضة الذين التقوه على أن أي حل لا يمكن إلا أن يبدأ بتنفيذ القرار الدولي بشكلٍ كامل، وطالبوا بأن يتزامن وقف إطلاق النار في الجنوب وتراجع “فرقة الرضوان” (فرقة تابعة لحزب الله) بضع كيلومترات صوب شمال نهر الليطاني، مع انتشار فوري للجيش اللبناني.

ماذا عن الرئاسة؟

وعن الملف الرئاسي، كشف النائب جورج عدوان (ناب معارض في تكتل الجمهورية القوية – القوات اللبنانية) لـ “اندبندنت عربية”، عن أن الحديث عن الاستحقاق الرئاسي مع هوكشتاين لم يدم أكثر من 30 ثانية خلال لقاء نواب المعارضة، وجاء من باب الحث على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية تحضيراً لمرحلة الاتفاق على الحدود البرية ما بعد مرحلة أولى تنص على وقف إطلاق النار منعاً لتوسيع الحرب.

وعندما سأل هوكشتاين عن حلٍ سحري لحصول الانتخابات، أجابه عدوان بالتأكيد على أن “الحل الوحيد بأن نذهب إلى جلسة مفتوحة بدورات متتالية وانتخاب رئيس”.

وذكّرت المعارضة الوسيط الأميركي بموقفها المتقدم المسهّل عبر الاستعداد إلى الانتقال إلى الخيار الثالث والحل الوسط، مقابل رفض الفريق الآخر ذلك. ووفق مصادر نيابية، فإن هوكشتاين أوحى في ردّه إلى أن الفريق الآخر سيقبل بالنهاية بالخيار الرئاسي الوسطي.

السابق
ذبيان سعد في جلسة تصوير استثنائية لجنيفر لوبيز في دبي
التالي
الأمين: ثلاث شخصيات لعبت دوراً بحل الإشكالية الاسلامية والشيعية