الأمين: ثلاث شخصيات لعبت دوراً بحل الإشكالية الاسلامية والشيعية

جزم رئيس تحرير الموقع علي الأمين "بأن المسألة الشيعية في لبنان هي مسألة لبنانية تعني كل لبناني، وأنها في وجه من وجوهها معضلة مارونية وسنية ودرزية"، متطرقاً الى "مسيرة ثلاثة شخصيات مرجعية على مستوى الفقه والفكر والتجربة السياسية، رحلت عن هذه الدنيا، لكنها لعبت دورا فاعلا ومتفردا في الانهماك ببلورة خطاب لبناني وبحل اشكالية الديني والسياسي على المستوى الاسلامي العام والشيعي".

مواقف الأمين جاءت خلال ندوة “مراجع الشيعة وقضايا الوطن الجامعة” في مهرجان الكتاب في انطلياس، الخميس في 29 شباط الماضي، حيث اختار أن يتم توقيع كتاب “قصاصات العلامة السيد” للعلامة السيد محمد حسن الأمين في جناح مؤسسة “الف ياء للنشر” بالتعاون مع مؤسسة “جنوبية”.

قدم الأمين شكره ” للحركة الثقافية – انطلياس على الكدح المعرفي والثقافي والوطني، وهو كدح نابع من ايمان عميق بدور الثقافة والمعرفة في الاعلاء من شأن الانسان، وادراك عميق لأهمية ذلك في رفد القضية الوطنية بنبض الحياة والارتقاء”.

وقال:”لا بد في هذه الايام القاسية والدموية على فلسطين ولبنان، ان نؤكد انحيازنا للشعب الفلسطيني الذي يتعرض لابادة جماعية من قبل الاحتلال الاسرائيلي، ورفضنا لكل هذه الاستهانة بحق الانسان في الحياة والحرية وفي حق الشعب الفلسطيني بتقرير مصيره، كما ان لبنان الذي يتعرض لعدوان اسرائيلي متماد يفترض منا كلبنانيين ان نقف في وجه العدوان ليس برده عسكريا وحسب، بل بتحمل مسؤوليتنا في الدفع نحو اعادة الاعتبار للدستور والقانون، من مدخل انتخاب رئيس الجمهورية، الذي يعبر الفراغ الرئاسي وما يمثله من انتكاسة وطنية، عن سعي دؤوب من قبل المعطلين للانتخاب الى دفع لبنان نحو مزيد من التدهور والانهيار، وبادراك عميق لضرب هذا الكيان الذي مثل منذ تأسيسه عنوان الحرية والتعليم والمعرفة ومختبر الحوار في ابعاده الحضارية والانسانية، على رغم كل الجراح التي اثخنته ولم تستطع ان تنل من جوهر وجوده”.

أضاف:” تناول الحركة الثقافية لموضوعة “مراجع الشيعة وقضايا الوطن الجامعة” ليس تعديا ولا تجاوزا، بل هو فعل مسؤولية وطنية وشعور عميق بأن المسألة الشيعية في لبنان هي مسألة لبنانية تعني كل لبناني، انطلاقا من ان اللبنانيين معنيون في انجاز اتحادهم الوطني، من موقع الشراكة التي لا تعفي اي مواطن من الالتزام بشروطها، كذا هي القضايا التي تمس الوحدة الوطنية، لا يمكن ان تتحول الى شأن انفصالي، بذريعة الخصوصية التي لها مجالها وحدودها”.

مقاربة موضوعة “مراجع الشيعة وقضايا الوطن الجامعة” تبقى مسألة شائكة

وتابع:” ان مقاربة موضوعة “مراجع الشيعة وقضايا الوطن الجامعة” تبقى مسألة شائكة تتداخل فيها عناوين منها ما هو فقهي ديني، واجتماعي سياسي، ومنها ماهو وطني يرتبط بالكيان الذي انخرط الشيعة فيه عند تأسيس دولة لبنان الكبير، اسوة ببقية الطوائف، على رغم بروز اعتراضات لم تخل باجماع الطوائف المؤسسة للبنان الدولة على الانضواء فيه والتسليم لشروطه السياسية والوطنية”.

ورأى الأمين أنه “لا ريب في ان الاجماع كان مشروطا بالضرورة، على البناء والانجاز، وتحدي التطور والنمو، وعلى مزيد من تبلور الهوية الوطنية، كل ذلك في سياق دستوري وقانوني، ومسار اقتصادي، يجعل من الدولة اللبنانية ذات وجود فاعل ومؤثر، في السياستين الداخلية والخارجية، بما يخدم العلاقة بين التنوع الداخلي انضباطه في اطار الدولة، وتثمير التنوع العلاقة مع الخارج بما يوفر المصلحة العامة، والوحدة الداخلية”.

وقال:”نحن في لبنان اليوم، ازاء الانهيار والتحلل غير المسبوقين على مستوى مؤسسات الدولة، بسبب طغيان واستحكام الميليشيوية والمافيوية بمفاصل السلطة، وتحولهما الى نظام بات استمراره مهددا لوجود لبنان الوطن لا الدولة فحسب، من هنا المسألة الشيعية في لبنان هي في وجه من وجوهها معضلة مارونية وسنية ودرزية، سواء من جهة كونها حلقة مركزية ترتبط بحلقات اخرى في الطوائف الاخرى، او لجهة كونها نموذجا قابلا للعدوى ولطموح التمثل من قبل آخرين على ضفاف الطوائف او في صلبها.بالتالي لا يمكن مقاربة المسألة الشيعية في لبنان من خارج الاسئلة المتصلة بالهوية الوطنية اللبنانية وتمثلاتها على مستوى الانتماء وبناء السلطة في دولة سويّة ملتزمة بتعريفاتها البديهية في حقها باحتكار العنف المشروع”.

أضاف:”على اننا ونحن نقارب المرجعيات الشيعية ودورها في القضايا الوطنية الجامعة، اجدني مشدودا الى استحضار ثلاثة شخصيات مرجعية على مستوى الفقه والفكر والتجربة السياسية، رحلت عن هذه الدنيا، لكنها لعبت دورا فاعلا ومتفردا في الانهماك ببلورة خطاب لبناني وبحل اشكالية الديني والسياسي على المستوى الاسلامي العام والشيعي بشكل خاص اول هذه المرجعيات هو رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله (توفي عام ٢٠٠١)، الذي يمكن اعتباره من ابرز المشتغلين على المستوى الديني، على صوغ رؤية لبنانية من موقع انتمائه الشيعي، الشيخ شمس الدين الى جانب كونه مفكر هو فقيه عمل على انجاز اطروحة فقهية في الرد على اطروحة ولاية الفقيه العامة، من خلال كتابه الذي صدر بعد وفاته “ولاية الامة على نفسها” وهي اطروحة فرضتها اشكالية المشروع السياسي والديني الايراني خارج ايران، وخلص في مبحثه ان لا احد في هذا العالم له ولاية على احد الا بما يقرره الطرفان او بما يقتضيه العقد الاجتماعي الذي تقوم عليه النظم السياسية”.

وتابع:”ولعل تجربة شمس الدين التي كانت تنأى به عن الانزلاق نحو العصبية الطائفية او الشعبوية كان بارعا في التقاط عصب وحدة الامة ونبذه النزعة الأقلوية، حين قال “في العالم العربي والاسلامي ليس هناك اقلية واكثرية، هناك اكثريتان، اكثرية عربية فيها مسلمون ومسيحيون، واكثرية مسلمة فيها عرب وغير عرب” وبذلك كان يعتبر الشيعة عموما ينتمون للاكثريتين العربية والاسلامية …وكانت وصايا الامام شمس الدين في نهاية حياته رسالة واضحة لجهة تحذيره من انزلاقهم نحو تبني مشاريع خاصة، بل دعى الى اندماجهم في مجتمعاتهم، وهي رسالة في عمقها تطال كل مكونات لبنان وكل محاولة لخلق شروخ بين اقلية واكثرية في المجتمعات العربية”.

وأردف:”يبقى ان نقول ان شمس الدين بقي على طول الخط صاحب اطروحات رسخت في التجربة اللبنانية تراثا لبنانيا غنيا في محاولات ترسيخ الانتماء اللبناني للشيعة وفي بلورة طروحات وطنية كانت القمم الروحية خلال مرحلة التسعينات احد ساحاتها التي ترك في بياناتها بصمات لبنانية لا تمحى”.

وأشار الأمين الى أن “السيد محمد حسن الأمين القاضي المفكر والشاعر، (توفي عام ٢٠٢١) كان السيد الامين منشغلا الى جانب انشغاله بالقضاء الشرعي في قضايا وطنية وقومية مثلت المقاومة الفلسطينية وتفاعله معها عنوانا بارزا منذ بداية حياته اتاحت له فرص غنية للتفاعل مع تيارات قومية ويسارية ووطنية فرصة الاطلالة على منجزات فكرية وثقافية ساهمت في بلورة شخصيته الدينية بابعاد جديدة لم تكن مألوفة لدى الغالب الاعم من علماء الدين الشيعة، وهو الى ذلك كان نسيج ذاته في تأكيد استقلاليته كمفكر وشاعر وعالم دين، مهجوسا بالحرية التي ساهمت شاعريته في ترسيخ هذا المفهوم الذي عمل على تأصيله دينيا وفكريا وترجمه في مقارباته السياسية وفي مقاربة العلمانية من موقع اسلامي . وهو الى هذا كان بارعا في نقد سلطة الحق الالهي في الاسلام وكتب كثيرا في التمييز بين الدين والمؤسسة الدينية، وبين الدين والفكر الديني “.

كان من اشد المعارضين لمشروع اسلمة المقاومة معتبرا ان المقاومة هي فعل نهضة وطنية

وقال:”كانت مساهماته الفكرية والميدانية عميقة في مقاربة المسألة القومية والمسألة الدينية والتمييز بين المجالين اللذين احتل التصادم والصراع فيما بينهما مساحة زمنية طويلة ، ولعل السيد الذي اقام في مدينة صيدا لاكثر من عشرين عاما عنوانا لتجربة لبنانية اغناها التنوع الاجتماعي والديني الذي مثلته خذه المدينة ومحيطها، فكان ان اضاف بحضوره المتعدد بعدا في التجربة اللبنانية الوطنية غنى ترجمه في سياق مواقفه وطروحاته الفكرية والسياسية، الى ذلك كله كان شديد التركيز بالربط بين مشروع المقاومة كمشروع وطني لبناني ونهوض الدولة وترسيخ قيم الحرية والعدالة في المجتمع، وهو كان من اشد المعارضين لمشروع اسلمة المقاومة معتبرا ان المقاومة هي فعل نهضة وطنية وهذا دورها الجوهري في مواجهة اي احتلال . وكان من ابرز رموزها في الجنوب اللبنانب في مرحلة الثمانينات الى حد انه اعتقل من قبل قوات الاحتلال وابعد خارج الجنوب في صيف العام ١٩٨٤”.

أضاف:”كانت علاقة الامين بالتنوع اللبناني علاقة عميقة في الفكر والرؤية وفي المجتمع وفي الحضور المباشر بعيدا عن المجاملات. المساهمات التي قدمها في حل اشكالية العلاقة بين العلمنة والدين وفي المواطنة وفي الفصل بين الانتماء الديني العقيدي وبين المجال السياسي العام كمجال اختلاف وتنوع وخيار فردي.لذا كان معارضا لولاية الفقيه العامة وعلى رغم دوره في مناصرة الثورة الاسلامية في ايران منذ ما قبل انتصارها، ودوره المعروف على هذا الصعيد، الا انه لاحقا عاد وترك مسافة معها بعد انتصارها بسبب نزعة التبعية التي حكمت علاقة النظام في ايران، واقامت مشروعها على الغاء الخصوصية الوطنية والقومية”.

لبنانية السيد هي نتاج نضال وخبرة عميقة في الاسلام وفي افكار اليسار في التيارات القومية وفي اليمين والتقليد

ولفت الى أن “السيد هاني فحص (توفي سنة ٢٠١٤) كان السيد هاني المعلم التلميذ ، دائم التعلم يروي تجاربه ويرتقي بها في سلم الحياة، فالسيد هاني يعرف عن كثب فلسطين والعراق وسوريا وايران وافغانستان والفاتيكان ومصر ..زار هذه الدول وغيرها وقبل ذلك وبعده صار وكان لبنانيا بكل معنى الكلمة، السيد ينطبق عليه بامتياز صفة الباحث عن ذاته وهي ذوات كل من عرفه والتقى به ولو لبرهة”.

وقال:”لبنانية السيد هي نتاج نضال وخبرة عميقة في الاسلام وفي افكار اليسار في التيارات القومية وفي اليمين والتقليد، عرف الجميع وعرفوه وكان لبنانيا الى الحد الذي زار كل قرية لبنانية على امتداد الوطن يعرف اللبنانيين جميعا وباختبار مباشر بكل امزجتهم وتقاليدهم يعرف عن المسيحية اكثر من كثير منهم وكذا عن الدروز، ولعله من اكثر رجال الدين الذين يعرفهم اللبنانيون وتعرفوا عليه”.

هي مرجعيات بعيدة جدا عن الشعبوية والعصبية الدينية والمذهبية

وختم:”المرجعيات الثلاث الآنفة رغم اختلافها تميزت بلبنانية عبر عنها انهماكهم ببلورة افكار وطروحات فرضها وجودهم فيه وانتمائهم الديني العميق للاسلام والتشيع، هي مرجعيات بعيدة جدا عن الشعبوية والعصبية الدينية والمذهبية بل تجافيها هي مرجعيات نهجت نهج الوحدة في نتاجها الفكري وسلوكها الاجتماعي والسياسي، هي مرجعيات خلصت في نهاية اعمارها الى ايمان عميق بلبنان”.

السابق
الوسيط الأميركي في بيروت يقدم مغريات لـ«حزب الله»
التالي
قانصو: المكون الشيعي استثناء.. ومتحرك بثوابته وبديهياته