المحطة الأخيرة: تحديات العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح وسيناريوهاتها

نتنياهو

طلب رئيسُ الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من الجيش الإسرائيلي تقديم خطة لإخلاء السكان والنازحين من رفح في جنوب قطاع غزة من أجل تنفيذ عملية عسكرية فيها. ويأتي هذا الطلب في سياق الحديث الإسرائيلي عن التخطيط لعملية عسكرية واسعة في مدينة رفح الفلسطينية كجزء من تحقيق أهداف الحرب المتمثلة في القضاء على البنية العسكرية لحركة حماس، وتحرير الأسرى والرهائن الإسرائيليين. غير أن هذه العملية تُواجه تحديات ومعيقات كثيرة، سياسية وعسكرية وإنسانية.

الأهداف والدوافع

أعلن نتنياهو، في التاسع من فبراير 2024، أنه أمر الجيش بتحضير خطة لعملية عسكرية في رفح تشمل إخلاء السكان من المدينة الواقعة في جنوب غزة على الحدود مع مصر. وقد برّر نتنياهو العملية في رفح بأنها “المعقل الأخير” لحركة حماس، وتضم أربع كتائب عسكرية لها، وأنه لا يمكن تحقيق “النصر الساحق” -وهي العبارة التي يكررها في الآونة الأخيرة- من دون القضاء على هذه الكتائب العسكرية. علاوة على ذلك، برّر نتنياهو العملية بأنها سوف تدفع إلى تحرير الأسرى والرهائن، وضمان بقاء غزة منزوعة السلاح. ومع أن نتنياهو أشار إلى أنه أمر الجيش بتحضير خطة للعملية، إلا أن الجيش الإسرائيلي لديه، في الواقع، خطة حاضرة لاجتياح مدينة رفح منذ ثلاثة أسابيع. وتشير المصادر الإسرائيلية إلى أن نتنياهو يطمح لإنهاء عملية رفح قبل حلول شهر رمضان في مارس المقبل.

تتكون العملية العسكرية من مرحلتين: الأولى، العمل على إخلاء سكان المدينة والنازحين فيها والذين يصل عددهم إلى نحو 1.4 مليون نسمة، وبعدها تنفيذ عملية عسكرية. ويكمن التحدي الأساسي للعملية في تحديد المكان الذي يُمكن للسكان النزوح إليه، وقد طُرح خيار إمكانية عودتهم إلى شمال القطاع، بيد أن شمال القطاع أغلبه مُدمر، فضلاً عن أن عملية النزوح ستواجه صعوبات كثيرة مثل التنقل، وتقديم المساعدات الإنسانية، وغيرها.

اقرأ أيضاً: مفاجأة غزة: مصر تُشيّد «منطقة عازلة» استعدادا للسيناريو الأسوأ.. هل أوشك الهجوم على رفح؟!

وتتجه التقديرات الإسرائيلية إلى أن الجيش يُخطط لإجلاء السكان إلى منطقة “المواصي”، وهي منطقة ساحلية جنوبية، تصل مساحتها إلى 16 كيلومتراً مربعاً (تقريباً بعرض كيلومتر، وامتداد على الساحل بطول 14 كيلومتراً)، وتذهب تلك التقديرات إلى أن إسرائيل توصلت إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة بهذا الخصوص. ونشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن إسرائيل أخبرت مصر عن خطتها لإخلاء السكان إلى جنوب غربي قطاع غزة، وإقامة 15 موقعاً للخيام، يُنصب في كل موقع 25 ألف خيمة للنازحين.

عملياً، بدأ الجيش الإسرائيلي ببعض العمليات العسكرية العينية في مدينة رفح؛ ففي 10 فبراير اغتالت طائرات مسيرّة إسرائيلية اثنين من القيادات الأمنية في حركة حماس، وبدأ الجيش بعمليات قصف في المدينة، وبعمليات برية محدودة على غرب المدينة، ونفّذ أيضاً عملية لتحرير رهينتين إسرائيليتين. ومع ذلك فإن الجيش الإسرائيلي أعرب أنه مستعد للعملية ولكنه لم ينته بعد من عملية خان يونس، كما أنه يريد تنفيذ العملية بعد ترتيب تفاهمات مع مصر، التي تحرص على تأمين حدودها ومنع نزوح الفلسطينيين إليها.

والواضح أن الجيش الإسرائيلي ليس في مقدوره تنفيذ عملية رفح وهو لا يزال منشغلاً بعمليته في خان يونس، خصوصاً أنه سرّح أغلب وحدات الاحتياط، كما أن حركة حماس لا تزال تملك نحو كتيبتين عسكريتين في خان يونس وفق التقديرات الإسرائيلية، لذلك لا يزال الجيش يُولي أولويةً لإتمام العملية في خان يونس قبل بدء العملية في رفح، وبالتالي فإن الجدول الزمني الذي حدّده نتنياهو لن يكون واقعياً، ولن تستطيع إسرائيل تنفيذ العملية وإنهائها قبل شهر رمضان.

يرى المؤرخ الإسرائيلي يارون فريدمان أن السيطرة على مدينة رفح ستكون “المحطة الأخيرة” في حملة القضاء على حركة حماس، ولكنها لن تكون معركة سهلةً مثل باقي المعارك في قطاع غزة، لأن رفح تعد المعقل الاستراتيجي الأخير لحركة حماس، وسوف تقاتل بشراسة للدفاع عنه وتكبيد الجيش خسائر كبيرة. في الصدد نفسه، أعلنت حركة حماس أن تنفيذ عملية عسكرية في رفح سوف يُفشل مباحثات التهدئة الجارية بوساطة قطرية-مصرية-أمريكية. بيد أن العملية العسكرية التي نفذها الجيش الإسرائيلي صباح 12 فبراير، واُطلِقَ خلالها سراح رهينتين إسرائيليتين من رفح، سوف تعزز موقف نتنياهو في إقناعه المجتمع الإسرائيلي بضرورة تنفيذ العملية العسكرية للضغط على حماس من جهة، وتحرير مزيد من الرهائن من جهة أخرى، فضلاً عن أنها تعطي بعض المصداقية لرأيه بأن إسرائيل قادرة من خلال الضغط العسكري على تحرير الأسرى والرهائن.

ويمكن رصد أسباب نتنياهو ودوافعه لتنفيذ العملية وإصراره على ذلك، رغم الضغوطات المحلية، الإقليمية والدولية عليه، كما يأتي:

أولاً، تحقيق النصر الساحق الذي وعد المجتمع الإسرائيلي بتحقيقه مراراً وتكراراً؛ فنتنياهو يبحث عن انتصار مطلق لا تفسير له غير النصر في نظر الإسرائيليين، لذلك قال إنه إذا لم تنفذ إسرائيل هذه العملية فإن ذلك سيُعتبر هزيمة لإسرائيل في هذه الحرب. ويَعتقد نتنياهو أن عملية في رفح سوف تؤدي إلى القضاء على قيادة حماس السياسية والعسكرية في قطاع غزة. ويحتاج نتنياهو إلى هذا النصر للتعويض عن إخفاقه الأمني في السابع من أكتوبر، ومحاولة استعادة شعبيته، لذلك رفض مقترح حماس للتهدئة، الذي جاء رداً على اتفاق الإطار الذي جرى التوصل له في اجتماع باريس، في 28 يناير، فضلاً عن أن وقف القتال الآن قد يُهدد حكومته بالسقوط.

ثانياً، يعتمد نتنياهو على انقسام المجتمع الإسرائيلي في هذا الشأن؛ ففي استطلاع أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أشار 47% من اليهود الإسرائيليين إلى أن أولوية الحرب هي تحرير المحتجزين الإسرائيليين، في حين أشار 42% إلى أن الأولوية الأولى هي القضاء على حركة حماس. وهذا يدل أن هناك نسبة عالية من الإسرائيليين تؤيد استمرار العمليات العسكرية لتحقيق الهدف الأساسي لديها، وهو القضاء على حركة حماس.

ثالثاً، يؤيد جمهور اليمين الذهاب إلى عملية عسكرية من أجل القضاء على حركة حماس، مُعتبرين أن هذا الهدف هو الأولوية الأولى. ونتنياهو يرغب في الاستجابة لمطلب جمهور اليمين الذي يُمثل الداعم الاجتماعي له، فقد خرجت مظاهرة لليمين في 10 فبراير تدعم استمرار الحرب من أجل القضاء على حركة حماس ورفض اتفاق التهدئة، فضلاً عن أن الاستطلاع المذكور أعلاه أشار إلى أن تأييد جمهور اليمين لأولوية القضاء على حماس أكبر بكثير من أولوية تحرير المحتجزين، ففي صفوف جمهور الليكود يوجد 50% مع أولوية القضاء على حماس، مقابل 43% لأولوية الرهائن، وفي صفوف جمهور اليمين المتطرف في الحكومة يؤيد 77% أولوية هدف القضاء على حماس، مقابل 19% يقفون مع أولوية تحرير الرهائن.

وتجدر الإشارة إلى أن بيني غانتس وغادي آيزنكوت، من “المعسكر الرسمي” والأعضاء في مجلس الحرب، يتفقون مع نتنياهو حول ضرورة عملية رفح للقضاء على القدرات العسكرية لحركة حماس، ولكنهما يختلفان معه في التوقيت، فهما يعتقدان أن الأولوية الحالية لملف الأسرى والرهائن من خلال القبول باتفاق تهدئة وتبادل للأسرى والمحتجزين مع “حماس”، وفي الوقت نفسه الحصول على الدعم الأمريكي لاستمرار الحرب بعد ذلك وتجديد شرعية عمليات إسرائيل. ويعوّل غانتس وآيزنكوت على نجاح مباحثات القاهرة الرباعية (التي الْتأمت في 13 فبراير) للتوصل إلى اتفاق حول التهدئة وتبادل الأسرى والمحتجزين، إذ إن نجاحها سوف يقوي خطتهما في تأجيل العملية إلى ما بعد الصفقة، أما إذا فشلت المباحثات فإن نتنياهو لن ينتظر وسيعلن عن العملية بزعم أنها جاءت بسبب فشل المباحثات، وأنها وسيلة ضغط على حماس للقبول بشروط إسرائيل للتهدئة.

تشير مصادر إسرائيلية إلى أن نتنياهو يطمح لإنهاء العملية العسكرية في رفح قبل حلول شهر رمضان (AFP)

التحديات المرتبطة بمواقف الأطراف

تُواجه العملية العسكرية في رفح تحديات كثيرة ترتبط أساساً بمواقف الأطراف منها، أهمها:

الموقف الأمريكي: لم ترفض الولايات المتحدة بشكل مطلق تنفيذ عملية عسكرية في رفح، لكنها أكدت معارضتها العملية دون ضمان تأمين حياة الفلسطينيين في المدينة. يمكن فهم هذا الموقف بأنه غير داعم للعملية، فالولايات المتحدة لا ترى أهمية لها، وبخاصة أنها يمكن أن تقوض جهود التوصل إلى تهدئة، وتحرير المحتجزين. فقد حذَّر جون كيربي، منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي، أن الولايات المتحدة لن تدعم أي عملية عسكرية في رفح، لأن ذلك سيكون له تداعيات عميقة على مليون إنسان يجدون فيها ملجأ. وقد أجرى الرئيس بايدن اتصالاً هاتفياً مع نتنياهو في 11 فبراير، بعد انقطاع بينهما استمر ثلاثة أسابيع، ويبدو أن الاتصال جاء في أعقاب تصريحات نتنياهو عن عملية عسكرية في رفح، وإصراره على تنفيذها كما عبّر عن ذلك في سلسلة مقابلات مع الإعلام الأمريكي في الفترة الأخيرة، وأيضاً عقب تصريح الرئيس الأمريكي الذي قال فيه إن رد إسرائيل على غزة كان “مبالغاً فيه”. ووفق ما صدر عن البيت الأبيض بعد المكالمة، فإن بايدن شدد لنتنياهو على أنه “لا ينبغي بدء عمليات عسكرية في رفح دون خطة موثوقة لحماية المدنيين”، وهو ما اعتُبره محللون ضوءاً أخضر أمريكياً لإسرائيل لبدء عمليتها في رفح.

الموقف المصري: عملت مصر على تأمين حدودها مع قطاع غزة من خلال إدخال قوات عسكرية بمعدات ثقيلة (40 دبابة وناقلة جند)، من أجل منع هروب الفلسطينيين إلى مصر جراء العملية العسكرية المرتقبة. وتدل الإجراءات المصرية على الحدود، والتي شملت تثبيت الحدود بكتل إسمنتية، على أنها تخشى أن تؤدي العملية العسكرية الإسرائيلية إلى هدم الحدود الفاصلة مع قطاع غزة في محور فيلاديلفيا، واندفاع الناس للهروب عبرها إلى مصر. كما تشير الأنباء إلى أن القلق المصري من هذه العملية وصل إلى حد التهديد بتعليق اتفاق السلام مع إسرائيل.

موقف الاتحاد الأوروبي: عبَّر الاتحاد الأوروبي عن قلقه من عملية عسكرية في رفح لتداعياتها على الحالة الإنسانية هناك. فقد صرّح مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيف بوريل، أن 1.4 مليون فلسطيني موجودون حالياً في رفح من دون وجود مكان آمن يذهبون إليه، ويواجهون الجوع، لذلك عبَّر عن قلق الاتحاد الأوروبي من عملية عسكرية في رفح التي -حسب قوله- ستؤدي إلى نتائج مدمرة، وتفاقم الوضع الإنساني الصعب أصلاً، وتؤدي إلى عدد قتلى غير محتمل. وقد صعَّد بوريل معارضته للعملية مُناشداً المجتمع الدولي مراجعة مسألة تزويد إسرائيل بالسلاح.

موقف المنظمات الدولية: عبّرت الكثير من المنظمات الدولية عن تخوفها الكبير من تنفيذ عملية عسكرية في رفح، والتي ستؤدي إلى كارثة فوق الكارثة الإنسانية القائمة. فعلى سبيل المثال، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن عملية عسكرية في رفح سوف تفاقم ما أصبح كابوساً إنسانياً يرافقها تداعيات إقليمية غير معلومة. وقال أندريا دي دومينيكو، رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إن إخلاء الناس من رفح هو أمر غير قابل للتنفيذ، فالناس موجودون في كل مكان، ولا مكان يذهبون إليه، وأي عملية عسكرية لن تسمح بتقديم المساعدات لهم. أما الأمين العام لمجلس اللاجئين النرويجي جان إيغلاند، فقال إنه لا يمكن أن نسمح بعملية عسكرية في رفح التي تحولت إلى مخيم لاجئين كبير، وحذّر من “حمام دم” إذا دخل الجيش للمدينة. ورداً على دعوة المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية الوكالات التابعة للأمم المتحدة إلى التعاون مع إسرائيل لإجلاء السكان من رفح، أكد المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ينس لايرك أن المكتب لن يشارك في أي إجلاء قسري للمدنيين من منطقة رفح.

الموقف العربي: ظهرت المواقف العربية محذّرة من العملية العسكرية في رفح. فعلى سبيل المثال، أصدرت الخارجية السعودية بياناً حذرت فيه من العواقب لهذه العملية وطالبت مجلس الأمن بعقد جلسة بهذا الخصوص، وهو الأمر الذي طالبت به قطر أيضاً. وقد أعلنت السعودية في وقت لاحق أن أي اتفاق تطبيع مع إسرائيل لن يكون من دون مسار سياسي لقيام دولة فلسطينية مستقلة. كما أصدرت الخارجية الإماراتية بياناً حذرت فيه من التداعيات الإنسانية الكارثية للعملية ورفْض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

عائلات الأسرى والرهائن الإسرائيليين: ترى عائلات الأسرى والرهائن الإسرائيليين أن عملية عسكرية كبيرة في رفح سوف تقضي على آمال التوصل إلى صفقة تبادل، وحتى إنها قد تهدد حياة المحتجزين الإسرائيليين، والذين على ما يبدو موجودون في منطقة رفح. كما أن العملية سوف تزج بحماس إلى حالة من اليأس، كما تزعم العائلات، الأمر الذي يهدد بفقدان الفرصة لإعادة المحتجزين أحياء.

يأمل نتنياهو أن تؤدي معركة رفح إلى رفع شعبيته، وتحقيقه انتصاراً واضحاً في الحرب يُغطي إخفاقه الأمني والاقتصادي (AFP)

السيناريوهات المحتملة

يمكن الإشارة إلى ثلاثة سيناريوهات ممكنة لمستقبل العملية العسكرية الإسرائيلية في رفح.

السيناريو الأول، تنفيذ عملية واسعة في رفح: ينطلق هذا السيناريو من تصميم نتنياهو على تنفيذ العملية، لتحقيق ما أطلق عليه “النصر الساحق”. ويعتمد هذا السيناريو على العوامل الآتية:

حاجة نتنياهو إلى صورة نصر في قطاع غزة، وهذا يمكن تحقيقه من خلال عملية عسكرية في المحطة الأخيرة للحرب، وهي مدينة رفح.
من دون عملية عسكرية في رفح، فإن حركة حماس وقياداتها سوف تبقى موجودة، فضلاً عن بُنيتها العسكرية.
العملية تنسجم مع مواقف أغلب مركبات الحكومة وقواعد اليمين، التي تطالب نتنياهو بتحقيق وعده بالنصر الساحق.
وقف الحرب سوف يعني بالنسبة للكثيرين في المجتمع الإسرائيلي هزيمة لإسرائيل وعدم تحقيق أهدافها من الحرب.
يُمكن لإسرائيل تجنب النقد الدولي أو تقليله من خلال إخلاء السكان من رفح، قبل بدء العملية العسكرية، وإقامة ممرات وأماكن آمنة لهم.

السيناريو الثاني، إلغاء العملية العسكرية في رفح: ينطلق هذا السيناريو من أن الضغط الدولي والإقليمي والمصري من جهة، واحتجاج عائلات الأسرى الرهائن الإسرائيليين من جهة أخرى، سوف يدفع نتنياهو إلى إلغاء العملية العسكرية في رفح. وينطلق هذا السيناريو من الاعتبارات الآتية:

التحفظ الأمريكي لدرجة المعارضة لعملية عسكرية في رفح، فضلاً عن الرفض الدولي عموماً لتنفيذ العملية لدواعٍ إنسانية.
الرفض الإقليمي لعملية عسكرية في رفح، وتداعياتها الممكنة إنسانياً وسياسياً.
التهديد المصري بأن استهداف رفح بعملية عسكرية برية قد يؤدي إلى تعليق اتفاقية السلام بين البلدين.
احتجاج عائلات الأسرى والرهائن، والضغط على الحكومة لقبول اتفاق التهدئة/الصفقة، من أجل استعادة المحتجزين، والتخوف من أن العملية سوف تُنهي المباحثات وتُهدد حياة المحتجزين.
التخوف من أن عملية عسكرية في رفح قد تكبِّد الجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة، والتخوف أيضاً من أن تؤدي العملية إلى تصعيد الصراع في جبهات أخرى، مما يُعقد الأوضاع الأمنية في المنطقة.
التخوف من أن العملية العسكرية سوف تُكرس الحالة الاقتصادية، وبخاصة بعد تخفيض وكالة موديز التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى “أيه 2” مع نظرة مستقبلية سلبية، إذ إن واحداً من أسباب التخفيض كان عدم وضوح مستقبل الحرب والاستقرار في إسرائيل.

السيناريو الثالث، تنفيذ عملية عسكرية محدودة: ينطلق هذا السيناريو من أن تنفيذ عملية عسكرية محدودة في رفح قد يُضعف حركة حماس ويضغط عليها للقبول بشروط إسرائيل للتهدئة، وفي الوقت نفسه يُخفف النقد الدولي ضد إسرائيل. ويُقصد بعملية عسكرية محدودة تنفيذ مداهمات عسكرية عينية، وتوغل محدود والتراجع بعدها، وقصف مواقع معينة تابعة للمقاومة، بحيث لا تشمل احتلال مدينة رفح. ويعتمد هذا السيناريو على المحددات الآتية:

شن عملية محدودة لن تحتاج إلى نقل السكان في رفح إلى مناطق أخرى في غزة، مع أنها ستكون عملية مُعقدة وغير مضمونة.
سوف تلاقي عملية كهذه دعماً أمريكياً لها، لأنها تنسجم مع المرحلة الثالثة المتمثلة في تنفيذ عمليات عسكرية عينية كما حدث في الفترة الأخيرة.
قدرة عملية كهذه على الضغط العسكري على حماس لتليين مواقف الحركة بشأن مباحثات التهدئة/الصفقة، دون تعريض المباحثات للخطر.
قد تحظى هذه العملية بإجماع كبير في المجتمع الإسرائيلي وتمنع خسائر كبيرة في صفوف الجيش، فهي تُرضي ممن يطالبون بالضغط العسكري على حماس، ومَن يطالبون بالتهدئة.
تنسجم عملية من هذا النوع مع المصالح المصرية، والحفاظ على العلاقات والتفاهمات الأمنية مع القاهرة.

وبالنظر للمعطيات الراهنة، يبدو السيناريو الأول أكثر ترجيحاً، أي تنفيذ إسرائيل عملية عسكرية شاملة في رفح. ويعتمد ترجيح هذا السيناريو على إصرار نتنياهو عليه، وربطه بين النصر وتنفيذ العملية، فضلاً عن دعم قطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي لهذه العملية، فضلاً عن أن عدم تنفيذ هذه العملية سوف يُبقي حماس فاعلاً عسكرياً وسياسياً في قطاع غزة، وتملي شروطها على إسرائيل في مباحثات التهدئة بين الأطراف. كما أن تنفيذ عملية محدودة لن يفي بالغرض الذي وضعته إسرائيل ونتنياهو لتحقيق النصر، والمؤكد أن عدم تنفيذها سوف يُقوض مكانة نتنياهو، وعملياً يُنهي الحرب قبل تحقيق النصر كما عرّفه نتنياهو، وسيظهر أنه ضعيف وغير قادر على الإيفاء بوعوده، وسيفرض على إسرائيل قبول التهدئة التي ستُفضي بالنهاية إلى وقف إطلاق النار دون تحقيق أهداف الحرب. وبالنسبة للخسائر البشرية، فقد تراجع عدد الجنود الذين يُقتلون في الحرب، وهذا الأمر نابع ربما من تدمير كبير لقدرات حماس العسكرية، وتعلُّم الجيش من المراحل السابقة في المعارك التي قد يستفيد منها في معركة رفح.

وبالنسبة لتحفظ الولايات المتحدة، فإن إسرائيل تعتقد أنها قادرة على احتوائه إذا سمحت بتوسيع دخول المساعدات الإنسانية، ودفعت السكان إلى النزوح عن مواقع العمليات العسكرية. وتُدرك المؤسسة العسكرية حساسية الموقف مع مصر، لذلك لن تلجأ إسرائيل إلى دفع السكان للنزوح إلى مصر.

ومن المتوقع، تبعاً لذلك، أن تُنفَّذ هذه العملية العسكرية الشاملة بطريقتين: إما من طريق جعلها تتصاعد التدريجي لتمكين السكان من النزوح تدريجياً عن رفح، وفي الوقت نفسه زيادة تصعيد العملية العسكرية وكثافتها مع بدء النزوح؛ وإما من خلال إعلان رسمي عنها يشمل توقيتاً لها، ويوفر الجيش الإسرائيلي خلالها ممراً لنزوح السكان إلى أماكن أخرى في قطاع غزة.

السابق
من أصحاب السوابق ونفّذ عمليات سلب بقوّة السّلاح.. هكذا قبض عليه!
التالي
أزمة تتفاقَم في الظِّلال: كيف انعكس التصعيد في البحر الأحمر على اليمن، اقتصادياً وإنسانياً؟