شوقي أبي شقرا..«سنجاب يقع من البرج»

شوقي ابي شقرا

الشاعر اللبناني شوقي ابي شقرا، يطلّ علينا بكتاب قديم أصدره في النصف الأول من القرن الفائت “سنجاب يقع من البرج”، وتتولى “دار نلسن للنشر” في بيروت إصداره بطبعة جديدة.

هذا الكتاب لأبي شقرا هو واحدة من تجاربه الشعرية المميزة. تجربة رسخت مسار قصيدة النثر في الشعر العربي وفي مدار الحداثة.
ما زال شاعرنا ابي شقرا مواظباً على كتابة القصيدة (الخاصة) التي ميزته، كشاعر متفرد، وأصدر عدة كتب شعر حديثة في السنوات الأخيرة، وتميزت هذه الأشعار بخصوصيتها وتفردها في بناء شكل ومضمون القصيدة.
قصائد سوريالية كتبها الشاعر، ومنذ انطلاقته الأولى، حافظ على تلك التجربة الشعرية الخاصة، وسار بها على نحو متطور وفاعل وخاص،وعلى قصيدة “سوريالية بلدية”، جعلت تجربته قدوة لأجيال شعرية عاصرته ، وأجيال تلته.

ابو شقرا لا يزال مواظباً على كتابة القصيدة (الخاصة) التي ميزته كشاعر متفرد وأصدر عدة كتب شعر حديثة في السنوات الأخيرة

واستفادت التجارب الشعرية الحديثة من تجربة الشاعر ، وكانت بمثابة علامة فارقة، داخل اللغة نفسها،ما رفع منسوب تفردها،ومدى قدرتها بالتأثير على التجارب المجايلة، من حيث دلالاتها التحويلية في الكتابة الشعرية الحديثة.


مقتطفات شِعْرية من الكتاب:
( سنجاب يقع من البرج )
خلقْت أصْفر منْ شرْب الْعسل والْحبْر. ركضْت في الْجبال. تدحْرجْت إلى الْهاوية فوفّقني الله.
لا شوْك في الْغمائم. هي ورْدةٌ عاليّةٌ. أمْسكها في الْحفْلة الراّقصة والْعرْس وشمّ الْهواء.
أعلّم الْقطيع ركوب الدّراّجات الْهوائيّة ليسْبق الذّئاب والسّيّدة الْأرسْتقْراطيّة.

شوقي ابي شقرا
شوقي ابي شقرا

ابْنة عميّ راعيّةٌ في الْمتْحف. أخْتي تتزحْلق، تجرّ في طريقها الثّلْج والْمباريات الرّياّضيّة. ابْنها عشْبةٌ. أميّ صخْرةٌ أقْطع عليْها النّهْر.
أخْتصر الْفنْدق فيصْبح زهْرةً. أفْتح شرْشفها وثيابها الداّخليّة. أصوّر قنْديلاً. أنْقش خرافة فتاةً، تقع تحْت الصّليب، تمصّ غدّتها فراشةٌ

استفادت التجارب الشعرية الحديثة من تجربة الشاعر وكانت بمثابة علامة فارقة داخل اللغة نفسها ما رفع منسوب تفردها

يوْم الْجمعة الْعظيمة أجْمد أمام الصّليب. أصْبح صابونةً.
الْموسيقى تجْعل قلْبي أحْمر.


أطْبع أغاني أعلّقها في حنْجرة مطْربةٍ يهْزأ بها الزّبائن. يضْربونها بالْكراسي فتبْلع ريقها.
حدثتْ أعْجوبةٌ. طارتْ عنْزتي بدلْو الْحليب. أخذتْ معها الصّور والْأقْلام.
مات ابْنها السّكْران. ذهب غيْر واعٍ إلى الْقبْر. بكتْ عليْه، ذابتْ عصاها. شاهد الْعلماء صراخها يرْكض كالثّعْلب خلْف الْكواكب.
أرْتفع على قشّةٍ نحْو النّوافذ أطْفئ قنْديل شهْر الْعسل.
ترْكع جدّتي تذريّ الْبرْغل. الْحبوب تبْقى والريّش يطير كالْأطْفال إلى بيْتٍ آخر. تلْحقه كالساّحرة بالْمكْنسة، تصْنعه مخدّةً لوالدي. هو يبْرد إذا لمْ ينمْ عليْها.
أشْقر كالتيّن الْمطْبوخ، انْتحرتْ لجماله النّساء الْبيض والزّنْجياّت. تزوّج ولفّ أميّ بكبوّته الداّفئ فخلقني وصار يضْربني لأنيّ كسرْت الْمرْآة. والْمرْآة عالمٌ أبْيض نفْتل الشّوارب فيه.
أكل الثّعْلب ديكنا الْأحْمر فركض الْهمّ على ثياب جدّتي. شهقتْ منْه شهْقةً عظيمةً علّقتْ في صدْرها كالْأيْقونة حتىّ الْوفاة.

إقرأ ايضاً: اندلاع حريق في انبوب نفط في المنية.. والنار التهمت مخيّماً للنازحين

مطْبخها ينْفجر بالْخضر الطاّجزة والْبندورة الْحمْراء والرّماّن الْحامض. وخبْزها أشْقر ارْتوى من الصاّج. يأْكله الْجياع ويتدفّأون عليْه.
تلْمع في جدّتي غمامة الشّتاء والْموْز. صدْرها حانوتٌ تطْمر فيه الليّرات الْعثْمانيّة والْمجيدياّت، بجانب ثدْييْها اللّذيْن أرْضعا جيل عائلتي. لا تغْسل أسْنانها. لا تحْضر الْأفْلام. ترى رأْس الْإبْرة وهْي في نفقٍ أوْ قصْرٍ مهْجورٍ.
سنْجابٌ يقع من الْبرْج
ضفْدع أخْضر الْمجْهول
إفْتحْ أظافرك مرْوحةً
لتخْدش الْحياة
في بطْنها
ألْكلّ يشْهدون
أنّك سكْران تزول
أنّك ضفْدعٌ
تخاف الْغول
رجْلاك رخْوتان كاللّبن
وتتْركان بقعاً
في أخْضر الْمجْهول
(الْغلْطة)
ألشّمْس حمارةٌ في الْحساب. كلّ مساءٍ تغيب وتقع في الْغلْطة ذاتها.
(زنْدي تشْرين الْأوّل)
الْأحد هرب من الْخوريّ كالْعنْزة. وأسْرعْت أرْبطه والْجرس طنّ طنّ طنّ. ولماّ جاءتْ حبيبتي واشْتعل الْقداّس كان زنْدي تشْرين الْأوّل وعرقي في الْجرْن الْمقدّس وكانت السّماء عصْفورةً وخيْطاً.
(ناي الْوادي)
النّسيم التّقيّ الشّيْخ، فتح مدْرسةً في كعْب الْوادي. مثْل قيْثارةٍ يهبّ ومثْل نايٍ يكْتب. وتحييّه سمْعاً وطاعةً للْأمير أوْراق الْحور والدّلب في قبّعتي ودفاتري والشّرابة في طرْبوش الْباشا.

السابق
اسرائيل تواصل إجرامها في غزة..ارتكبت 10 مجازر خلال 24 ساعة!
التالي
مربو المواشي في القرى الحدودية..معاناة مع النزوح و«سنابل» تمد يد العون