حارث سليمان يكتب ل«جنوبية»: «ما في حدا»!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

كيف يكمل شعب لبنان حياته، ولمن يتوجه اي لبناني لحل اي معضلة، او التصدي لاية ازمة، او لتأمين اية خدمة، او المطالبة بنيل حق؟!

“ما في حدا”! … تقول فيروز “لا تندهي ما في حدا، عتم وطريق وطير طاير عل الهدا، بابهن مسكر و العشب  غطى الدراج، شو قولكن صاروا صدى”؟!

من ينظم هذه الغابة التي نعيش فيها ولأي جهة نتوجه من نطالب  ومن نستعطف او نترجى

هل أصبح اللبنانيون كشعب صدى لزعمائهم الذين احلوا نكبة غير مسبوقة بهم، وهل اصبح حكامهم اصداء تردد رجع اصوات مصالح المنطقة ودولها، وأصبحت أحزابهم السياسية مجرد وكلاء لقوى خارجية تنفذ ما يملى عليها، وتحولت نخبهم لصناعة خطابات التبرير والتبهير والتزوير، بعيدا عن البحث في مصلحة وطن، او مصير شعب، أو  مستقبل أجيال… او حق انساني؟

من ينظم هذه الغابة التي نعيش فيها، ولأي جهة نتوجه، من نطالب  ومن نستعطف او نترجى، لكي لا نتجرأ على القول من نُسائل او من ندين ؟! 

فعادة في اسوأِ انواع المجتمعات وأبلغها تخلفاً، يتحكم بمصائر الناس الجهة الاقوى، الأكثر بطشا، والأكثر مهابة، ونحن نسلم جميعا بأن “حزب الله” هو الطرف السلطوي الأقوى والأكثر تنظيما، فهل هو المسؤول عن مصائرنا، وهل هو الذي يخطط لمستقبلنا، وهل هو الطرف الذي علينا أن نتوجه له لكي نطلب منه حل ازماتنا، او تأمين خدماتنا او تحصيل حقوقنا؟! او على الأقل الرأفة بنا، او تركنا وشأننا نعيش من كدنا وزرعنا وعرق جباهنا، هل يحكمنا فعلا حزب الله، وهل هناك من عقد ولو شفهي او عُرفِي بيننا وبينه، بين الحاكم والمحكوم، بحيث يقدم المحكوم الخضوع والامتثال، فيما يُقدِّم الحاكم حسن التدبير او سوئه، ويُؤَمِن سلامة الرعية، ومأكلها ومشربها ومسكنها، وهي امورٌ اقلُ ما يقدِّمُها أي حكم عبر التاريخ، اي ما يقدمه سيد لعبيده، او إقطاعيُ الأرض ومالكها لأقنانه؟

هل يقبل “حزب الله” بانْ يَكونَ مسؤولا عن شعب لبنان، ويتصدى لحلِّ ازماتِه وتأمينِ متطلباتِ معيشتِه وتسيير أمور دولته وسُلطاتِه ؟! 

الأرجح انَّ “حزب الله” لا يعتبر نفسه كذلك، فهو يتحكم بمصائرنا، ويتمسك بتفاصيل  حيواتنا، دون ان يقبل بان يكون مسؤولا عنا، او مرجعا يعود إليه تحصيل حقوقنا، او حفظ أمننا أو تسيير مرافقنا.

في مرحلة سابقة زمن الوصاية السورية، كانت الأمور محددة واضحة، والوظائف مُقَسَّمَةً، كان على الرئيس رفيق الحريري ان يدير الاقتصاد، ويتدبر امر المال والرواتب انتاجا واستثمارا واستدانة، وكان على النظام الامني السوري اللبناني ان يضبط التوازنات السياسية ويكُمَّ افواهَ المعارضين، ويبدِّدَ ايَّ فعلٍ سياسي تغييري، وان يَحفظَ إستقرارَ  النظام السياسي، ويُشْرِفَ على تسييرِ مؤسساتِ السُلطة وإعادةَ انتاجِها، وكان على “حزب الله” ان يُقاتِل اسرائيل ويشاغلها طبقا لرأي الممانعة وبازاراتها.

حزب الله” لا يعتبر نفسه كذلك فهو يتحكم بمصائرنا ويتمسك بتفاصيل  حيواتنا دون ان يقبل بان يكون مسؤولا عنا

 الأمر لم يعد كذلك، خاصة بعد إعتكافِ سعد الحريري، وايقافِ عمَلِهِ السياسي و الإمتناع عن المشاركة أو الإمساك بالسلطة، وبعد تعفف “القوات اللبنانية” و”الكتائب” عن المشاركة في الحكومة، وبعد إدارة دول الخليج لأنظارِها عن لبنان ومشاكِلِه وأزماتِه. 

والأمر لم يعد كذلك ايضا، بعد ان تم توهين وإضعاف النظام الأمني اللبناني السوري، وإخراجه من حيز الفعل السياسي المباشر، لكي يخضع لأصحاب النفوذ السياسي والامرة الطائفية.

تلك الأطراف جميعها، فعلت ذلك بسبب خيارات “حزب الله” وسياساته وبأسه وتفرده وسلوكياته…

نعم لقد وصلنا الى هنا لأنه، لا رغبة لمعارضي “حزب الله”  بإدارة الحيز الذي يهمله “حزب الله” من صلاحيات الدولة ومهامها، ولا قدرة لهم ان يمارسوا عنوة عن الحزب هذه الصلاحيات وينازعونه اياها، ولا رغبة للحزب ولا قدرة او معرفة لديه، باشغال الحيز اليومي من مصالح الناس وخدماتهم وأمنهم وتعليمهم، وسبل ابواب أرزاقهم وأعمالهم…

لا رغبة لمعارضي “حزب الله”  بإدارة الحيز الذي يهمله “حزب الله” من صلاحيات الدولة ومهامها

 كأن الناس في لبنان منذورين ليكونوا أرقاما لا قيمة لها، وان لا يحسبوا إلاّ جمهورا في مشهدية تأبين شهيد، أو كحشدٍ يُصفقُ ويهتفُ لكل مستكبر، او انصارا يُستَجمَعون لشدِّ عضد أي زعيم.

الناس متروكون في بوادي القلق، مهملون خارج وجدان اي حاكم، ويائسون خاضعون لظلامات المجهول، ومنهوبون ماضيا وحاضرا ومستقبلا، لا اجور عادلة يحصلون عليها ان كانوا يعملون، بعضهم يجوعون، وفئة أخرى تتالم وتئن من اوجاع المرض وتموت بصمت، وفئة ثالثة تهذي وتكلم نفسها دون هدف او أمل… ولا من يَسألَ او يُسأل…

لم يكن ينقص هذه البلاد السائبة، ومساحة الخراب في كل اتجاه، سوى فتح حرب جديدة، على نار هادئة ثم مشتعلة، وتاليا مضطرمة ومتجددة، قيل انها “مساندة واشغال” لنصرة غزة، قد تستأهل غزة كل دعم واسناد، طبعا، لكن ماذا عن الناس في لبنان والجنوب، ماذا عن الذين اجبروا على ترك منازلهم وأرزاقهم، وجنى أعمارهم، إلى من يلجأون بأي جهة أو مرجعية يلوذون؟!

  اعلن الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله ان البيوت سيعاد إعمارها، وقدر الرئيس نبيه بري خسائر لبنان في الجنوب بمليار ومائتي الف دولار اميركي، حسنا من سيدفع كلفة الاعمار؟! الدولة التي تمزقت اشلاؤها شبيهة باحياء غزة، وخزينتها شبيهة بابراجها المتهاوية.. فمجموع رواتب كل موظفيها في القطاع العام حوالي ٨٠٠ مليون دولار سنويا…

لم يكن ينقص هذه البلاد السائبة ومساحة الخراب في كل اتجاه، سوى فتح حرب جديدة على نار هادئة ثم مشتعلة وتاليا مضطرمة ومتجددة

معنى ذلك ان خسائر الناس في جنوب لبنان، وما زلنا في لجة المعركة، يتعدى ضعف ونصف ضعف أجور كل العاملين في دولة لبنان! الناس في لبنان هم القضية فمن يتولى أمرهم، من يرفع ضيمهم ومن يعيدهم إلى بيوتهم ويعمرها؟

 والامر واضح، “ما في حدا لا تندهي ما في حدا”…

السابق
مساع أميركية جديدة لـ«خفض التوتر» جنوباً..وطهران «تُهدّىء» الجبهة العراقية لـ«إسترضاء» بايدن!
التالي
الحائط مسدود.. ماكرون والسيسي يدخلان على خط المواجهات بين لبنان واسرائيل: لتجنب التصعيد